Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 51-58)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ الكوفيون { مخلصاً } بفتح اللام وهي قراءة أبي رزين ويحيى وقتادة ، أي أخلصه الله للعبادة والنبوة . كما قال تعالى { إنّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } [ ص : 46 ] . وقرأ باقي السبعة والجمهور بكسر اللام أي أخلص العبادة عن الشرك والرياء ، أو أخلص نفسه وأسلم وجهه لله . ونداؤه إياه هو تكليمه تعالى إياه . و { الطور } الجبل المشهور بالشام ، والظاهر أن { الأيمن } صفة للجانب لقوله في آية أخرى { جانب الطور الأيمن } [ مريم : 52 ، طه : 80 ] بنصب الأيمن نعتاً لجانب الطور ، والجبل نفسه لا يمنة له ولا يسرة ولكن كان على يمين موسى بحسب وقوفه فيه ، وإن كان من اليمن احتمل أن يكون صفة للجانب وهو الراجح ليوافق ذلك في الآيتين ، واحتمل أن يكون صفة للطور إذ معناه الأسعد المبارك . قال ابن القشيري : في الكلام حذف وتقديره { وناديناه } حين أقبل من مدين ورأى النار من الشجرة وهو يريد من يهديه إلى طريق مصر { من جانب الطور } أي من ناحية الجبل . { وقربناه نجياً } قال الجمهور : تقريب التشريف والكلام واليوم . وقال ابن عباس : أدنى موسى من الملكوت ورفعت له الحجب حتى سمع صريف الأقلام ، وقاله أبو العالية وميسرة . وقال سعيد : أردفه جبريل على السلام . قال الزمخشري : شبهه بمن قربه بعض العظماء للمناجاة حيث كلمه بغير واسطة ملك انتهى . ونجى فعيل من المناجاة بمعنى مناج كالجليس ، وهو المنفرد بالمناجاة وهي المسارة بالقول . وقال قتادة : معنى نجاه صدقه ومن في من رحمتنا للسبب أي من أجل رحمتنا له أو للتبعيض أي بعض رحمتنا . قال الزمخشري : و { أخاه } على هذا الوجه بدل و { هارون } عطف بيان كقولك رأيت رجلاً أخاك زيداً انتهى . والذي يظهر أن أخاه مفعول بقوله { ووهبنا } ولا ترادف من بعضاً فتبدل منها ، وكان هارون أسن من موسى طلب من الله أن يشد أزره بنبوته ومعونته فأجابه و { إسماعيل } هو ابن إبراهيم أبو العرب يمنّيها ومضريها وهو قول الجمهور . وقيل : إنه إسماعيل بن حزقيل ، بعثه الله إلى قومه فشجوا جلدة رأسه فخيره فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه وعقوبته ، وصدق وعده أنه كانت منه مواعيد لله وللناس فوفي بالجميع ، فلذلك خص بصدق الوعد . قال ابن جريج : لم يعد ربه موعدة إلاّ أنجزها ، فمن مواعيده الصبر وتسليم نفسه للذبح ، ووعد رجلاً أن يقيم له بمكان فغاب عنه مدة . قيل : سنة . وقيل : اثني عشر يوماً فجاءه ، فقال : ما برحت من مكانك ؟ فقال : لا والله ، ما كنت لأخلف موعدي . { وكان يأمر أهله } . قال الحسن : قومه وأمته ، وفي مصحف عبد الله وكان يأمر قومه . وقال الزمخشري : كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لمن وراءهم ، ولأنهم أولى من سائر الناس { وأنذر عشيرتك الأقربين } [ الشعراء : 214 ] و { وأمر أهلك بالصلاة } [ طه : 132 ] { قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } [ التحريم : 6 ] أي ترى أنهم أحق فتصدق عليهم بالإحسان الديني أولى . وقيل : { أهله } أمته كلهم من القرابة وغيرهم ، لأن أمم النبيين في عداد أهاليهم ، وفيه أن حق الصالح أن لا يألو نصحاً للأجانب فضلاً عن الأقارب والمتصلين ، وأن يخطيهم بالفوائد الدينية ولا يفرط في ذلك انتهى . وقال أيضاً ذكر إسماعيل عليه السلام بصدق الوعد وإن كان موجوداً في غيره من الأنبياء تشريفاً له وإكراماً كالتلقيب نحو الحليم الأواه والصديق ، ولأنه المشهور المتواصف من خصاله . وقرأ الجمهور { مرضياً } وهو اسم مفعول أي مرضو وفاعل بقلب واوه ياء لأنها طرف بعد واو ساكنة ، والساكن ليس بحاجز حصين فكأنها وليت حركة ، ولو بنيت من ذوات الواو مفعلاً لصار مفعلاً لأن الواو لا تكون طرفاً وقبلها متحرك في الأسماء