Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 46-55)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

و { أهل الكتاب } : اليهود والنصارى . { إلا بالتي هي أحسن } : من الملاطفة في الدعاء إلى الله والتنبيه على آياته . { إلا الذين ظلموا } : ممن لم يؤد جزية ونصب الحرب ، وصرح بأن لله ولداً أو شريكاً ، أو يده مغلولة ؛ فالآية منسوخة في مهادنة من لم يحارب ، قاله مجاهد ومؤمنو أهل الكتاب . { إلا بالتي هي أحسن } : أي بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أوائلهم . { إلا الذين ظلموا } : من بقي منهم على كفره ، وعيد لقريظة والنضير ، قاله ابن زيد ، والآية على هذا محكمة . وقيل : إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : الآية منسوخة بقوله : { قاتلوا الذين لا يؤمنون } [ التوبة : 29 ] الآية . وقرأ الجمهور : إلا ، حرف استثناء ؛ وابن عباس : ألا ، حرف تنبيه واستفتاح ، وتقديره : ألا جادلوهم بالتي هي أحسن . { وقولوا آمنا } : هذا من المجادلة بالأحسن . { بالذي أنزل إلينا } ، وهو القرآن ، { وأنزل إليكم } ، وهو التوراة والزبور والإنجيل . " وفي صحيح البخاري ، عن أبي هريرة : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم " { وكذلك } : أي مثل ذلك الإنزال الذي للكتب السابقة ، { أنزلنا إليك الكتاب } : أي القرآن . { فالذين آتيناهم الكتاب } هم : عبد الله بن سلام ومن آمن معه . { ومن هؤلاء } : أي من أهل مكة . وقيل : { فالذين آتيناهم الكتاب } : أي الذين تقدموا عهد الرسول ، يؤمنون به : أي بالقرآن ، إذ هو مذكور في كتبهم أنه ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم . { ومن هؤلاء } : أي ممن في عهده منهم . { وما يجحد بآياتنا } ، مع ظهورها وزوال الشبهة عنها ، { إلا الكافرون } : أي من بني إسرائيل وغيرهم . قال مجاهد : كان أهل الكتاب يقرأون في كتبهم أن محمداً عليه السلام ، لا يخط ولا يقرأ كتاباً ، فنزلت : { وما كنت تتلوا من قبله } : أي من قبل نزوله عليك ، { من كتاب } : أي كتاباً ، ومن زائدة لأنها في متعلق النفي ، { ولا تخطه } : أي لا تقرأ ولا تكتب ، { بيمينك } : وهي الجارحة التي يكتب بها ، وذكرها زيادة تصوير لما نفي عنه من الكتابة ، لما ذكر إنزال الكتاب عليه ، متضمناً من البلاغة والفصاحة والإخبار عن الأمم السابقة والأمور المغيبة ما أعجز البشر أن يأتوا بسورة مثله . أخذ يحقق ، كونه نازلاً من عند الله ، بأنه ظهر عن رجل أمي ، لا يقرأ ولا يكتب ، ولا يخالط أهل العلم . وظهور هذا القرآن المنزل عليه أعظم دليل على صدقه ، وأكثر المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتب قط ، ولم يقرأ بالنظر في كتاب . وروي عن الشعبي أنه قال : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كتب وأسند النقاش . حديث أبي كبشة السلولي : أنه صلى الله عليه وسلم ، قرأ صحيفة لعيينة ابن حصن وأخبر بمعناها . وفي صحيح مسلم ما ظاهره : أنه كتب مباشرة ، وقد ذهب إلى ذلك جماعة ، منهم أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي ، والقاضي أبو الوليد الباجي وغيرهما . واشتد نكير كثير من علماء بلادنا على أبي الوليد الباجي ، حتى كان بعضهم يسبه ويطعن فيه على المنبر . وتأول أكثر العلماء ما ورد من أنه كتب على أن معناه : أمر بالكتابة ، كما تقول : كتب السلطان لفلان بكذا ، أي أمر بالكتب . { إذاً لارتاب المبطلون } : أي لو كان يقرأ كتباً قبل نزول القرآن عليه ، أو يكتب ، لحصلت الريبة للمبطلين ، إذ كانوا يقولون : حصل ذلك الذي يتلوه مما قرأه ، قيل : وخطه واستحفظه ؛ فكان يكون لهم في ارتيابهم تعلق ببعض شبهة ، وأما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده . والمبطلون : أهل الكتاب ، قاله قتادة ؛ أو كفار قريش ، قاله مجاهد . وسموا مبطلين ، لأنهم كفروا به ، وهو