Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 4-5)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سبب نزولها أنّ قريشاً قالوا : ما بال الكتب كلها أعجمية وهذا عربي ؟ فنزلت . وساق قصة موسى أنه تعالى أرسله إلى قومه بلسانه ، أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ، كما أرسلك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور . والظاهر أن قوله : وما أرسلنا من رسول ، العموم فيندرج فيه الرسول عليه الصلاة والسلام . فإن كانت الدعوة عامة للناس كلهم ، أو اندرج في اتباع ذلك الرسول من ليس من قومه ، كان من لم تكن لغته لغة ذلك النبي موقوفاً على تعلم تلك اللغة حتى يفهمها ، وأن يرجع في تفسيرها إلى من يعلمها . وقيل : في الكلام حذف تقديره : وما أرسلنا من رسول قبلك إلا بلسان قومه ، وأنت أرسلناك للناس كافة بلسان قومك ، وقومك يترجمون لغيرهم بألسنتهم ، ومعنى بلسان قومه : بلغة قومه . وقرأ أبو السمال ، وأبو الجوزاء ، وأبو عمران الجوني : بلسن بإسكان السين ، قالوا : هو كالريش والرياش . وقال صاحب اللوامح : واللسن خاص باللغة ، واللسان قد يقع على العضو ، وعلى الكلام . وقال ابن عطية مثل ذلك قال : اللسان في هذه الآية يراد به اللغة ، ويقال : لسن ولسان في اللغة ، فأما العضو فلا يقال فيه لسن . وقرأ أبو رجاء ، وأبو المتوكل ، والجحدري : لسن بضم اللام والسين ، وهو جمع لسان كعماد وعمد . وقرىء أيضاً بضم اللام وسكون السين مخفف كرسل ورسل ، والضمير في قومه عائد على رسول أي : قوم ذلك الرسول . وقال الضحاك : والضمير في قومه عائد على محمد صلى الله عليه وسلم قال : والكتب كلها نزلت بالعربية ، ثم أداها كل نبي بلغة قومه . قال الزمخشري : وليس بصحيح ، لأنّ قوله : ليبين لهم ، ضمير القوم وهم العرب ، فيؤدي إلى أنّ الله أنزل التوراة من السماء بالعربية ليبين للعرب ، وهذا معنى فاسد انتهى . وقال الكلبي : جميع الكتب أدت إلى جبريل بالعربية ، وأمره تعالى أن يأتي رسول كل قوم بلغتهم . وأورد الزمخشري هنا سؤالاً وابن عطية أخرهما في كتابيهما ، ويقول : قامت الحجة على البشر بإذعان الفصحاء الذين يظن بهم القدرة على المعارضة وإقرارهم بالعجز ، كما قامت بإذعان السحرة لموسى ، والأطباء لعيسى عليهما السلام . وبين تعالى العلة في كون من أرسل من الرسل بلغة قومه وهي التبيين لهم ، ثم ذكر أنه تعالى يضل من يشاء إضلاله ، ويهدي من يشاء هدايته ، فليس على ذلك الرسول غير التبليغ والتبيين ، ولم يكلف أن يهدي بل ذلك بيد الله على ما سبق به قضاؤه وهو العزيز الذي لا يغالب ، الحكيم الواضع الأشياء على ما اقتضته حكمته وإرادته . وقال الزمخشري : والمراد بالإضلال التخلية ومنع الإلطاف ، وبالهداية التوفيق واللطف ، وكان ذلك كناية عن الكفر والإيمان ، وهو العزيز فلا يغلب على مشيئته ، الحكيم فلا يخذل إلا أهل الخذلان ، ولا يلطف إلا بأهل اللطف انتهى . وهو على طريقة الاعتزال والجمهور على تفسير قوله : بآياتنا ، إنها تسع الآيات التي أجراها الله على يد موسى عليه