Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 75-82)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فليمدد } يحتمل أن يكون على معناه من الطلب ويكون دعاء ، وكان المعنى الأضل منا ومنكم مدّ الله له ، أي أملى له حتى يؤول إلى عذابه . وكان الدعاء على صيغة الطلب لأنه الأصل ، ويحتمل أن يكون خبراً في المعنى وصورته صورة الأمر ، كأنه يقول : من كان ضالاً من الأمم فعادة الله له أنه يمدد له ولا يعاجله حتى يفضي ذلك إلى عذابه في الآخرة . وقال الزمخشري : أخرج على لفظ الأمر إيذاناً بوجوب ذلك ، وإنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضال ، ويقال له يوم القيامة { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر } [ فاطر : 37 ] أو كقوله { إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً } [ آل عمران : 178 ] والظاهر أن { حتى } غاية لقوله { فليمدد } والمعنى إن الذين في الضلالة ممدود لهم فيها إلى أن يعاينوا العذاب بنصرة الله المؤمنين أو الساعة ومقدماتها . وقال الزمخشري : في هذه الآية وجهان أحدهما أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها ، والآيتان اعتراض بينهما أي قالوا { أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً } [ مريم : 73 ] { حتى إذا رأوا ما يوعدون } أي لا يبرحون يقولون هذا القول ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين { إما العذاب } في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم ، وتعذيبهم إياهم قتلاً وأسراً ، وإظهار الله دينه على الدين كله على أيديهم وإما يوم القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال فحينئذ يعلمون عند المعاينة أن الأمر على عكس ما قدروه ، وأنهم { شر مكاناً وأضعف جنداً } لا { خير مقاماً وأحسن ندياً } وأن المؤمنين على خلاف صفتهم . انتهى هذا الوجه وهو في غاية البعد لطول الفصل بين قوله قالوا : { أي الفريقين } وبين الغاية وفيه الفصل بجملتي اعتراض ولا يجيز ذلك أبو علي . قال الزمخشري : والثاني أن يتصل بما يليها فذكر نحواً مما قدمناه ، وقابل قولهم خير مكاناً بقوله { شر مكاناً } وقوله { وأحسن ندياً } بقوله { وأضعف جنداً } لأن الندي هو المجلس الجامع لوجوه القوم والأعوان ، والأنصار والجند هم الأعوان ، والأنصار و { إما العذاب وإما الساعة } بدل من ما المفعولة برأوا . و { من } موصولة مفعولة بقوله { فسيعلمون } وتعدى إلى واحد واستفهامية ، والفعل قبلها معلق والجملة في موضع نصب . ولما ذكر إمداد الضال في ضلالته وارتباكه في الافتخار بنعم الدنيا عقب ذلك بزيادة هدى للمهتدي وبذكر { الباقيات } التي هي بدل من تنعمهم في الدنيا الذي يضمحل ولا يثبت . و { مرداً } معناه مرجعاً وتقدم تفسير { الباقيات الصالحات } في الكهف . وقال الزمخشري : { يزيد } معطوف على موضع فليمدد لأنه واقع موقع الخبر تقديره من كان في الضلالة مداً ويمد له الرحمن { ويزيد } أي يزيد في ضلال الضال بخذلانه ، ويزيد المهتدين هداية بتوفيقه انتهى . ولا يصح أن يكون { ويزيد } معطوفاً على موضع { فليمدد } سواء كان دعاء أم خبراً بصورة الأمر لأنه في موضع الخبر إن كانت { من } موصولة أو في موضع الجواب إن كانت { من } شرطية ، وعلى كلا التقديرين فالجملة من قوله { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } عارية من ضمير يعود على من يربط جملة الخبر بالمبتدأ أو جملة الشرط بالجزاء الذي هو فليمدد وما عطف عليه لأن المعطوف على الخبر خبر ، والمعطوف على جملة الجزاء جزاء ، وإذا كانت أداة الشرط اسماً لا ظرفاً تعين أن يكون في جملة الجزاء ضميره أو ما يقول مقامه ، وكذا في الجملة المعطوفة عليها . وقال الزمخشري : هي { خير } { ثواباً } من مفاخرات الكفار { وخير مرداً } أي وخير مرجعاً وعاقبة أو منفعة من قولهم ليس لهذا الأمر مرد وهل يرد مكاني زيداً . فإن قلت : كيف قيل خير ثواباً كان لمفاخراتهم ثواباً حتى يجعل ثواب الصالحات خيراً منه ؟ قلت : كأنه قيل ثوابهم النار على طريقة قوله فاعتبوا بالصيلم . وقوله : @ شجعاء جربها الذميل تلوكه أصلاً إذا راح المطي غراثاً @@ وقوله : @ تحية بينهم ضرب وجيع @@ ثم بنى عليه خير ثواباً وفيه ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له عقابك النار . فإن قلت : فما وجه التفضيل في الخبر كان لمفاخرهم شركاء فيه ؟ قلت : هذا من وجيز كلامهم يقولون : الصيف أحر من الشتاء أي أبلغ في حره من الشتاء في برده انتهى . { أفرأيت الذي كفر بآياتنا } نزلت في العاصي بن وائل عمل له خباب بن الأرت عملاً وكان قيناً ، فاجتمع له عنده دين فتقاضاه فقال : لا أنصفك حتى تكفر بمحمد ، فقال خباب : لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ويبعثك . فقال العاصي : أو مبعوث أنا بعد الموت ؟ فقال خباب : نعم ، قال : فائت إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك . وقال الحسن : نزلت في الوليد بن المغيرة وقد كانت للوليد أيضاً أقوال تشبه هذا الغرض ، ولما كانت رؤية الأشياء سبيلاً إلى الإحاطة بها وصحة الخبر عنها استعملوا أرأيت بمعنى أخبر ، والفاء للعطف أفادت التعقيب كأنه قيل : أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر عقيب قصة أولئك ، والآيات : القرآن والدلالات على البعث . وقرأ الجمهور { ولداً } أربعتهن هنا ، وفي الزخرف بفتح اللام والواو ويأتي الخلاف في نوح . وقرأ الأعمش وطلحة والكسائي وابن أبي ليلى وابن عيسى الأصبهاني بضم الواو وإسكان اللام ، فعلى قراءة الجمهور يكون المعنى على الجنس لا ملحوظاً فيه الإفراد وإن كان مفرد اللفظ ، وعلى هذه القراءة فقيل هو جمع كأسد وأسد ، واحتج قائل ذلك بقول الشاعر : @ ولقد رأيت معاشراً قد ثمروا مالاً وولداً @@ وقيل : هو مرادف للولد بالفتحتين واحتجوا بقوله : @ فليت فلاناً كان في بطن أمه وليت فلاناً كان ولد حمار @@ وقرأ عبد الله ويحيى بن يعمر بكسر الواو وسكون اللام والهمزة في اطلع للاستفهام ، ولذلك عادلتها { أم } . وقرىء بكسر الهمزة في الابتداء وحذفها في الوصل على تقدير حذف همزة الاستفهام لدلالة { أم } عليها كقوله : @ بسبع رمين الجمر أم بثمان @@ يريد أبسبع ، وجاء التركيب في أرأيت على الوضع الذي ذكره سيبويه من أنها تتعدى لواحد تنصبه ، ويكون الثاني استفهاماً فأطلع وما بعده في موضع المفعول الثاني لأرأيت ، وما جاء من تركيب أرأيت بمعنى أخبرني على خلاف هذا في الظاهر ينبغي أن يرد إلى هذا بالتأويل . قال الزمخشري : { أطلع الغيب } من قولهم : أطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه واطلع الثنية . قال جرير : @ لاقيت مطلع الجبال وعوراً @@ وتقول : مر مطلعاً لذلك الأمر أي عالياً له مالكاً له ، ولاختيار هذه الكلمة شأن تقول : أو قد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار ، والمعنى أن ما ادعى أن يؤتاه وتألى عليه لا يتوصل إليه إلاّ بأحد هذين الطريقين ، إما علم الغيب ، وإما عهد من عالم الغيب فبأيهما توصل إلى ذلك . والعهد . قيل كلمة الشهادة . وقال قتادة : هل له عمل صالح قدمه فهو يرجو بذلك ما يقول . وعن الكلبي : هل عهد الله إليه أن يؤتيه ذلك . و { كلا } ردع وتنبيه على الخطأ الذي هو مخطىء فيما تصوره لنفسه ويتمناه فليرتدع عنه . وقرأ أبو نهيك { كلا } بالتنوين فيهما هنا وهو مصدر من كلّ السيف كلاً إذا نبا عن الضريبة ، وانتصابه على إضمار فعل من لفظه وتقديره كلوا كلاً عن عبادة الله أو عن الحق . ونحو ذلك ، وكنى بالكتابة عن ما يترتب عليها من الجزاء . فلذلك دخلت السين التي للاستقبال أي سنجازيه على ما ما يقول . وقال الزمخشري : فيه وجهان . أحدهما : سيظهر له ونعلمه أنّا كتبنا قوله على طريقه قوله : @ إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ @@ أي تبين وعلم بالانتساب أني لست ابن لئيمة . والثاني : أن المتوعد يقول للجاني سوف أنتقم منك يعني أنه لا يبخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان ، واستأخر فجردها هنا لمعنى الوعيد انتهى . وقرأ الجمهور { سنكتب } بالنون والأعمش بياء مضمومة والتاء مفتوحة مبنياً للمفعول ، وذكرت عن عاصم { ونمد } أي نطول له { من العذاب } الذي يعذب به المستهزئون أو نزيده من العذاب ونضاعف له المدد . وقرأ عليّ بن أبي طالب { ونمد له } يقال مده وأمده بمعنى { ونرثه ما يقول } أُي نسلبه المال والولد فنكون كالوارث له . وقال الكلبي : نجعل ما يتمنى من الجنة لغيره . وقال أبو سهيل : نحرمه ما يتمناه من المال والولد ونجعله لغيره . قال الزمخشري : ويحتمل أنه قد تمنى وطمع أن يؤتيه الله في الدنيا مالاً وولداً ، وبلغت به أشعبيته أن تألّى على الله في قوله { لأوتين } لأنه جواب قسم مضمر ، ومن يتألَّ على الله يكذبه فيقول الله عز وعلا : هب أنّا أعطيناه ما اشتهاه أما نرثه منه في العاقبة { ويأتينا فرداً } غداً بلا مال ولا ولد كقوله تعالى { ولقد جئتمونا فرادى } [ الأنعام : 94 ] الآية فما يجدي عليه تمنيه وتأليه . ويحتمل أن هذا القول إنما يقوله ما دام حياً ، فإذا قبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله { ويأتينا } رافضاً له { منفرداً } عنه غير قائل له انتهى . وقال النحاس : { ونرثه ما يقول } معناه نحفظه عليه للعاقبة ومنه العلماء ورثة الأنبياء أي حفظة ما قالوه انتهى . و { فرداً } تتضمن ذلته وعدم أنصاره ، و { يقول } صلة { ما } مضارع ، والمعنى على الماضي أي ما قال . والضمير في { واتخذوا } لعبادة الأصنام وقد تقدم ما يعود عليه وهم الظالمون في قوله { ونذر الظالمين } [ مريم : 72 ] فكل ضمير جمع ما بعده عائد عليه إن كان مما يمكن عوده عليه ، واللام في { ليكونوا } لام كي أي { ليكونوا } أي الآلهة { لهم عزاً } يتعززون بها في النصرة والمنفعة والإنقاذ من العذاب . { كلا } قال الزمخشري : { كلا } ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة . وقرأ ابن نهيك { كلا سيكفرون بعبادتهم } أي سيجحدون { كلا سيكفرون بعبادتهم } كقولك : زيد مررت بغلامه وفي محتسب ابن جنيّ { كلا } بفتح الكاف والتنوين ، وزعم أن معناه كل هذا الرأي والإعتقاد كلاً ، ولقائل أن يقول إن صحت هذه الرواية فهي { كلا } التي للردع قلب الواقف عليها ألفها نوناً كما في قواريراً انتهى . فقوله وقرأ ابن نهيك الذي ذكر ابن خالويه وصاحب اللوامح وابن عطية وأبو نهيك بالكنية وهو الذي يحكى عنه القراءة في الشواذ وأنه قرأ { كلا } بفتح الكاف والتنوين وكذا حكاه عنه أبو الفتح . وقال ابن عطية وهو يعني { كلا } نعت للآلهة قال : وحكى عنه أي عن أبي نهيك أبو عمرو الداني { كلا } بضم الكاف والتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه { سيكفرون } تقديره يرفضون أو يتركون أو يجحدون أو نحوه . وأما قول الزمخشري ولقائل أن يقول إلى آخره فليس بجيد لأنه قال إنها التي للردع ، والتي للردع حرف ولا وجه لقلب ألفها نوناً وتشبيهه بقواريراً ليس بجيد لأن قواريراً اسم رجع به إلى أصله ، فالتنوين ليس بدلاً من ألف بل هو تنوين الصرف . وهذا الجمع مختلف فيه أيتحتم منع صرفه أم يجوز ؟ قولان ، ومنقول أيضاً أن لغة للعرب يصرفون ما لا ينصرف عند غيرهم ، فهذا التنوين إما على قول من لا يرى بالتحتم أو على تلك اللغة . وذكر الطبري عن أبي نهيك أنه قرأ كل بضم الكاف ورفع اللام ورفعه على الابتداء والجملة بعده الخبر ، وتقدم ظاهر وهو الآلهة وتلاه ضمير في قوله ليكونوا فالأظهر أن الضمير في { سيكفرون } عائد على أقرب مذكور محدث عنه . فالمعنى أن الآلهة سيجحدون عبادة هؤلاء إياهم كما قال : { وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم } وفي آخرها { فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون } [ النحل : 86 ] وتكون { آلهة } هنا مخصوصاً بمن يعقل ، أو يجعل الله للآلهة غير العاقلة إدراكاً تنكر به عبادة عابديه . ويجوز أن يكون الضمير للمشركين ينكرون لسوء العاقبة أن يكونوا كما قالوا { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] لكن قوله { ويكونون } يرجح القول الأول لاتساق الضمائر لواحد ، وعلى القول الآخر يختلف الضمائر إذ يكون في { سيكفرون } للمشركين وفي { يكونون } للآلهة . ومعنى { ضداً } أعواناً قاله ابن عباس . وقال الضحاك : أعداءً . وقال قتادة : قرناء . وقال ابن زيد : بلاءً . وقال ابن عطية : معناه يجيئهم منه خلاف ما كانوا أمّلوه فيؤول بهم ذلك إلى ذلة ضد ما أملوه من العز ، فالضد هنا مصدر وصف به الجمع كما يوصف به الواحد . وقال الزمخشري : والضد العون وحد توحيد وهم يد على من سواهم لإتفاق كلمتهم وأنهم كشيء واحد لفرط تضامنهم وتوافقهم ، ومعنى كونهم عوناً عليهم أنهم وقود النار وحصب جهنم ولأنهم عذبوا بسبب عبادتهم .