Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 113, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والفلق : الصبح ، قاله ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبي وابن زيد ، وفي المثل : هو أبين من فلق الصبح ومن فرق الصبح ، وقال الشاعر : @ يا ليلة لم أنمها بت مرتقباً أرعى النجوم إلى أن قدّر الفلق @@ وقال الشاعر يصف الثور الوحشي : @ حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق هاديه في أخريات الليل منتصب @@ وقيل : الفلق : كلما يفلقه الله تعالى ، كالأرض والنبات والجبال عن العيون ، والسحاب عن المطر ، والأرحام عن الأولاد ، والحب والنوى وغير ذلك . وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من الصحابة والتابعين : الفلق : جب في جهنم ، ورواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : لما اطمأن من الأرض الفلق ، وجمعه فلقان . وقيل : واد في جهنم . وقال بعض الصحابة : بيت في جهنم ، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حره . وقرأ الجمهور : { من شر ما خلق } ، بإضافة شر إلى ما ، وما عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشر من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد ، كالإحراق بالنار ، والإغراق بالبحر ، والقتل بالسم . وقرأ عمرو بن فايد : من شر بالتنوين . وقال ابن عطية : وقرأ عمرو بن عبيد ، وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر : من شر بالتنوين ، ما خلق على النفي ، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل ، { الله خالق كل شيء } [ الزمر : 62 ] ، ولهذه القراءة وجه غير النفي ، فلا ينبغي أن ترد ، وهو أن يكون { ما خلق } بدلاً من { شر } على تقدير محذوف ، أي من شرّ شر ما خلق ، فحذف لدلالة شر الأول عليه ، أطلق أولاً ثم عمّ ثانياً . والغاسق : الليل ، ووقب : أظلم ودخل على الناس ، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد ، وزمّكه الزمخشري على عادته فقال : والغاسق : الليل إذا اعتكر ظلامه . من قوله تعالى : { إلى غسق الليل } [ الإسراء : 78 ] ومنه : غسقت العين : امتلأت دمعاً ، وغسقت الجراحة : امتلأت دماً ، ووقوبه : دخول ظلامه في كل شيء ، انتهى . وقال الزجاج : هو الليل لأنه أبرد من النهار ، والغاسق : البارد ، استعيذ من شره لأنه فيه تنبث الشياطين والهوام والحشرات وأهل الفتك . قال الشاعر : @ يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقاً إذ جئتنا طارقاً والليل قد غسقا @@ وقال محمد بن كعب : النهار دخل في الليل . وقال ابن شهاب : المراد بالغاسق : الشمس إذا غربت . وقال القتبي وغيره : هو القمر إذا دخل في ساهوره فخسف . وفي الحديث : " نظر صلى الله عليه وسلم إلى القمر فقال : يا عائشة ، نعوذ بالله من هذا ، فإنه الفاسق إذا وقب " وعنه صلى الله عليه وسلم : " الغاسق النجم " وقال ابن زيد عن العرب : الغاسق : الثريا إذا سقطت ، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عند ذلك . وقيل : الحية إذا لدغت ، والغاسق سم نابها لأنه يسيل منه . والنفاثات : النساء ، أو النفوس ، أو الجماعات السواحر ، يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين . وقرأ الجمهور : { النفاثات } ؛ والحسن : بضم النون ، وابن عمر والحسن أيضاً وعبد الله بن القاسم ويعقوب في رواية النافثات ؛ والحسن أيضاً وأبو الربيع : النفثات بغير ألف ، نحو الخدرات . والاستعاذة من شرهن هو ما يصيب الله تعالى به من الشر عند فعلهن ذلك . وسبب نزول هاتين المعوذتين ينفي ما تأوله الزمخشري من قوله : ويجوز أن يراد به النساء ذات الكيادات من قوله : { إن كيدكن عظيم } [ يوسف : 28 ] تشبيهاً لكيدهن بالسحر والنفث في العقد ، أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهنّ لهم ، وعرضهنّ محاسنهن ، كأنهن يسحرنهم بذلك ، انتهى . وقال ابن عطية : وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذي بذلك ، وهذا الشأن في زماننا موجود شائع في صحراء المغرب . وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطاً أحمر قد عقدت فيه عقد على فصلان ، فمنعت من رضاع أمهاتها بذلك ، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع ، انتهى . وقيل : الغاسق والحاسد بالطرف ، لأنه إذا لم يدخل الليل لا يكون منسوباً إليه ، وكذا كل ما فسر به الغاسق . وكذلك الحاسد ، لا يؤثر حسده إذا أظهره بأن يحتال للمحسود فيما يؤذيه . أما إذا لم يظهر الحسد ، فإنما يتأذى به هو لا المحسود ، لاغتمامه بنعمة غيره . قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهار أثره ، انتهى . وعم أولاً فقال : { من شر ما خلق } ، ثم خص هذه لخفاء شرها ، إذ يجيء من حيث لا يعلم ، وقالوا : شر العداة المراجي بكيدك من حيث لا تشعر ، ونكر غاسق وحاسد وعرف النفاثات ، لأن كل نفاثة شريرة ، وكل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض ، وكذلك كل حاسد لا يضر . ورب حسد محمود ، وهو الحسد في الخيرات ، ومنه : لا حسد إلا في اثنتين ، ومنه قول أبي تمام : @ ومـا حاسد في المكرمـات بحاسـد @@ وقال آخر : @ إن الغـلا حسن في مثلهـا الحسـد @@ وقول المنظور إليه للحاسد ، إذا نظر الخمس على عينيك يعني به هذه السورة ، لأنها خمس آيات ، وعين الحاسد في الغالب واقعة نعوذ بالله من شرها .