Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 12-14)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما خوف تعالى العباد بقوله تعالى : { وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له } [ الرعد : 11 ] أتبعه بما يشتمل على أمور دالة على قدرة الله تعالى ، وحكمته تشبه النعم من وجه ، والنقم من وجه . وتقدم الكلام في البرق والرعد والصواعق والسحاب في البقرة . قال ابن عباس والحسن : خوفاً من الصواعق ، وطمعاً في الغيث . وقال قتادة : خوفاً للمسافرين من أذى المطر ، وطمعاً للمقيم في نفعه . وقريب منه ما ذكره الزجاج وهو : خوفاً للبلد الذي يخاف ضرر المطر له ، وطمعاً لمن يرجو الانتفاع به . وذكر الماوردي : خوفاً من العقاب ، وطمعاً في الثواب . وعن ابن عباس وغيره : أنه كنى بالبرق عن الماء ، لما كان المطر يقاربه غالباً وذلك من باب إطلاق الشيء مجازاً على ما يقاربه غالباً . قال الحوفي : خوفاً وطمعاً مصدران في موضع الحال من ضمير الخطاب ، وجوزه الزمخشري أي : خائفين وطامعين ، قال : ومعنى الخوف والطمع ، أن وقوع الصواعق يخوف عند لمع البرق ، ويطمع في الغيث . قال أبو الطيب : @ فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى يرجى الحيا منه وتخشى الصواعق @@ وقيل : يخاف البرق المطر من له منه ضرر كالمسافر ، ومن في جرينته التمر والزبيب ، ومن له بيت يكف ، ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر انتهى . وقوله الأول في تفسير الخوف والطمع ، هو قول ابن عباس والحسن الذي تقدم ، وقوله : كأهل مصر ، ليس كما ذكر ، بل ينتفعون بالمطر في كثير من أوقات نمو الزرع ، وأنه به ينمو ويجود ، بل تمر على الزرع أوقات يتضرر وينقص نموه بامتناع المطر . وأجاز الزمخشري أن يكونا منصوبين على الحال من البرق ، كأنه في نفسه خوف وطمع ، أو على ذا خوف وطمع . وقال أبو البقاء : خوفاً وطمعاً مفعول من أجله . وقال الزمخشري : لا يصح أن يكون مفعولاً لهما ، لأنهما ليسا بفعل الفاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف أي : إرادة خوف وطمع ، أو على معنى إخافة وإطماعاً انتهى . وإنما لم يكونا على ظاهرهما بفعل الفاعل الفعل المعلل لأن الإرادة فعل الله ، والخوف والطمع فعل للمخاطبين ، فلم يتحد الفاعل في الفعل في المصدر . وهذا الذي ذكره الزمخشري من شرط اتحاد الفاعل فيهما ليس مجمعاً عليه ، بل من النحويين من لا يشترط ذلك ، وهو مذهب ابن خروف . والسحاب اسم جنس يذكر ويؤنث ، ويفرد ويجمع ، قال : { والنخل باسقات } [ ق : 10 ] ولذلك جمع في قوله : الثقال ، ويعني بالماء ، وهو جمع ثقيلة . قال مجاهد وقتادة : معناه تحمل الماء ، والعرب تصفها بذلك . قال قيس بن أخطم : @ فما روضة من رياض القطا كأن المصابيح جودانها بأحسن منها ولا مزنة ولوح يكشف أوجانها @@ والدلوج المثقلة ، والظاهر إسناد التسبيح إلى الرعد . فإن كان مما يصح منه التسبيح فهو إسناد حقيقي ، وإن كان مما لا يصح منه فهو إسناد مجازي . وتنكيره في قوله : { فيه ظلمات ورعد وبرق } [ البقرة : 19 ] ينفي أن يكون علماً لملك . وقال ابن الأنباري : الإخبار بالصوت عن التسبيح مجاز كما يقول القائل : قد غمني كلامك . وقال الزمخشري : ويسبح سامعو الرعد من العباد الراجين للمطر حامدين له ، أي : يضجون بسبحان الله والحمد لله . وفي الحديث : " سبحان من يسبح