Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 62-73)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر أن الممتعين في الدنيا يحضرون إلى النار ، ذكر شيئاً من أحوال يوم القيامة ، أي واذكر حالهم يوم يناديهم الله ، ونداؤه إياهم يحتمل أن يكون بواسطة وبغير واسطة ؛ { فيقول أين شركائي } ؟ أي على زعمكم ، وهذا الاستفهام على جهة التوبيخ والتقريع ؛ والشركاء هم من عبدوه من دون الله ، من ملك ، أو جنّ ، أو إنس ، أو كوكب ، أو صنم ، أو غير ذلك . ومفعولا { تزعمون } محذوفان ، أحدهما العائد على الموصول ، والتقدير : تزعمونهم شركاء . ولما كان هذا السؤال مسكتاً لهم ، إذ تلك الشركاء التي عبدوها مفقودون ، هم أوجدوهم وفي الآخرة حادوا عن الجواب إلى كلام لا يجدي . { قال الذين حق عليهم القول } : أي الشياطين ، وأئمة الكفر ورؤوسه ؛ وحق : أي وجب عليهم القول ، أي مقتضاه ، وهو قوله : { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } [ هود : 119 ، السجدة : 13 ] . و { هٰؤلاء } : مبتدأ ، و { الذين أغوينا } : هم صفة ، و { أغويناهم كما غوينا } : الخبر ، و { كما غوينا } : صفة لمطاوع أغويناهم ، أي فغووا كما غوينا ، أي تسببنا لهم في الغي فقبلوا منا . وهذا الإعراب قاله الزمخشري . وقال أبو عليّ : ولا يجوز هذا الوجه ، لأنه ليس في الخبر زيادة على ما في صفة المبتدأ . قال : فإن قلت : قد وصلت بقوله : { كما غوينا } ، وفيه زيادة . قيل : الزيادة بالظرف لا تصيره أصلاً في الجملة ، لأن الظروف صلات ، وقال هو : { الذين أغوينا } هو الخبر ، و { أغويناهم } : مستأنف . وقال غير أبي علي : لا يمتنع الوجه الأول ، لأن الفضلات في بعض المواضع تلزم ، كقولك : زيد عمرو قائم في داره . انتهى . والمعنى : هؤلاء أتباعنا آثروا الكفر على الإيمان ، كما آثرناه نحن ، ونحن كنا السبب في كفرهم ، فقبلوا منا . وقرأ أبان ، عن عاصم وبعض الشاميين : كما غوينا ، بكسر الواو . قال ابن خالويه : وليس ذلك مختاراً ، لأن كلام العرب : غويت من الضلالة ، وغويت من البشم . ثم قالوا : { تبرأنا إليك } ، منهم ما كانوا يعبدوننا ، إنما عبدوا غيرنا ، و { إيانا } : مفعول { يعبدون } ، لما تقدّم الفصل ، وانفصاله لكون يعبدون فاصلة ، ولو اتصل ، ثم لم يكن فاصلة . وقال الزمخشري : إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم ؛ وإخلاء الجملتين من العاطف ، لكونهما مقرونين لمعنى الجملة الأولى . انتهى . { وقيل ادعوا شركاءكم } : لما سئلوا أين شركاؤكم وأجابوا بغير جواب ، سئلوا ثانياً فقيل : ادعوا شركاءكم ، وأضاف الشركاء إليهم ، أي الذين جعلتموهم شركاء لله . وقوله : { ادعوا شركاءكم } ، على سبيل التهكم بهم ، لأنه يعلم أنه لا فائدة في دعائهم ، { فدعوهم } ، هذا لسخافة عقولهم في ذلك الموطن أيضاً ، إذ لم يعلموا أن من كان موجوداً منهم في ذلك الموطن لا يجيبهم ، والضمير في { ورأوا } . قال الضحاك ومقاتل : هو للتابع والمتبوع ، وجواب لو محذوف ، والظاهر أن يقدر مما يدل عليه مما يليه ، أي لو كانوا مؤمنين في الدنيا ، ما رأوا العذاب في الآخرة . وقيل : التقدير : لو كانوا مهتدين بوجه من وجوه الحيل ، لدفعوا به العذاب . وقيل : لعلموا أن العذاب حق . وقيل : لتحيروا عند رؤيته من فظاعته ، وإن لم يعذبوا به ، وقيل : ما كانوا في الدنيا عابدين الأصنام . وقال أبو عبد الله الرازي : وعندي أن الجواب غير محذوف ، وفي تقريره وجوه : أحدها : أن الله إذا خاطبهم بقوله : { ادعوا شركاءكم } ، اشتدّ خوفهم ولحقهم شيء بحيث لا يبصرون شيئاً ، لا جرم ما رأوا العذاب . وثانيها : لما ذكر الشركاء ، وهي الأصنام ، وأنهم لا يجيبون الذين دعوهم ، قال في حقهم : { ورأوا العذاب } ، لو كانوا من الأحياء المهتدين ، ولكنها ليست كذلك ، ولا جرم ما رأت العذاب . والضمير في رأوا ، وإن كان للعقلاء ، فقد قال : ودعوهم وهم للعقلاء . انتهى ، وفيه بعض تلخيص . وقد أثنى على هذا الذي اختاره ، وليس بشيء ، لأنه بناه على أن الضمير في رأوا عائد على المدعوين ، قال : وهم الأصنام . والظاهر أنه عائد على الداعين ، كقوله : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين أتبعوا ورأوا العذاب } [ البقرة : 166 ] ، ولأن حمل مهتدين على الأحياء في غاية البعد ، لأن ما قدره هو جواب ، ولا يشعر به أنه جواب ، إذ صار التقدير عنده : لو كانوا من الأحياء رأوا العذاب ، لكنها ليست من الأحياء ، فلا ترى العذاب . ألا ترى إلى قوله : فلا جرم ما رأت العذاب ؟ { ويوم يناديهم } : هذا النداء أيضاً قد يكون بواسطة من الملائكة ، أو بغير واسطة . حكى أولاً ما يوبخهم به من اتخاذهم له شركاء ، ثم ما يقوله رؤوس الكفر عند توبيخهم ، ثم استعانتهم بشركائهم وخذلانهم لهم وعجزهم عن نصرتهم ، ثم ما يبكتون به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزالة العلل . وقرأ الجمهور : { فعميت } بفتح العين وتخفيف الميم . وقرأ الأعمش ، وجناح بن حبيش ، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير : بضم العين وتشديد الميم ، والمعنى : أظلمت عليهم الأمور ، فلم يستطيعوا أن يخبروا بما فيه نجاة لهم ، وأتى بلفظ الماضي لتحقق وقوعه . { فهم لا يتساءلون } ، وقرأ طلحة : يساءلون ، بإدغام التاء في السين : أي لا يسأل بعضهم بعضاً فيما يتحاجون به ، إذا أيقنوا أنه لا حجة لهم ، فهم في عمى وعجز عن الجواب . والمراد بالنبأ : الخبر عما أجاب به المرسل إليه رسوله . ولما ذكر تعالى أحوال الكفار يوم القيامة ، وما يكون منهم فيه ، أخبر بأن من تاب من الشرك وآمن وعمل صالحاً ، فإنه مرجو له الفلاح والفوز في الآخرة ، وهذا ترغيب للكافر في الإسلام ، وضمان له للفلاح . ويقال : إن عسى من الله واجبة . { وربك يخلق ما يشاء ويختار } : نزلت بسبب ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقول بعضهم : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] ، وقائل ذلك الوليد بن المغيرة . قال القرطبي : هذا متصل بذكر الشركاء الذين دعوهم واختاروهم للشفاعة ، أي الاختيار إلى الله تعالى في الشفعاء ، لا إلى المشركين . وقيل : هو جواب لليهود ، إذ قالوا : لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل ، لأمنا به ، ونص الزجاج ، وعليّ بن سليمان ، والنحاس : على أن الوقف على قوله : { ويختار } تام ، والظاهر أن ما نافية ، أي ليس لهم الخيرة ، إنما هي لله تعالى ، كقوله : { ما كان لهم الخيرة } من أمرهم . وذهب الطبري إلى أن ما موصولة منصوبة بيختار ، أي ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس ، كما لا يختارون هم ما ليس إليهم ، ويفعلون ما لم يؤمروا به . وأنكر أن تكون ما نافية ، لئلا يكون المعنى : إنه لم تكن لهم الخيرة فيما مضى ، وهي لهم فيما يستقبل ، ولأنه لم يتقدّم كلام ينفي . وروي عن ابن عباس معنى ما ذهب إليه الطبري ، وقد رد هذا القول تقدّم العائد على الموصول ، وأجيب بأن التقدير : ما كان لهم فيه الخيرة ، وحذف لدلالة المعنى . قال الزمخشري : كما حذف من قوله : { إن ذلك لمن عزم الأمور } [ الشورى : 43 ] ، يعني : أن التقدير أن ذلك فيه لمن عزم الأمور . وأنشد القاسم ابن معن بيت عنترة : @ أمن سمية دمع العين تذريف