المتمكنة غير المتقيدة بالإضافة ، ألا ترى أنهم حين سموا بيغزو الغازي من الضمير قالوا : بغز حين صار اسماً ، وهذا الإعلال أرجح من التصحيح ، ولأنه اعتل في رضي وفي رضيان تثنية رضي . وقرأ ابن أبي عبلة : مرضواً مصححاً . وقالت العرب : أرض مسنية ومسنوة ، وهي التي تسقى بالسواني . و { إدريس } هو جد أبي نوح وهو أخنوخ ، وهو أول من نظر في النجوم والحساب ، وجعله الله من معجزاته وأول من خط بالقلم وخاط الثياب ولبس المخيط ، وكان خياطاً وكانوا قبل يلبسون الجلود ، وأول مرسل بعد آدم وأول من اتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل . وقال ابن مسعود : هو إلياس بعث إلى قومه بأن يقولوا لا إله إلاّ الله ويعملوا ما شاؤوا فأبوا وأهلكوا . و { إدريس } اسم أعجمي منع من الصرف للعلمية والعجمة ، ولا جائز أن يكون إفعيلاً من الدرس كما قال بعضهم لأنه كان يجب صرفه إذ ليس فيه إلاّ سبب واحد وهو العلمية . قال الزمخشري : ويجوز أن يكون معنى { إدريس } في تلك اللغة قريباً من ذلك أي من معنى الدرس ، فحسبه القائل مشتقاً من الدرس . والمكان العلي شرف النبوة والزلفى عند الله ، وقد أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة انتهى . وقاله جماعة وهو رفع النبوة والتشريف والمنزلة في السماء كسائر الأنبياء . وقيل : بل رفع إلى السماء . قال ابن عباس : كان ذلك بأمر الله كما رفع عيسى كان له خليل من الملائكة فحمله على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة ، فلقي هنالك ملك الموت فقال له : إنه قيل لي اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض فيها روح إدريس وإني لأعجب كيف يكون هذا ، فقال له الملك الصاعد : هذا إدريس معي فقبض روحه . وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة قاله ابن عباس . وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات من حديث أبي هريرة وأنس يقتضي أنه في السماء الرابعة . وعن الحسن : إلى الجنة لا شيء أعلى من الجنة . وقال قتادة : يعبد الله مع الملائكة في السماء السابعة ، وتارة يرفع في الجنة حيث شاء . وقال مقاتل : هو ميت في السماء . { أولئك } إشارة إلى من تقدم ذكره في هذه السورة من الأنبياء و { من } في { من النبيين } للبيان ، لأن جميع الأنبياء منعم عليهم و { من } الثانية للتبعيض ، وكان إدريس { من ذرية آدم } لقربه منه لأنه جد أبي نوح وإبراهيم من ذرية من حمل من نوح ، لأنه من ولد سام بن نوح { ومن ذرية إبراهيم } إسحاق وإسماعيل ويعقوب وإسرائيل معطوف على إبراهيم ، وزكريا ويحيى وموسى وهارون من ذرية إسرائيل ، وكذلك عيسى لأن مريم من ذريته . { وممن هدينا } يحتمل العطف على { من } الأولى أو الثانية ، والظاهر أن { الذين } خبر لأولئك . { وإذا تتلى } كلام مستأنف ، ويجوز أن يكون { الذين } صفة لأولئك والجملة الشرطية خبر . وقرأ الجمهور { تتلى } بتاء التأنيث . وقرأ عبد الله وأبو جعفر وشيبة وشبل بن عباد وأبو حيوة وعبد الله بن أحمد العجلي عن حمزة وقتيبة في رواية وورش في رواية النحاس ، وابن ذكوان في رواية التغلي بالياء . وانتصب { سجداً } على الحال المقدرة قاله الزجّاج لأنه حال خروره لا يكون ساجداً ، والبكي جمع باك كشاهد وشهود ، ولا يحفظ فيه جمعه المقيس وهو فعلة كرام ورماة والقياس يقتضيه . وقرأ الجمهور { بكياً } بضم الباء وعبد الله ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي بكسرها اتباعاً لحركة الكاف كعصي ودلي ، والذي يظهر أنه جمع لمناسبة الجمع قبله . قيل : ويجوز أن يكون مصدر البكا بمعنى بكاء ، وأصله بكو وكجلس جلوساً . وقال ابن عطية : و { بكياً } بكسر الباء وهو مصدر لا يحتمل غير ذلك انتهى . وقوله ليس بسديد لأن اتباع حركة الكاف لا تعين المصدرية ، ألا تراهم قروؤا { جثياً } بكسر الجيم جمع جاث ، وقالوا عصي فاتبعوا .