Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 83-91)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الملء : مقدار ما يملأ ، وهو اسم يثنى ويجمع يقال : ملء القدح ، وملآه ، وثلاثة أملائه ، وبفتح الميم المصدر ، يقال : ملأت الشيء املأه ملأ ، والملاءة التي تلبس ، وهي الملحفة بضم الميم والهمز . وتقدمت هذه المادة في شرح : الملأ . { أفغير دين الله يبغون } روي عن ابن عباس : اختصم أهل الكتاب فزعمت كل فرقة أنها أولى بدين إبراهيم ، فقال النبي كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم ، فغضبوا . وقالوا : والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك . فنزلت هذه الآية . ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهر جداً . والهمزة في : أفغير ؟ للإنكار والتنبيه على الخطأ في التولي والإعراض ، وأضيف الدين إلى الله لأنه تعالى هو الذي شرعه وتعبد به الخلق ، ومعنى : تبغون ، تطلبون ، وهو هنا بمعنى : تدينون لأنهم متلبسون بدين غير دين الله لا طالبوه ، وعبر بالطلب إشعاراً بأنهم في كل الوقت باحثون عنه ومستخرجوه ومبتغوه . وقال الماتريدي : فإن قيل كل عاقل يبتغي دين الله ويدعي أنّ الذي هو عليه دين الله . قيل : الجواب من وجهين . أحدهما : أنه لما قصر في الطلب جعل في المعنى كأنه باغ غير دين الله ، إذ لو كان باغياً لبالغ في الطلب من الوجه الذي يوصل إليه منه ، فكأنه ليس باغياً من حيث المعنى ، ولكنه من حيث الصورة . والثاني : أنه قد بان للبعض في الابتغاء ما هو الحق لظهور الحجج والآيات ، ولكن أبى إلاَّ العناد ، فهو باغ غير دين الله ، فتكون الآية في المعاندين . انتهى كلامه . وقرأ أبو عمرو ، وحفص ، وعياش ، ويعقوب ، وسهل : يبغون ، بالياء على الغيبة ، وينسبها ابن عطية لأبي عمرو ، وعاصم بكماله . وقرأ الباقون : بالتاء ، على الخطاب ، فالياء على نسق : هم الفاسقون ، والتاء على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، والفاء لعطف هذه الجملة على ما قبلها ، وقدمت الهمزة اعتناء بالاستفهام . والتقدير : فأغير ؟ وجوّز هذا الوجه الزمخشري ، وهو قول جميع النحاة قبله . قال : ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره : أيتولون فغير دين الله يبغون . انتهى . وقد تقدم ذكر هذا والكلام على مذهبه في ذلك ، وأمعنا الكلام عليه في كتاب ( التكميل ) من تأليفنا . وانتصب : غير ، على أنه مفعول يبغون ، وقدم على فعله لأنه أهم من حيث إن الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود بالباطل ، قاله الزمخشري . ولا تحقيق فيه ، لأن الإنكار الذي هو معنى الهمزة لا يتوجه إلى الذوات ، إنما يتوجه إلى الأفعال التي تتعلق بالذوات ، فالذي أنكر إنما هو الابتغاء الذي متعلقه غير دين الله ، وانما جاء تقديم المفعول هنا من باب الاتساع ، وشبه : يبغون ، بالفاصلة بآخر الفعل . { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } أسلم عند الجمهور : استسلم وانقاد ، قال ابن عباس : أسلم طوعاً بحالته الناطقة عند أخذ الميثاق عليه ، وكرهاً عند دعاء الأنبياء لهم إلى الإسلام . وقال مجاهد : سجود ظل المؤمن طائعاً وسجود ظل الكافر كارهاً . كما قال تعالى : { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرها وظلالهم بالغدو والآصال } [ الرعد : 15 ] وقال