لو كان ذا منك قبل اليوم معروف @@ وقرن الآية بهذا البيت . والرواية في البيت : لو أن ذا ، ولكن على ما رواه القاسم يتجه في بيت عنترة أن يكون في كان ضمير الشأن . فأما في الآية ، فقال ابن عطية : تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف . قال ابن عطية : ويتجه عندي أن تكون ما مفعولة ، إذا قدرنا كان تامة ، أي إن الله تعالى يختار كل كائن ، ولا يكون شيء إلا بإذنه . وقوله : { لهم الخيرة } : جملة مستأنفة معناها : تعديد النعمة عليهم في اختيار الله لهم ، لو قبلوا وفهموا . انتهى . يعني : والله أعلم خيرة الله لهم ، أي لمصلحتهم . والخيرة من التخير ، كالطيرة من التطير ، يستعملان بمعنى المصدر ؛ والجمل التي بعد هذا تقدم الكلام عليها . والحمد في الآخرة قولهم : { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } [ فاطر : 34 ] ، { الحمد لله الذي صدقنا وعده } [ الزمر : 74 ] { الحمد لله رب العالمين } [ الفاتحة : 2 ] ، والتحميد هنالك على سبيل اللذة ، لا التكليف . وفي الحديث : " يلهمون التسبيح والتقديس " وقرأ ابن محيصن : ما تكن ، بفتح التاء وضم الكاف . { وله الحكم } : أي القضاء بين عباده والفصل . و { أرأيتم } : بمعنى أخبروني ، وقد يسلط على الليل { أرأيتم } و { جعل } ، إذ كل منهما يقتضيه ، فأعمل الثاني . وجملة أرأيتم الثانية هي جملة الاستفهام ، والعائد على الليل محذوف تقديره : من إله غير الله يأتيكم بضياء بعده ، ولا يلزم في باب التنازع أن يستوي المتنازعان في جهة التعدي مطلقاً ، بل قد يختلف الطلب ، فيطلبه هذا على جهة الفاعلية ، وهذا على جهة المفعولية ، وهذا على جهة المفعول ، وهذا على جهة الظرف . وكذلك أرأيتم ثاني مفعولية جملة استفهامية غالباً ، وثاني جعل إن كانت بمعنى صير لا يكون استفهاماً ، وإن كانت بمعنى خلق وأوجد وانتصب ما بعده مفعولاً ، كان ذلك المنتصب حالاً . و { سرمداً } ، قيل : من السرد ، فميمه زائدة ، ووزنه فعمل ، ولا يزاد وسطاً ولا آخراً بقياس ، وإنما هي ألفاظ تحفظ مذكورة في علم التصريف . وأتى { بضياء } ، وهو نور الشمس ، ولم يجىء التركيب بنهار يتصرفون فيه ، كما جاء { بليل تسكنون فيه } ، لأن منافع الضياء متكاثرة ، ليس التصرف في المعاش وحده ، والظلام ليس بتلك المنزلة ، ومن ثم قرن بالضياء . { أفلا تسمعون } ؟ لأن السمع يدرك ما يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده ، وقرن بالليل . { أفلا تبصرون } ؟ لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه ، قاله الزمخشري . و { من رحمته } ، من هنا للسبب ، أي وبسبب رحمته إياكم ، { جعل لكم الليل والنهار } ، ثم علل جعل كل واحد منهما ، فبدأ بعلة الأول ، وهو الليل ، وهو : { لتسكنوا فيه } ، ثم بعلة الثاني وهو : { ولتبتغوا من فضله } ، ثم بما يشبه العلة لجعل هذين الشيئين وهو : { لعلكم تشكرون } ، أي هذه الرحمة والنعمة . وهذا النوع من علم البديع يسمى التفسير ، وهو أن تذكر أشياء ثم تفسرها بما يناسبها ، ومنه قول ابن جيوش : @ ومقرطق يغني النديم بوجهه عن كأسه الملأى وعن إبريقه فعل المدام ولونها ومذاقها في مقلتيه ووجنتيه وريقه @@ والضمير في { فيه } عائد على الليل ، وفي { فضله } يجوز أن يكون عائداً على الله ، والتقدير : من فضله ، أي من فضل الله فيه ، أي في النهار ؛ وحذف لدلالة المعنى ، ولدلالة لفظ فيه السابق عليه . ويحتمل أن يعود على النهار ، أي من فضل النهار ، ويكون أضافه إلى ضمير النهار على سبيل المجاز . لما كان الفضل حاصلاً فيه ، أضيف إليه ، كقوله : { بل مكر الليل والنهار } [ سبأ : 33 ] .