Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 23-30)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر أولاً بدء الإنسان وتطوّره في تلك الأطوار ، وما امتن به عليه مما جعله تعالى سبباً لحياتهم ، وإدراك مقاصدهم ، ذكر أمثالاً لكفار قريش من الأمم السابقة المنكرة لإرسال الله رسلاً المكذبة بما جاءتهم به الأنبياء عن الله ، فابتدأ قصة نوح لأنه أبو البشر الثاني كما ذكر أولاً آدم في قوله { من سلالة من طين } [ المؤمنون : 12 ] ولقصته أيضاً مناسبة بما قبلها إذ قبلها { وعلى الفلك تحملون } [ المؤمنون : 22 ] فذكر قصة من صنع الفلك أولاً وأنه كان سبب نجاة من آمن وهلك من لم يكن فيه الفلك من نعمة الله ، كل هذه القصص يحذر بها قريشاً نقم الله ويذكرهم نعمه . { ما لكم من إله غيره } جملة مستأنفة منبهة على أن يفرد بالعبادة من كان منفرداً بالإلهية فكأنها تعليل لقوله { اعبدوا الله } { أفلا تتقون } أي أفلا تخافون عقوبته إذا عبدتم غيره { فقال الملأ } أي كبراء الناس وعظماؤهم ، وهم الذين هم أعصى الناس وأبعدهم لقبول الخير . { ما هذا إلاّ بشر مثلكم } أي مساويكم في البشرية . { فأنى تؤفكون } [ الأنعام : 95 ] له اختصاص بالرسالة . { يريد أن يتفضل عليكم } أي يطلب الفضل عليكم ويرأسكم كقوله : { وتكون لكما الكبرياء في الأرض } [ يونس : 78 ] { ولو شاء الله لأنزل ملائكة } هذا يدل على أنهم كانوا مقرين بالملائكة وهذه شنشنة قريش ودأبها في استبعاد إرسال الله البشر ، والإشارة في هذا تحتمل أن تكون لنوح عليه السلام ، وأن تكون إلى ما كلمهم به من الأمر بعبادة الله ورفض أصنامهم ، وأن يكون إلى ما أتى به من أنه رسول الله وهو بشر ، وأعجب بضلال هؤلاء استبعدوا رسالة البشر واعتقدوا إلهية الحجر . وقولهم { ما سمعنا بهذا } الظاهر أنهم كانوا مباهتين وإلاّ فنبوّة إدريس وآدم لم تكن المدة بينها وبينهم متطاولة بحيث تنسى فدافعوا الحق بما أمكنهم دفاعه ، ولهذا قالوا { إن هو إلاّ رجل به جنة } ومعلوم عندهم أنه ليس بمجنون { فتربصوا به } أي انتظروا حاله حتى يجلى أمره وعاقبة خبره . فدعا ربه تعالى بأن ينصره ويظفره بهم بسبب ما كذبوه . وقال الزمخشري : يدل ما كذبون كما تقول : هذا بذاك أي بدل ذاك ومكانه ، والمعنى أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم أو انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب ، وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } [ الأعراف : 59 ] انتهى . وقرأ أبو جعفر وابن محيصن { قال رب } بضم الباء ، وتقدم توجيهه في قوله { قال رب احكم } [ الأنبياء : 112 ] بضم الباء وتقدم الكلام على أكثر تفسير ألفاظ هذه الآية في سورة هود ، ونهاه تعالى أن يخاطبه في قومه بدعاء نجاة أو غيره وبين علة النهي بأنه تعالى قد حكم عليهم بالإغراق ، وأمره تعالى بأن يحمده على نجاته وهلاكهم وكان الأمر له وحده وإن كان الشرط قد شمله ومن معه لأنه نبيهم وإمامهم وهم متبعوه في ذلك إذ هو قدوتهم . قال مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوّة وإظهار كبرياء الربوبية وأن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلاّ ملك أو نبي انتهى . ثم أمره أن يدعوه بأنه ينزله { منزلاً مباركاً } قيل وقال ذلك عند الركوب في السفينة . وقيل : عند الخروج منها . وقرأ الجمهور { مُنزلاً } بضم الميم وفتح الزاي فجاز أن يكون مصدراً ومكاناً أي إنزالاً أو موضع إنزال . وقرأ أبو بكر والمفضل وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبان : بفتح الميم وكسر الزاي أي مكان نزول { إن في ذلك } خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام أي إن في ما جرى على هذه أمّة نوح لدلائل وعبراً { وإن كنا لمبتلين } أي لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم أو لمختبرين بهذه الآيات عبادنا ليعتبروا كقوله { ولقد تركناها آية فهل من مدكر } [ القمر : 15 ] .