مجاهد أيضاً ، وأبو العالية ، والشعبي : ما يقارب معناه : أسلم أقرّ بالخالقية والعبودية ، وإن كان فيهم من أشرك في العبادة ، فمن أشرك أسلم كرهاً . ومن أخلص أسلم طوعاً . وقال الحسن : أسلم قوم طوعاً وقوم خوف السيف . وقال مطر الوراق : أسلم من في السماوات طوعاً وكذلك الأنصار ، وبنو سليم ، وعبد القيس ، وأسلم سائر الناس كرهاً حذر القتال والسيف . وأسلم على هذا القول في ضمنه الإيمان . وقال قتادة : الإسلام كرهاً هو إسلام الكافر عند الموت والمعاينة حيث لا ينفعه . وقال ابن عطية : ويلزم على هذا أن كل كافر يفعل ذلك ، وهذا غير موجود إلاَّ في أفراد . انتهى . وقال عكرمة : طوعاً باضطرار الحجة . وقال الزمخشري : طوعاً بالنظر في الأدلة والإنصاف من نفسه ، وكرهاً بالسيف ، أو بمعاينة ما يلجىء إلى الإسلام كنتق الجبل على بني إسرائيل ، وإدراك الغرق فرعون ، والإشفاء على الموت { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده } [ غافر : 84 ] . انتهى . فلفق الزمخشري تفسير : طوعاً ، من قول عكرمة وتفسير قوله : وكرهاً ، من قول مطر الوراق وقول قتادة . وقال الكلبي : طوعاً بالولادة على الإسلام ، وكرهاً بالسيف . وقال ابن كيسان : المعنى : وله خضع من في السموات والأرض فيما صورهم فيه ودبرهم عليه ، وما يحدث فيهم فهم لا يمتنعون عليه كرهوا ذلك أو أحبوه ، رضوا بذلك أو سخطوه ؛ وهذا معنى قول الزجاج : إن الاسلام هنا الخضوع لنفوذ أمره في جبلته ، لا يقدر أحد أن يمتنع مما جبل عليه ولا أن يغيره والذي يظهر عموم من في السموات ، وخصوص من في الأرض . والطوع هو الذي لا تكلف فيه ، والكره ما فيه مشقة ، فإسلام من في السموات طوع صرف إذ هم خالون من الشهوات الداعية إلى المخالفة ، وإسلام من في الأرض ، من كان منهم معصوماً كان طوعاً ، ومن كان غير معصوم كان كرهاً ، بمعنى أنه في مشقة ، لأن التكاليف جاءت على مخالفة الشهوات النفسانية ، فلو لم يأت رسول من الله مبشر بالثواب ومنذر بالعقاب لم يلتزم الإنسان شيئاً من التكاليف . وهذه الأقوال لا تخرج : أسلم ، فيها عن أن يحمل على الاستسلام ، وعلى الاعتقاد ، وعلى الإقرار باللسان ، وعلى التزام الأحكام . وقد قيل بهذا كله . والجملة من قوله : { وله أسلم } حالية . و : طوعاً وكرهاً ، مصدران في موضع الحال ، أي : طائعين وكارهين . وقيل : هما مصدران على خلاف الصدر . وقرأ الأعمش : كرهاً ، بضم الكاف ، والجمهور بفتحها . { وإليه يرجعون } تهديد عظبم لمن اتبع وابتغى غير دين الله ، وتقدّم معنى الرجوع إليه ، ويحتمل أن يكون قد عطف على قوله : { وله أسلم } فيكون مشاركاً له في الحالية ، وكأنه نعى عليهم ابتغاء غير دين من انقاد إليه المكلفون كلهم ومن إليه مرجعهم ، فيجازيهم على أعمالهم . والمعنى : أن من كان بهاتين الصفتين لا يبتغي ديناً غير دينه ، ويحتمل أن يكون اسئتنافاً وإخباراً بأنه تعالى إليه مصيرهم ومنقلبهم فيجازيهم بأعمالهم . وقرأ حفص ، وعباس ، ويعقوب ، وسهل : يرجعون ، بالياء على الغيبة ، فيحتمل أن يكون عائداً على من أسلم ، ويحتمل أن يكون عائداً على غير ضمير يبغون ، فيكون على سبيل الالتفات على قراءة من قرأ : تبغون ، بالتاء إذ يكون قد انتقل من خطاب إلى غيبة . وقرأ الباقون : بالتاء ، فإن عاد الضمير على من كان التفاتاً ، أو على ضمير : تبغون ، كان التفاتاً على قراءة من قرأ : يبغون ، بالياء ، أو يكون قد انتقل من غيبة إلى خطاب . { قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } هذه الآية موافقة لما في البقرة إلاَّ في : قل ، وفي : علينا ، وفي : عيسى والنبيون ، وقد تقدّم شرح ما في البقرة فأغنى عن إعادته هنا ، إلاَّ ما وقع فيه الخلاف ، فنقول : الظاهر في : قل ، أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمر أن يخبر عن نفسه وعن أمته بقوله : آمنا به ، ويقوي أنه إخبار عنه وعن أمته قوله أخيراً : ونحن له مسلمون . وأفرده بالخطاب بقوله : قل ، لأنه تقدّم ذكره في أخذ الميثاق في قوله : ثم جاءكم رسول ، فعينه في هذا التكليف ليظهر فيه كونه مصدّقاً لما مع الأنبياء الذين أخذ عليهم الميثاق . وقال : آمنا ، تنبيهاً على أن هذا التكليف ليس من خواصه ، بل هو لازم لكل المؤمنين . قال تعالى : { كل آمن بالله } [ البقرة : 285 ] بعد قوله : { آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون } [ البقرة : 285 ] . قال الزمخشري ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك إجلالاً من الله لقدر نبيه وقال ابن عطية : المعنى قل يا محمد ، أنت وأمتك : آمنا بالله ، فيظهر من كلام ابن عطية أن ثم معطوفاً حذف ، وأن ثم الأمر متوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأمته . وأما تعدية أنزل ، هنا : بعلى ، وفي البقرة بإلى فقال ابن عطية : الإنزال على نبي الأمة إنزال عليها . وقال الزمخشري : فإن قلت لم عدَّى أنزل في هذه الآية بحرف الاستعلاء ، وفيما تقدّم من مثلها بحرف الانتهاء ؟ . قلت لوجود المعنيين جميعاً ، لأن الوحي ينزل من فوق وينتهى إلى الرسل ، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر . وقال الراغب : إنما قال هنا : على ، لأن ذلك لما كان خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان واصلاً إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشر كان لفظ على المختص بالعلوّ أولى به ، وهناك ، لما كان خطاباً للأمة ، وقد وصل إليهم بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان لفظ : إلى ، المختص بالإيصال أولى ، ويجوز أن يقال : أنزل عليه إنما على ما أمر المنزل عليه أن يبلغ غيره ، وأنزل إليه على ما خص به في نفسه . وإليه نهاية الإنزال ، وعلى ذلك قال : { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } [ العنكبوت : 51 ] وقال : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } [ النحل : 44 ] خص هنا : بإلى ، لما كان مخصوصاً بالذكر الذي هو بيان المنزل ، وهذا كلام في الأولى لا في الوجوب . انتهى كلامه . وذكر الزمخشري أن : من قال هذا الفرق فقد تعسف ، قال : ألا ترى إلى قوله : { بما أنزل إليك } [ البقرة : 4 ، النساء : 60 ، 162 ] { وأنزلنا إليك الكتاب } [ النساء : 105 ، المائدة : 48 ] وإلى قوله : { آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا } [ آل عمران : 72 ] انتهى . وأما إعادة لفظ : وما أوتي ، فلأنه لما كان لفظ الخطاب عاماً ، ومن حكم خطاب العام البسط دون الإيجاز ، ولما كان الخطاب هنا خاصاً اكتفى فيه بالإيجاز . { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } الإسلام هنا قيل هو الاستسلام إلى الله والتفويض إليه ، وهو مطلوب في كل زمان ومكان وشريعة ، ولذلك فسره