Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 67-77)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفضح والفضيحة مصدران لفضح يفضح ، إذا أتى من أمر الإنسان ما يلزمه به العار ، ويقال : فضحك الصبح ، إذا تبين للناس . قال الشاعر : @ ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا مثل القلامة قد قصت من الظفر @@ التوسم : تفعل من الوسم ، هي العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها ، يقال : توسم فيه الخير إذا رأى ميسم ذلك . وقال عبد الله بن رواحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم : @ إني توسمت فيك الخير أجمعه والله يعلم أني ثابت البصر @@ وقال الشاعر : @ توسمت لما أن رأيت مهابة عليه وقلت المرء من آل هاشم @@ واتسم الرجل جعل لنفسه علامة يعرف بها ، وتوسم الرجل طلب كلاء الوسمي . وقال ثعلب : الواسم الناظر إليك من فرقك إلى قدمك . وأصل التوسم التثبت والتفكر ، مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير أو غيره . { وجاء أهل المدينة يستبشرون . قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون . واتقوا الله ولا تخزون . قالوا أولم ننهك عن العالمين . قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين . لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون . فأخذتهم الصيحة مشرقين . فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل . إن في ذلك لآيات للمتوسمين . وإنها لبسبيل مقيم . إن في ذلك لآية للمؤمنين } : استبشارهم : فرحهم بالأضياف الذين وردوا على لوط عليه السلام . والظاهر أنّ هذا المجيء ومحاورته مع قومه في حق أضيافه ، وعرضه بناته عليهم ، كان ذلك كله قبل إعلامه بهلاك قومه وعلمه بأنهم رسل الله ، ولذلك سماهم ضيفان خوف الفضيحة ، لأجل تعاطيهم ما لا يجوز من الفعل القبيح . وقد جاء ذلك مرتباً هكذا في هود ، والواو لا ترتب . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المجيء والمحاورة بعد علمه بهلاكهم ، وخاور تلك المحاورة على جهة التكتم عنهم ، والإملاء لهم ، والتربص بهم انتهى . ونهاهم عن فضحهم إياه لأنّ من أساء إلى ضيفه أو جاره فقد أساء إليه . ولا تخزون من الخزي وهو الإذلال ، أو من الخزاية وهو الاستحياء . وفي قولهم : أو لم ننهك دليل على تقدم نهيهم إياه عن أن يضيف ، أو يجبر أحداً ، أو يدفع عنه ، أو يمنع بينهم وبينه ، فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد . وكان هو صلى الله على نبينا وعليه يقوم بالنهي عن المنكر ، والحجز بينهم وبين من تعرضوا له ، فأوعدوه بأنه إنْ لم ينته أخرجوه . وتقدم الكلام في قوله : بناتي ، ومعنى الإضافة في هود . وإن كنتم فاعلين شك في قبولهم لقوله : كأنه قال إن فعلتم ما أقول ، ولكم ما أظنكم تفعلون . وقيل : إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرم . واللام في لعمرك لام الابتداء ، والكاف خطاب للوط عليه السلام ، والتقدير : قالت الملائكة للوط لعمرك ، وكنى عن الضلالة والغفلة بالسكرة أي : تحيرهم في غفلتهم ، وضلالتهم منعهم عن إدراك الصواب الذي يشير به من ترك البنين إلى البنات . وقيل : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو قول الجمهور ابن عباس ، وأبو الحوراء ، وغيرهما . أقسم تعالى بحياته تكريماً له . والعمر : بفتح العين وضمها البقاء ، وألزموا الفتح القسم ، ويجوز حذف اللام ، وبذلك قرأ ابن عباس : وعمرك . وقال أبو الهيثم : لعمرك لدينك الذي يعمر ، وأنشد : @ أيها المنكح الثريا سهيلاً عمرك الله كيف يلتقيان @@ أي : عبادتك الله . وقال ابن الأعرابي : عمرت ربي أي عبدته ، وفلان عامر لربه أي عابد . قال : ويقال تركت فلاناً يعمر ربه أي يعبده ، فعلى هذا لعمرك لعبادتك . وقال الزجاج : ألزموا الفتح القسم لأنه أخف عليهم ، وهم يكثرون القسم بلعمرى ولعمرك فلزموا الأخف ، وارتفاعه بالابتداء ، والخبر محذوف أي : ما أقسم به . وقال بعض أصحاب المعاني : لا يجوز أن يضاف إلى الله ، لأنه لا يقال لله تعالى عمر ، وإنما يقال : هو أزلي ، وكأنه يوهم أنّ العمر لا يقال إلا فيما له انقطاع ، وليس كذلك العمر ، والعمر البقاء . قال الشاعر : @ إذا رضيت عليّ بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها @@ وقال الأعشى : @ ولعمر من جعل الشهور علامة فبين منها نقصها وكمالها @@ وكره النخعي أن يقال : لعمري ، لأنه حلف بحياة المقسم . وقال النابغة : @ لعمـري ومـا عمـري علـيّ بهيـن @@ والضمير في سكرتهم عائد على قوم لوط ، وقال الطبري : لقريش ، وهذا مروي عن ابن عباس . قال : ما خلق الله نفساً أكرم على الله من محمد قال له : وحياتك إنهم أي قومك من قريش لفي سكرتهم أي ضلالهم ، وجهلهم يعمهون يتردّدن . قال ابن عطية : وهذا بعيد لانقطاعه مما قبله وما بعده . وقرأ الأشهب : سكرتهم بضم السين ، وابن أبي عبلة : سكراتهم بالجمع ، والأعمش : سكرهم بغير تاء ، وأبو عمرو في رواية الجهضمي : أنهم بفتح همزة أنهم . والصيحة : صبحة الهلاك . وقيل : صوت جبريل عليه السلام . وقال ابن عطية : هي صيحة الوحشة ، وليست كصيحة ثمود مشرقين : داخلين في الشروق ، وهو بزوغ الشمس . وقيل : أول العذاب كان عند الصبح ، وامتد إلى شروق الشمس ، فكأنه تمام الهلاك عند ذلك . والضمير في عاليها سافلها عائد على المدينة المتقدّمة الذكر . وقال الزمخشري : لقرى قوم لوط ، ولم يتقدم لفظ القرى . وقال مقاتل وابن زيد : للمتوسمين ، للمتفكرين . وقال الضحاك : للناظرين . قال الشاعر : @ أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلى عريفهم يتوسم @@ وقال أبو عبيدة : للمتبصرين . وقال قتادة : للمعتبرين . وروي نهشل عن ابن عباس للمتوسمين قال : لأهل الصلاح والخير ، والضمير في وأنها عائد على المدينة المهلكة أي : أنها لبطريق ظاهر بين للمعتبر قاله : مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد . قيل : ويحتمل أن يعود على الآيات ، ويحتمل أن يعود على الحجارة . وقوله : لبسبيل أي ممر ثابت ، وهي بحيث يراها الناس ويعتبرون بها لم تندرس . وهو تنبيه لقريش ، وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل . وقيل : عائد على الصيحة أي : وإنّ الصيحة لبمرصد لمن يعمل عملهم لقوله : وما هي من الظالمين ببعيد . وقيل : مقيم معلوم . وقيل : معتد دائم . وقال ابن عباس : هلاك دائم السلوك إنّ في ذلك أي : في صنعنا بقوم لوط لعلامة ودليلاً لمن آمن بالله .