أمي بعيد من الريب . ولما لم يكن قارئاً ولا كاتباً ، كان ارتيابهم لا وجه له . { بل هو } : أي القرآن : { آيات بينات } : واضحات الإعجاز ، { في صدور الذين أوتوا العلم } : أي مستقرة ، مؤمن من بها ، محفوظة في صدورهم ، يتلوها أكثر الأمة ظاهراً ، بخلاف غيره من الكتب ، فليس بمعجز ، ولا يقرأ إلا من الصحف . وجاء في صفة هذه الأمة صدورهم : أنا جيلهم ، وكونه القرآن ، يؤيده قراءة عبد الله ، بل هي آيات . وقيل : بل هو ، أي النبي وأموره ، آيات بينات ، قاله قتادة . وقرأ : بل هو آية بينة على التوحيد ؛ وقيل : بل هو ، أي كونه لا يقرأ ولا يكتب . ويقال : جحدته وجحدت به ، وكفرته وكفرت به ، قيل : والجحود الأول معلق بالواحدنية ، والثاني معلق بالنبوّة ، وختمت تلك بالكافر . ولأنه قسيم المؤمنين في قوله : { يؤمنون به ومن هٰؤلاء من يؤمن } ، وهذه بالظالمين ، لأنه جحد بعد إقامة الدليل على كون الرسول صدر منه القرآن منزل عليه ، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، فهم الظالمون بعد ظهور المعجزة . { وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه } : أي قريش ، وبعض اليهود كانوا يعلمون قريشاً مثل هذا الاقتراح يقولون له : ألا يأتيكم بآية مثل آيات موسى من العصا وغيرها ؟ وقرأ العربيان ، ونافع ، وحفص : آيات ، على الجمع ؛ وباقي السبعة : على التوحيد . { قل إنما الآيات عند الله } ، ينزل أيتها شاء ، ولو شاء أن ينزل ما يقترحونه لفعل . { وإنما أنا نذير } بما أعطيت من الآيات . وذكر يحيـى بن جعدة أن ناساً من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بكتب قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود ، فلما نظر إليها ألقاها وقال : " كفر بها جماعة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم " ، فنزلت : { أو لم يكفهم } . والذي يظهر أنه رد على الذين قالوا : { لولا أنزل عليه آية من ربه } : أي أو لم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات ، إن كانوا طالبين للحق ، غير متعنتين هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان ؟ فلا تزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحل ، كما تزول كل آية بعد وجودها ، ويكون في مكان دون مكان . إن في هذه الآية الموجودة في كل مكان وزمان لرحمة لنعمة عظيمة لا تنكر وتذكر . وقيل : { أو لم يكفهم } : يعني اليهود ، { إنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك ، وروي أن كعب بن الأشرف وأصحابه قالوا : يا محمد ! من يشهد بأنك رسول الله ؟ فنزلت : { قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً } : أي قد بلغت وأنذرت ، وأنكم جحدتم وكذبتم ، وهو العالم { ما في السماوات والأرض } ، فيعلم أمري وأمركم ، { والذين آمنوا بالباطل } . قال ابن عباس : بغير الله . وقال مقاتل : بعبادة الشيطان . وقيل : بالضم . { ويستعجلونك } : أي كفار قريش في قولهم : { ائتنا بما تعدنا } [ الأعراف : 77 ] ، وقول النضر : { فأمطر علينا حجارة } [ الأنفال : 32 ] ، وهو استعجال على جهة التعجيز والتكذيب والاستهزاء بالعذاب الذي كان يتوعدهم به الرسول . والأجل المسمى : ما سماه الله وأثبته في اللوح لعذابهم ، وأوجبت الحكمة تأخيره . وقال ابن جبير : يوم القيامة . وقال ابن سلام : أجل ما بين النفختين ، وقيل : يوم بدر . { وليأتينهم بغتة } : أي فجأة ، وهو ما ظهر يوم بدر ، وفي السنين السبع . ثم كرر فعلهم وقبحه ، وأخبر أن وراءهم جهنم ، تحيط بهم . وانتصب { يوم يغشاهم } بمحيطة . وقرأ الكوفيون ، ونافع : { ويقول } : أي الله ؛ وباقي السبعة : بالنون ، نون العظمة ، أو نون جماعة الملائكة ؛ وأبو البرهثيم : بالتاء ، أي جهنم ؛ كما نسب القول إليها في : { وتقول هل من مزيد } [ ق : 30 ] . وقرأ ابن مسعود ، وابن أبي عبلة : ويقال ، مبنياً للمفعول .