Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 102-107)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن الأنباري : سألت قريش واليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فنزلت مشروحة شرحاً وافياً ، وأمل أن يكون ذلك سبباً لإسلامهم ، فخالفوا تأميله ، فعزاه الله تعالى بقوله : وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين الآيات . وقيل : في المنافقين ، وقيل : الثنوبة ، وقيل : في النصارى . وقال ابن عباس : في تلبية المشركين . وقيل : في أهل الكتاب آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، فجمعوا بين الإيمان والشرك . والإشارة بذلك إلى ما قصه الله من قصة يوسف وإخوته . وما كنت لديهم أي : عند بني يعقوب حين أجمعوا أمرهم على أن يجعلوه في الجب ، ولا حين ألقوه فيه ، ولا حين التقطته السيارة ، ولا حين بيع . وهم يمكرون أي يبغون الغوائل ليوسف ، ويتشاورون فيما يفعلون به . أو يمكرون بيعقوب حين أتوا بالقميص ملطخاً بالدم ، وفي هذا تصريح لقريش بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا النوع من علم البيان يسمى بالاحتجاج النظري ، وبعضهم يسميه المذهب الكلامي ، وهو أن يلزم الخصم ما هو لازم لهذا الاحتجاج ، وتقدم نظير ذلك في آل عمران ، وفي هود . وهذا تهكم بقريش وبمن كذبه ، لأنه لا يخفى على أحد أنه لم يكن من حملة هذا الحديث وأشباهه ، ولا لقي فيها أحداً ولا سمع منه ، ولم يكن من علم قومه ، فإذا أخبر به وقصه هذا القصص الذي أعجز حملته ورواته لم تقع شبهة في أنه ليس منه ، وإنما هو من جهة القرون الخالية ونحوه { وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر } [ القصص : 44 ] فقوله : وما كنت ، هنا تهكم بهم ، لأنه قد علم كل أحد أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما كان معهم . وأجمعوا أمرهم أي : عزموا على إلقاء يوسف في الجب ، وهم يمكرون جملة حالية . والمكر : أن يدبر على الإنسان تدبيراً يضره ويؤذيه والناس ، الظاهر العموم لقوله : ولكن أكثر الناس لا يؤمنون . وعن ابن عباس : أنهم أهل مكة . ولو حرصت : ولو بالغت في طلب إيمانهم لا يؤمنون لفرط عنادهم وتصميمهم على الكفر . وجواب لو محذوف أي : ولو حرصت لم يؤمنوا ، إنما يؤمن من يشاء الله إيمانه . والضمير في عليه عائد على دين الله أي : ما تبتغي عليه أجراً على دين الله ، وقيل : على القرآن ، وقيل : على التبليغ ، وقيل : على الإنباء بمعنى القول . وفيه توبيخ للكفرة ، وإقامة الحجة عليهم . أو وما تسألهم على ما تحدثهم به وتذكرهم أن ينيلوك منفعة وجدوى ، كما يعطى حملة الأحاديث والأخبار إن هو إلا موعظة وذكر من الله للعالمين عامة ، وحث على طلب النجاة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . ا وقرأ بشر بن عبيد : وما نسألهم بالنون . ثم أخبر تعالى أنهم لفرط كفرهم يمرون على الآيات التي تكون سبباً للإيمان ولا تؤثر فيهم ، وأن تلك الآيات هي في العالم العلوي وفي العالم السفلي وتقدم قراءة ابن كثير وكأين . قال ابن عطية وهو اسم فاعل من كان فهو كائن ومعناها معنى كم في التكثير انتهى . وهذا شيء يروي عن يونس ، وهو قول مرجوح في النحو . والمشهور عندهم أنه مركب من كاف التشبيه ومن أي ، وتلاعبت العرب به فجاءت به لغات . وذكر صاحب اللوامح أن الحسن قرأ وكي بياء مكسورة من غير همز ولا ألف ولا تشديد ، وجاء كذلك عن ابن محيصن ، فهي لغة انتهى . من آية علامة على توحيد الله وصفاته ، وصدق ما جيء به عنه . وقرأ عكرمة وعمرو بن قائد : والأرض بالرفع على الابتداء ، وما بعده خبر . ومعنى يمرون عليها فيشاهدون ما فيها من الآيات . وقرأ السدي : والأرض بالنصب ، وهو من باب الاشتغال أي : ويطوون الأرض يمرون عليها على آياتها ، وما أودع فيها من الدلالات . والضمير في عليها وعنها في هاتين القراءتين يعود على الأرض ، وفي قراءة الجمهور وهي بجر الأرض ، يعود الضمير على آية أي : يمرون على تلك الآيات ويشاهدون تلك الدلالات ، ومع ذلك لا يعتبرون . وقرأ عبد الله : والأرض برفع الضاد ، ومكان يمرون يمشون ، والمراد : ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر . وهم مشركون جملة حالية أي : إيمانهم ملتبس بالشرك . وقال ابن عباس : هم أهل الكتاب ، أشركوا بالله من حيث كفروا بنبيه ، أو من حيث ما قالوا في عزير والمسيح . وقال عكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن زيد : هم كفار العرب أقروا بالخالق الرازق المحيـي المميت ، وكفروا بعبادة الأوثان والأصنام . وقال ابن عباس : هم الذين يشبهون الله بخلقه . وقيل : هم أهل مكة قالوا : لله ربنا لا شريك له ، والملائكة بناته ، فأشركوا ولم يوحدوا . وعن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والشعبي ، وقتادة أيضاً ذلك في تلبيتهم يقولون : لبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك تملكه وما ملك . وفي الحديث كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع أحدهم يقول : لبيك لا شريك لك يقول له : « قط قط » أي قف هنا ولا تزد إلا شريك هو لك . وقيل : هم الثنوية قالوا بالنور والظلمة . وقال عطاء : هذا في الدعاء ينسى الكفار ربهم في الرخاء ، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء . وقيل : هم المنافقون ، جهروا بالإيمان وأخفوا الكفر . وقيل : على بعض اليهود عبدوا عزيراً ، والنصارى عبدوا عيسى . وقيل : قريش لما غشيهم الدخان في سني القحط قالوا : إنا مؤمنون ، ثم عادوا إلى الشرك بعد كشفه . وقيل : جميع الخلق مؤمنهم بالرسول وكافرهم ، فالكفار تقدم شركهم ، والمؤمنون فيهم الشرك الخفي ، وأقربهـم إلى الكفر المشبهة . ولذلك قال ابن عباس : آمنوا محملاً ، وكفروا مفصلاً . وثانيها من يطيع الخلق بمعصية الخالق ، وثالثها من يقول : نفعني فلان وضرّني فلان . أفأمنوا : استفهام إنكار فيه توبيخ وتهديد ، غاشية نقمة تغشاهم أي ، تغطيهم كقوله : { يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم } [ العنكبوت : 55 ] وقال الضحاك : يعني الصواعق والقوارع انتهى . وإتيان الغاشية يعني في الدنيا ، وذلك لمقابلته بقوله أو تأتيهم الساعة أي يوم القيامة ، بغتة أي : فجأة في الزمان من حيث لا يتوقع ، وهم لا يشعرون تأكيد لقوله بغتة . قال الكرماني : لا يشعرون بإتيانها أي : وهم غيره مستعدين لها . قال ابن عباس : تأخذهم الصيحة على أسواقهم ومواضعهم . وقرأ أبو حفص ، وبشر بن عبيد : أو يأتيهم الساعة .