Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 33-34)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

من موصولة صلتها ما بعدها ، وهي مبتدأ والخبر محذوف تقديره : كمن ييئس ، كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع ، كما حذف من قوله : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } [ الزمر : 22 ] تقديره : كالقاسي قلبه الذي هو في ظلمة . ودل عليه قوله تعالى : وجعلوا لله شركاء ، كما دل على القاسي { فويل للقاسية قلوبهم } [ النحل : 17 ] ويحسن حذف هذا الخبر كون المبتدأ يكون مقابله الخبر المحذوف ، وقد جاء مثبتاً كثيراً كقوله تعالى : { أفمن يخلق كمن لا يخلق } [ النحل : 17 ] { أفمن يعلم } [ الرعد : 19 ] ثم قال : { كمن هو أعمى } [ الرعد : 19 ] والظاهر أنّ قوله تعالى : وجعلوا لله شركاء ، استئناف إخبار عن سوء صنيعهم ، وكونهم أشركوا مع الله ما لا يصلح للألوهية . نعى عليهم هذا الفعل القبيح ، هذا والباري تعالى هو المحيط بأحوال النفوس جليها وخفيها . ونبه على بعض حالاتها وهو الكسب ، ليتفكر الإنسان فيما يكسب من خير وشر ، وما يترتب على الكسب في الجزاء ، وعبر بقائم عن الإحاطة والمراقبة التي لا يغفل عنها . وقال الزمخشري : ويجوز أن يقدر ما يقع خبراً للمبتدأ ، ويعطف عليه وجعلوا لله أي : وجعلوا ، وتمثيله : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه ، وجعلوا له شركاء ، وهو الله الذي يستحق العبادة وحده انتهى . وفي هذا التوجيه إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله : وجعلوا لله أي : وجعلوا له ، وفيه حذف الخبر عن المقابل ، وأكثر ما جاء هذا الخبر مقابلاً . وفي تفسير أبي عبد الله الرازي قال : الشديد صاحب العقد ، الواو في قوله تعالى : وجعلوا واو الحال ، والتقدير : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت موجود ، والحال أنهم جعلوا له شركاء ، ثم أقيم الظاهر وهو لله مقام المضمر تقديراً لألوهيته وتصريحاً بها ، كما تقول : معطي الناس ومغنيهم موجود ، ويحرم مثلي انتهى . وقال ابن عطية : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت أحق بالعبادة أم الجمادات التي لا تضر ولا تنفع ؟ هذا تأويل . ويظهر أنّ القول مرتبط بقوله : وجعلوا لله شركاء ، كأنّ المعنى : أفمن له القدرة والوحدانية ويجعل له شريك ، هل ينتقم ويعاقب أم لا ؟ وأبعد من ذهب إلى أنّ قوله : أفمن هو قائم المراد به الملائكة الموكلون ببني آدم ، حكاه القرطبي عن الضحاك . والخبر أيضاً محذوف تقديره : كغيره من المخلوقين . وأبعد أيضاً من ذهب إلى أن قوله : وجعلوا معطوفاً على استهزىء ، أي : استهزؤوا وجعلوا ، ثم أمره تعالى أن يقول لهم : سموهم أي : اذكروهم بأسمائهم ، والمعنى : أنهم ليسوا ممن يذكر ويسمى ، إنما يذكر ويسمى من هو ينفع ويضرّ ، وهذا مثل من يذكر لك أن شخصاً يوقر ويعظم وهو عندك لا يستحق ذلك فتقول لذاكره : سمه حتى أبين لك زيفه وأنه ليس كما تذكر . وقريب من هذا قول من قال في قوله : قل سموهم ، إنما يقال ذلك في الشيء المستحقر الذي يبلغ في الحقارة إلى أنْ لا يذكر ولا يوضع له اسم ، فعند ذلك يقال له : سمه إن شئت أي : هو أخس من أن يذكر ويسمى . ولكن إن شئت أن تضع له اسماً فافعل ، فكأنه قال : سموهم بالآلهة على جهة التهديد . والمعنى : سواء سميتموهم بهذا الاسم أم لم تسموهم به فإنها في الحقارة بحيث لا يستحق أن يلفت العاقل إليها . وقيل : سموهم إذا صنعوا وأماتوا وأحيوا لتصح الشركة . وقيل : طالبوهم بالحجة على أنها آلهة . وقيل : صفوهم وانظروا هل يستحقون الإلهية ؟ وقال الزمخشري : جعلتم له شركاء فسموهم له من هم ، وبينوهم بأسمائهم . وقيل : هذا تهديد كما تقول لمن تهدده على شرب الخمر : سم الخمر بعد هذا . وأم في قوله : أم تنبؤونه منقطعة ، وهو استفهام توبيخ . قال الزمخشري : بل أتنبؤونه بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض ، فإذا لم يعلمهم علم أنهم ليسوا بشيء يتعلق به العلم ، والمراد نفي أن يكون له شركاء ، ونحوه : { قل أتُنَبِئُونَ الله بما لا يعلم في السمٰوات ولا في الأرض } انتهى . فجعل الفاعل في قوله : بما لا يعلم ، عائداً على الله . والعائد على بما محذوف أي : بما لا يعلمه الله . وكنا قد خرجنا تلك الآية على الفاعل في قوله : بما لا يعلم ، عائد على ما ، وقررنا ذلك هناك ، وهو يتقرر هنا أيضاً . أي : أتنبؤون الله بشركة الأصنام التي لا تتصف بعلم البتة . وذكر نفي العلم في الأرض ، إذ الأرض هي مقر تلك الأصنام ، فإذا انتفى علمها في المقر التي هي فيه ، فانتفاؤه في السموات أحرى . وقرأ الحسن : تنبؤونه من أنبأ . وقيل : المراد تقدرون أنْ تعلموه بأمر تعلمونه أنتم وهو لا يعلمه ، وخص الأرض بنفي الشريك بأنه لم يكن له شريك البتة ، لأنهم ادَّعوا أنَّ لله شريكاً في الأرض لا في غيرها . والظاهر في أم في قوله : أم ، بظاهر أنها منقطعة أيضاً أي : بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة أي : أنكم تنطقون بتلك الأسماء وتسمونها آلهة ولا حقيقة لها ، إذ أنتم لا تعلمون أنها لا تتصف بشيء من أوصاف الألوهية كقوله : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها } [ يوسف : 40 ] وقال مجاهد : أم بظاهر من القول . وقال قتادة : بباطل من القول ، لا باطن له في الحقيقة . ومنه قول الشاعر : @ أعيرتنا ألبانها ولحومها وذلك عار يابن ريطة ظاهر @@ أي باطل . وقيل : أم متصلة ، والتقدير : أم تنبئونه بظاهر من القول لا حقيقة له كقوله : { ذلك قولهم بأفواههم } [ التوبة : 30 ] ثم قال بعد هذا الحجاج على وجه التحقير لما هم عليه : بل زين للذين كفروا مكرهم . وقال الواحدي : لما ذكر الدلائل على فساد قولهم وقال : دع ذلك الدليل لأنهم لا ينتفعون به ، لأنه زيّن لهم مكرهم . وقرأ مجاهد : بل زين على البناء للفاعل مكرهم بالنصب . والجمهور : زين على النباء للمفعول مكرهم بالرفع أي : كيدهم للإسلام بشركهم ، وما قصدوا بأقوالهم وأفعالهم من مناقضة الشرع . وقرأ الكوفيون : وصدّوا هنا ، وفي غافر بضم الصاد مبنياً للمفعول ، فالفعل متعد . وقرأ باقي السبعة : بفتحها ، فاحتمل التعدّي واللزوم أي : صدوا أنفسهم أو غيرهم . وقرأ ابن وثاب : وصدوا بكسر الصاد ، وهي كقراءة ردت إلينا بكسر الراء . وفي اللوامح الكسائي لابن يعمر : وصدوا بالكسر لغة ، وفي الضم أجراه بحرف الجر نحو قبل ، فأما في المؤمن فبالكسر لابن وثاب انتهى . وقرأ ابن أبي إسحاق : وصد بالتنوين عطفاً على مكرهم . قال الزمخشري : ومن يضلل الله ، ومن يخذله يعلمه أنه لا يهتدي ، فما له من هاد فما له من واحد يقدر على هدايته انتهى . وهو على طريقة الاعتزال . والعذاب في الدنيا هو ما يصيبهم بسبب كفرهم من القتل والأسر والنهب والذلة والحروب والبلايا في أجسامهم ، وغير ذلك مما يمتحن به الكفار . وكان عذاب الآخرة أشق على النفوس ، لأنه إحراق بالنار دائماً { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها } [ النساء : 56 ] ومن واق : من ساتر يحفظهم من العذاب ويحميهم ، ولما ذكر ما أعد للكفار في الآخرة ذكر ما أعد للمؤمنين فقال : { مثل الجنة التي وعد المتقون … } .