الرعد بحمده " وعن علي : « سبحان من سبحت له إذا اشتد الرعد » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك " ومن بدع المتصوفة : الرعد صعقات الملائكة ، والبرق زفرات أفئدتهم ، والمطر بكاؤهم انتهى . وقال ابن عطية : وقيل في الرعد أنه ريح يختنق بين السحاب ، روى ذلك عن ابن عباس . وهذا عندي لا يصح لأنّ هذا نزغات الطبيعيين وغيرهم من الملاحدة . وقال أبو عبد الله الرازي : إعلم أن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية ، وللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره ، وكذا القول في الرياح ، وفي سائر الآثار العلوية . وهذا عين ما قلناه أن الرعد اسم لملك من الملائكة يسبح الله تعالى ، فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء ، فكيف بالعاقل الإنكار ؟ انتهى . وهذا الرجل غرضه جريان ما تنتحله الفلاسفة على مناهج الشريعة ، وذلك لا يكون أبداً ، وقد تقدمت أقوال المفسرين في الرعد في البقرة ، فلم يجمعوا على أنّ الرعد اسم لملك . وعلى تقدير أن يكون اسماً لملك ، لا يلزم أن يكون ذلك الملك يدبر لا السحاب ولا غيره ، إذ لا يستفاد مثل هذا إلا من النبي صلى الله عليه وسلم المشهود له بالعصمة ، لا من الفلاسفة الضلال . والظاهر عود الضمير في قوله : من خيفته ، على الله تعالى كما عاد عليه في قوله : بحمده . ومعنى خيفته : من هيبته وإجلاله . وقيل : يعود على الرعد . والملائكة أعوانه جعل الله له ذلك فهم خائفون خاضعون طائعون له . والرعد وإن كان مندرجاً تحت لفظ الملائكة ، فهو تعميم بعد تخصيص انتهى . وهو قول ضعيف . ومن مفعول فيصيب ، وهو من باب الإعمال ، أعمل فيه الثاني إذ يرسل يطلب من وفيصيب يطلبه ، ولو أعمل الأول لكان التركيب : ويرسل الصواعق فيصيب بها على من يشاء ، لكن جاء على الكثير في لسان العرب المختار عند البصريين وهو إعمال الثاني . ومفعول يشاء محذوف تقديره : من يشاء إصابته . وفي الخبر أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى جبار من العرب ليسلم فقال : أخبرني عن إله محمد ؟ أمن لؤلؤ هو أم من ذهب ؟ فنزلت عليه صاعقة ونزلت الآية فيه . وقال مجاهد : ناظر يهودي الرسول صلى الله عليه وسلم ، فبينا هو كذلك نزلت صاعقة فأخذت قحف رأسه ، فنزلت الآية فيه . وقال ابن جريج : سبب نزولها لها قصة أربد بن ربيعة وعامر بن الطفيل ، وذكر قصتهما المشهورة مضمونها أن عامراً توعد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يجبه إلى ما طلب ، وأنه وأربد راما الفتك به ، فعصمه الله تعالى ، وأصاب عامراً بغدّة فمات غريباً ، وأربد بصاعقة فقتلته ، ولأخيه لبيد فيه عدة مراثٍ منها قوله : @ أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد فجعني البرق والصواعق بالفا رس يوم الكريهة النجد @@ وهذه الصلات الأربع التي وصلت بها الذي تدل على القدرة الباهرة ، والتصرف التام في العالم العلوي والسفلي ، فالمتصف بها ينبغي أن لا يجادل فيه ، وأن يعتقد ما هو عليه من الصفات العلوية ، والضمير في وهم يجادلون ، عائد على الكفار المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم ، المنكرين الآيات ، يجادلون في قدرة الله على البعث وإعادة الخلق بقولهم : { من يحيي العظام وهي رميم } [ يس : 78 ] وفي وحدانيته باتخاذ الشركاء والانداد . ونسبة التوالد إليه بقولهم : الملائكة بنات الله تعالى والمعنى : أنه عز وجل متصف بهذه الأوصاف ، ومع ذلك رتبوا عليها غير مقتضاها من المجادلة فيه وفي أوصافه تعالى ، وكان مقتضاها التسليم لما جاءت به الأنبياء . وقيل : وهم يجادلون حال من مفعول يشاء أي : فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم كما جرى لليهودي . وكذلك الجبار ، ولا ربد . وهو شديد المحال ، جملة حالية من الجلالة . وقرأ الجمهور : المحال بكسر الميم . فعن ابن عباس : المحال العداوة ، وعنه الحقد . وعن عليّ : الأخذ ، وعن مجاهد : القوة . وعن قطرب : الغضب . وعن الحسن : الهلاك بالمحل ، وهو القحط . وقرأ الضحاك والأعرج : المحال بفتح الميم . فعن ابن عباس : الحول . وعن عبيدة : الحيلة . يقال : المحال والمحالة وهي الحيلة ، ومنه قول العرب في مثل : المرء يعجز لا المحالة . قال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى شديد العقاب ، ويكون مثلاً في القوة والقدرة ، كما جاء : فساعد الله أشد ، وموساه أحدّ ، لأنّ الحيوان إذا اشتد غاية كان منعوتاً بشدّة القوة والاضطلاع بما يعجز عنه غيره . ألا ترى إلى قولهم : فقرته الفواقر ، وذلك أنّ الفقار عمود الظهر وقوامه . والضمير في له عائد على الله تعالى ، ودعوة الحق قال ابن عباس : دعوة الحق لا إله إلا الله ، وما كان من الشريعة في معناها . وقال علي بن أبي طالب ، دعوة الحق التوحيد . وقال الحسن : إن الله هو الحق ، فدعاؤه دعوة الحق . وقيل : دعوة الحق دعاؤه عند الخوف ، فإنه لا يدعي فيه إلا هو ، كما قال : { ضل من تدعون إلا إياه } [ الإسراء : 67 ] قال الماوردي : وهو أشبه بسياق الآية . وقيل : دعوة الطلب الحق أي : مرجو الإجابة ، ودعاء غير الله لا يجاب ، وقال الزمخشري : فيه وجهان . أحدهما : أن تضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل ، كما تضاف الكلمة إليه في قوله : « كلمة الحق » للدلالة على أنّ الدعوة ملابسة للحق مختصة به ، وأنها بمعزل من الباطل ، والمعنى : أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة ، ويعطى الداعي سؤله إن كانت مصلحة له ، فكانت دعوته ملابسة للحق لكونه حقيقاً بأن يوجه إليه الدعاء ، لما في دعوته من الجدوى والنفع ، بخلاف ما لا ينفع ولا يجدي دعاؤه . والثاني : أن تضاف إلى الحق الذي هو الله عز وجل على معنى دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب . وعن الحسن رحمه الله : الحق هو الله تعالى ، وكل دعاء إليه دعوة الحق انتهى . وهذا الوجه الثاني الذي ذكره الزمخشري لا يظهر ، لأنّ مآله إلى تقدير : لله دعوة لله ، كما تقول : لزيد دعوة زيد ، وهذا التركيب لا يصح . والذي يظهر أن هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصفة كقوله : ولدار الآخرة على أحد الوجهين ، والتقدير : لله الدعوة الحق بخلاف غيره فإنّ دعوتهم باطلة ، والمعنى : أن الله تعالى الدعوة له هي الدعوة الحق . ولما ذكر تعالى جدال الكفار في الله تعالى ، وكان جدالهم في إثبات آلهة معه ، ذكر تعالى أنه له الدعوة الحق أي : من يدعو له فدعوته هي الحق ، بخلاف أصنامهم التي جادلوا في الله لأجلها ، فإن دعاءها باطل لا يتحصل منه شيء . فقال : { والذين يدعون } [ الرعد : 14 ، النحل : 20 ] قال الزمخشري : والآلهة الذين يدعونهم الكفار من دون الله لا يستجيبون لهم بشيء من طلباتهم إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه أي : كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه ، يطلب منه أن يبلغ فاه ، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه . وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ، ولا يستطيع إجابتهم ، ولا يقدر على نفعهم . وقيل : شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه ، فبسطهما ناشراً أصابعه فلم تبق كفاه منه شيئاً ، ولم يبلغ طلبته من شربه انتهى . فالضمير في يدعون عائد على الكفار ، والعائد على الذين محذوف أي : يدعونهم . ويؤيده قراءة من قرأ بالتاء في تدعون ، وهي قراءة اليزيدي عن أبي عمر . وقيل : الذين أي : الكفار الذين يدعون ، ومفعول يدعون محذوف أي : يدعون الأصنام . والعائد على الذين الواو في يدعون ، والواو في لا يستجيبون عائد في هذا القول على مفعول يدعون المحذوف ، وعلى القول الأول على الذين . قال ابن عباس : كالناظر إلى خياله في الماء يريد تناوله ، فكذا المحتاج يخيل إليه في الاحتياج إليه خيال الاحتياج إليه . وقال الضحاك : كمن بسط يديه إلى الماء ليصل إليه بلا اغتراف . وقال أبو عبيدة : أي كالقابض على الماء ليس على شيء ، قال : والعرب تضرب المثل في الساعي فيما لا يدركه بالقابض على الماء ، وأنشد سيبويه : @ فأصبحت فيما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء في اليد @@ وقال آخر : @ وإني وإياكم وشوقاً إليكم كقابض ماء لم تسعه أنامله @@ وقيل : شبه الكفار في دعائهم لأصنامهم عند ضرورتهم برجل عطشان لا يقدر على الماء ، جلس على شفير بئر يدعو الماء ليبل غلته ، فلا هو يبلغ قعر البئر إلى الماء ، ولا الماء يرتفع إليه لأنه جماد ولا يحس بعطشه ودعائه ، كذلك ما يدعو الكفار من الأوثان جماد لا يحس بدعائهم ، ولا يستطيع إجابتهم ، ولا يقدر على نفعهم انتهى . والكاف في موضع نصب أي : مثل استجابة ، واستجابة مضافة في التقدير إلى باسط ، وهي إضافة المصدر إلى المفعول . وفاعل المصدر محذوف تقديره : كإجابة الماء من يبسط كفيه إليه ، فلما حذف أظهر في قوله : إلى الماء ، ولو كان ملفوظاً به لعاد الضمير إليه ، فكان يكون التركيب كفيه إليه . هذا الذي يقدر من كلام الزمخشري في هذا التشبيه ، وتبعه أبو البقاء . وقال ابن عطية : ومعنى الكلام الذي يدعونهم الكفار إلى حوائجهم ومنافعهم لا يجيبون ، ثم مثل تعالى مثالاً لإجابتهم بالذي يبسط كفيه إلى الماء ويشير إليه بالإقبال ، فهو لا يبلغ فمه أبداً ، فكذلك إجابة هؤلاء والانتفاع بهم لا يقع انتهى . وفاعل ليبلغ ضمير الماء ، وليبلغ متعلق بباسط ، وما هو أي : وما الماء ببالغه ، أي : ببالغ الفم . ويجوز أن يكون هو ضمير الفم ، والهاء في ببالغه للماء أي : وما الفم ببالغ الماء ، لأنّ كلاًّ منهما لا يبلغ الآخر على هذه الحالة . وقرىء : كباسط كفيه بتنوين باسط . وما دعاء الكافرين إلا في ضلال أي : في حيرة ، أو في اضمحلال ، لأنه لا يجدي شيئاً ولا يفيد ، فقد ضل ذلك الدعاء عنهم كما ضل المدعون . قال تعالى : { أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا } [ الأعراف : 37 ] قال الزمخشري : إلا في ضياع لا منفعة فيه ، لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم ، وإن دعوا الآلهة لم نستطع إجابتهم . وقال ابن عباس : أصوات الكافرين محجوبة عن الله فلا يسمع دعاؤهم .