Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 30-32)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدم إعراب ماذا ، إلا أنه إذا كانت ذا موصولة لم يكن الجواب على وفق السؤال ، لكون ماذا مبتدأ وخبر ، أو الجواب نصب وهو جائز ، ولكن المطابقة في الإعراب أحسن . وقرأ الجمهور : خيراً بالنصب أي : أنزل خيراً . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : لم نصب هذا ، ورفع الأول ؟ ( قلت ) : فصلاً بين جواب المقر وجواب الجاحد ، يعني : أنّ هؤلاء لما سئلوا : لم يتلعثموا وأطبقوا الجواب على السؤال مكشوفاً مفعولاً للإنزال فقالوا : خيراً ، وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو أساطير الأولين ، وليس من الإنزال في شيء انتهى . وقرأ زيد بن علي : خير بالرفع أي : المنزل فتطابق هذه القراءة تأويل من جعل إذا موصولة ، ولا تطابق من جعل ماذا منصوبة ، لاختلافهما في الإعراب ، وإن كان الاختلاف جائزاً كما ذكرنا . وروي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام المواسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاء الوفد كفه المقتسمون وأمره بالانصراف وقالوا : إنْ لم تلقه كان خيراً لك فيقول : أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأراه ، فيلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبرونه بصدقه ، وأنه نبي مبعوث ، فهم الذين قالوا خيراً . والظاهر أن قوله : للذين ، مندرج تحت القول ، وهو تفسير للخير الذي أنزله الله في الوحي : أنّ من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا ونعيم في الآخرة بدخول الجنة . وقال الزمخشري : للذين أحسنوا وما بعده بدل من خير ، حكاية لقول الذين اتقوا أي : قالوا هذا القول ، فقدم عليه تسميته خيراً ثم خكاه انتهى . وقالت فرقة : هو ابتداء كلام من الله تعالى ، مقطوع مما قبله ، وهو بالمعنى وعد متصل بذكر إحسان المتقين في مقالتهم . ومعنى حسنة مكافأة في الدنيا بإحسانهم ، ولهم في الآخرة ما هو خير منها . ولما ذكر حال الكفار في الدنيا والآخرة ذكر حال المؤمنين في الدارين ، والظاهر أنّ المخصوص بالمدح هو جنات عدن . وقال الزمخشري : ولنعم دار المتقين دار الآخرة ، فحذف المخصص بالمدح لتقدم ذكره ، وجنات عدن خبر مبتدأ محذوف انتهى . وقاله ابن عطية : وقبلهما الزجاج وابن الأنباري ، وجوزوا أن يكون جنات عدن مبتدأ ، والخبر يدخلونها . وقرأ زيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن جنات عدن بالنصب على الاشتغال أي : يدخلون جنات عدن يدخلونها ، وهذه القراءة تقوي إعراب جنات عدن بالرفع أنه مبتدأ ، ويدخلونها الخبر . وقرأ زيد بن علي : ولنعمت دار ، بتاء مضمومة ، ودار مخفوض بالإضافة ، فيكون نعمت مبتدأ وجنات الخبر . وقرأ السلمي : تدخلونها بتاء الخطاب . وقرأ إسماعيل بن جعفر عن نافع : يدخلونها بياء على الغيبة ، والفعل مبني للمفعول ، ورويت عن أبي جعفر وشيبة : تجري . قال ابن عطية : في موضع الحال ، وقال الحوفي : في موضع نعت لجنات انتهى . فكان ابن عطية لحظ كون جنات عدن معرفة ، والحوفي لحظ كونها نكرة ، وذلك على الخلاف في عدن هل هي علم ؟ أو نكرة بمعنى إقامة ؟ والكاف في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف أي : جزاء مثل جزاء الذين أحسنوا يجزي ، وطيبين حال من مفعول تتوفاهم ، والمعنى : أنهم صالحو الأحوال مستعدّون للموت والطيب الذي لا خبث فيه ، ومنه : { طبتم فادخلوها خالدين } [ الزمر : 73 ] وقال أبو معاذ : طيبين طاهرين من الشكر بالكلمة الطيبة . وقيل : طيبين سهلة وفاتهم لا صعوبة فيها ولا ألم ، بخلاف ما يقبض روح الكافر والمخلط . وقيل : طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله تعالى ، وقيل : زاكية أفعالهم وأقوالهم ، وقيل : صالحين ، وقال الزمخشري : طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي ، لأنه في مقابلة ظالمي أنفسهم . ويقولون نصب على الحال من الملائكة ، وتسليم الملائكة عليهم بشارة من الله تعالى ، وفي هذا المعنى أحاديث صحاح . وقوله : هدى للمتقين ، هو وقت قبض أرواحهم ، قاله : ابن مسعود ، ومحمد بن كعب ، ومجاهد . والأكثرون جعلوا التبشير بالجنة دخولاً مجازاً . وقال مقاتل والحسن : عند دخول الجنة وهو قول خزنة الجنة لهم في الآخرة : سلام عليكم بما صبرتم ، فنعم عقبى الدار . فعلى هذا القول يكون يقولون حالاً مقدرة ، ولا يكون القول وقت التوفي . وعلى هذا يحتمل أن يكون الذين مبتدأ ، والخبر يقولون ، والمعنى : يقولون لهم سلام عليكم . ويدل لهذا القول قولهم : ادخلوا الجنة ، ووقت الموت لا يقال لهم ادخلوا الجنة ، فالتوفي هنا توفي الملائكة لهم وقت الحشر . وقوله : بما كنتم تعملون ظاهره في دخول الجنة بالعمل الصالح .