السلام . وقيل : يجوز أن يراد بها آيات التوراة ، والتقدير : كما أرسلناك يا محمد بالقرآن بلسان عربي وهو آياتنا ، كذلك أرسلنا موسى بالتوارة بلسان قومه ، وأن أخرج يحتمل أن أن تكون تفسيرية ، وأن تكون مصدرية ، ويضعف زعم من زعم أنها زائدة . وفي قوله : قومك خصوص لرسالته إلى قومه ، بخلاف لتخرج الناس ، والظاهر أنّ قومه هم بنو إسرائيل . وقيل : القبط . فإن كانوا القبط فالظلمات هنا الكفر ، والنور الإيمان ، وإن كانوا بني إسرائيل وقلنا : إنهم كلهم كانوا مؤمنين ، فالظلمات ذل العبودية ، والنور العزة بالدين وظهور أمر الله . وإن كانوا أشياعاً متفرقين في الدين ، قوم مع القبط في عبادة فرعون ، وقوم على غير شيء ، فالظلمات الكفر والنور الإيمان . قيل : وكان موسى مبعوثاً إلى القبط وبني إسرائيل . وقيل : إلى القبط بالاعتراف بوحدانية الله ، وأن لا يشرك به ، والإيمان بموسى ، وأنه نبي من عند الله ، وإلى بني إسرائيل بالتكليف وبفروع شريعته إذ كانوا مؤمنين . ويحتمل وذكرهم أن يكون أمراً مستأنفاً ، وأن يكون معطوفاً على أن أخرج ، فيكون في حيزان . وأيام الله قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : نعم الله عليهم ، ورواه أبي مرفوعاً . ومنه قول الشاعر : @ وأيام لنا غرّ طوال عصينا الملك فيها إن ندينا @@ وعن ابن عباس أيضاً ، ومقاتل ، وابن زيد : وقائعه ونقماته في الأمم الماضية ، ويقال : فلان عالم بأيام العرب أي وقائعها وحروبها وملاحمها : كيوم ذي قار ، ويوم الفجار ، ويوم فضة وغيرها . وروي نحوه عن مالك قال : بلاؤه . وقال الشاعر : @ وأيـامنـا مشهـورة فـي عـدونـا @@ أي وقائعنا . وعن ابن عباس أيضاً : نعماؤه وبلاؤه ، واختاره الطبري ، فنعماؤه : بتظليله عليهم الغمام ، وإنزال المنّ والسلوى ، وفلق البحر . وبلاؤه : باستعباد فرعون لهم ، وتذبيح أبنائهم ، وإهلاك القرون قبلهم . وفي حديث أبيّ في قصة موسى والخضر عليهما السلام ، بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله ، وأيام الله بلاؤه ونعماؤه ، واختار الطبري هذا القول الآخر . ولفظة الأيام تعم المعنيين ، لأنّ التذكير يقع بالوجهين جميعاً . وفي هذه اللفظة تعظيم الكوائن المذكر بها . وعبر عنها بالظرف الذي وقعت فيه . وكثيراً ما يقع الإسناد إلى الظرف ، وفي الحقيقة الإسناد لغيرها كقوله : بل مكر الليل والنهار ، ومن ذلك قولهم : يوم عبوس ، ويوم عصيب ، ويوم بسام . والحقيقة وصف ما وقع فيه من شدّة أو سرور . والإشارة بقوله : إن في ذلك ، إلى التذكير بأيام الله . وصبار ، شكور ، صفتا مبالغة ، وهما مشعرتان بأنّ أيام الله المراد بهما بلاؤه ونعماؤه أي : صبار على بلائه ، شكور لنعمائه . فإذا سمع بما أنزل الله من البلاء على الأمم ، أو بما أفاض عليهم من النعم ، تنبه على ما يجب عليه من الصبر إذا أصابه بلاء ، من والشكر إذا أصابته نعماء ، وخص الصبار والشكور لأنهما هما اللذان ينتفعان بالتذكير والتنبيه ويتعظان به . وقيل : أراد لكل مؤمن ناظر لنفسه ، لأنّ الصبر والشكر من سجايا أهل الإيمان .