الزمخشري بالتوحيد ، وإسلام الوجه لله . وقيل : المراد بالإسلام شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، بيَّن تعالى أن من تحرّى بعد مبعثه شريعة غير شريعته فغير مقبول منه ، وهو الدين الذي وافق في معتقداته دين من ذكر من الأنبياء . قيل : وعن ابن عباس لما نزلت : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى } [ البقرة : 62 ] الآية أنزل الله بعدها : { ومن يبتغ } الآية . وهذا إشارة إلى نسخ { إن الذين آمنوا } [ البقرة : 62 ] . وعن عكرمة : لما نزلت قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : قد أسلمنا قبلك ونحن المسلمون ، فقال الله له : حجهم يا محمد ، وأنزل { ولله على الناس حج البيت } [ آل عمران : 97 ] فحج المسلمون وقعد الكفار . وقيل : نزلت في الحارث بن سويد ، وستأتي قصته بعد هذا . وقبول العمل هو رضاه وإثابة فاعله عليه . وانتصب : ديناً على التمييز : لغير ، لأن : غير ، مبهمة ، ففسرت بدين ، كما أن مثلاً مبهمة فتفسر أيضاً . وهذا كقولهم : لنا غيرها إبلاً وشاء ، ومفعول : يبتغ هو : غير ، وقيل : ديناً ، مفعول ، و : غير ، منصوب على الحال لأنه لو تأخر كان نعتاً وقيل : ديناً ، بدل من : غير ، والجمهور على إظهار الغينين وروي عن أبي عمرو الإدغام . { وهو في الآخرة من الخاسرين } الخسران في الآخرة هو حرمان الثواب وحصول العقاب شبه في تضييع زمانه في الدنيا باتباع غير الإسلام بالذي خسر في بضاعته ، ويحتمل أن تكون هذه الجملة قد عطفت على جواب الشرط ، فيكون قد ترتب على ابتغاء غير الإسلام ديناً عدم القبول والخسران ، ويحتمل أن لا تكون معطوفة عليه بل هي استئناف إخبار عن حاله في الآخرة . و : في الآخرة متعلق بمحذوف يدل عليه ما بعده ، أي : وهو خاسر في الآخرة ، أو : بإضمار أعني ، أو : بالخاسرين على أن الألف واللام ليست موصولة بل للتعريف ، كهي في : الرجل ، أو : به على أنها موصولة ، وتسومح في الظرف والمجرور لأنه يتسع فيهما ما لا يتسع في غيرهما ، وكلُّ منقول ، وقد تقدّم لنا نظير . { كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين } نزلت في أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل وفيهما ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، فغيروه وكفروا بعد إيمانهم بنبوّته ، قاله الحسن وروى عطية قريباً منه عن ابن عباس وقال مقاتل : في عشرة رهط ارتدوا فيهم الحارث بن سويد الأنصاري ، فندم ورجع ، ورواه أبو صالح عن ابن عباس ، وذكر مجاهد ، والسدّي : أن الحارث كان يظهر الإسلام ، فلما كان يوم أحد قتل المجدر بن زياد بدم كان له عليه ، وقتل زيد بن قيس ، وارتد ولحق بالمشركين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر أن يقتله إن ظفر به ، ففاته ، ثم بعث إلى أخيه من مكة يطلب التوبة ، فنزلت إلى قوله : { إلا الذين تابوا } فكتب بها قومه ، إليه فرجع تائباً . ورواه عكرمة عن ابن عباس ، ولم يسمه ، ولم يذكر سوى أنه رجل من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين ، وخرجه النسائي عن ابن عباس مطولاً وقيل : لحق بالروم وقيل : ارتد الحارث في أحد عشر رجلاً ، وسمى منهم الزمخشري : طعمة بن أبيرق ، والحارث بن سويد بن الصامت ، ووحوح بن الأسلت ، وذكر عكرمة أنهم كانوا اثني عشر ، وسمى منهم : أبا عامر الراهب ، والحارث ووجوهاً . وقال النقاش : نزلت في طعمة بن أبيرق . ألفاظ الآية تعم كل من ذكر وغيرهم . وقيل : هي في عامة المشركين وقال مجاهد : حمل الآيات إلى الحارث رجل من قومه فقرأها عليه فقال له الحارث : إنك والله ما علمت لصدوق ، وإن رسول الله لأصدق منك ، وإن الله تعالى لأصدق الثلاثة . قال فرجع الحارث فأسلم وحسن إسلامه . كيف : سؤال عن الأحوال ، وهي هنا للتعجيب والتعظيم لكفرهم بعد الإيمان ، أي : كيف يستحق الهداية من أتى بما ينافيها بعد التباسه بها ووضوحها ؟ فاستبعد حصولها لهم مع شدّة الجرائم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " كيف تفلح أمة أدمت وجه نبيها " ؟ . وقال الزمخشري : كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف لما علم الله من تصميمهم على كفرهم ؟ انتهى . وهذه نزعة إعتزالية ، إذ ليس المعنى عنده : إن الله يخلق الهداية فيهم كما لا يخلق الضلال فيهم ، بل هما مخلوقان للعبد . وقيل : الاستفهام هنا يراد به الجحد ، والمعنى : ليس يهدي ، ونظيره قول الشاعر : @ فهذي سيوف ، يا صديّ بن مالك كثير ، ولكن : أين بالسيف ضارب ؟ @@ وقول الآخر : @ كيف نَومي على الفراش ولما يشمل الشام غارة شعواء ؟ @@ والهداية هنا هي إلى الإيمان واتباع الحق ، وأبعد من زعم أن المعنى : لا يهديهم إلى الجنة إلاَّ إن تجوَّز ، فأطلق المسبب على السبب ، لأن دخول الجنة مسبب عن الإيمان ، فيعود إلى القول الأول . وشهدوا : ظاهره أنه معطوف على قوله كفروا ، وبه قال الحوفي ، وابن عطية ، ورده مكي وقال : لا يجوز عطف : شهدوا ، على : كفروا ، لفساد المعنى ، ولم يبين من أي جهة فساد المعنى ، وكأنه توهم الترتيب ، فلذلك فسد المعنى عنده وقال ابن عطية : المعنى مفهوم أن الشهادة قبل الكفر ، و : الواو ، لا ترتب ، وأجاز قوم منهم : مكي ، والزمخشري : أن يكون معطوفاً على : ما في إيمانهم ، من معنى الفعل ، إذ المعنى : بعد أن آمنوا وشهدوا . وأجاز الزمخشري وغيره أن تكون : الواو ، للحال لا للعطف ، التقدير : كفروا بعد إيمانهم وقد شهدوا ، والعامل فيه : كفروا . والرسول هنا : محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الجمهور ، وجوّز أن يكون الرسول هنا بمعنى الرسالة ، وفيه بعد . والبينات : هي شواهد القرآن ، والمعجزات التي تأتي بمثلها الأنبياء . { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي : لا يخلق في قلوبهم الهداية . و : الظالمين ، عام معناه الخصوص أي : لا يهدي من قضى عليه بأنه يموت على الكفر قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد الإخبار عن أن الظالم في ظلمه ليس على هدى من الله ، فتجيء الآية عامة تامة العموم . انتهى . وهذا المعنى الذي ذكره ينبو عنه لفظ الآية وقال الزمخشري : الظالمين ، المعاندين الذين علم الله أن اللطف لا ينفعهم . انتهى . وتفسيره على طريقته الإعتزالية . { أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } تقدم تفسير مثل هذه الجملة . وتوجيه قراءة الحسن : والناس أجمعون ، في سورة البقرة ، فأغنى عن إعادته ، إلاَّ أن هنا { أولئك جزاؤهم } أي : جزاء كفرهم ، وهناك { أولئك عليهم لعنة الله } [ البقرة : 161 ] ، لأن هناك جاء الإخبار عن من مات كافراً ، فلذلك تحتمت اللعنة عليهم ، وهنا ليس كذلك ، ألا ترى إلى سبب النزول ؟ وأن أكثر الأقوال إنها نزلت في قوم ارتدوا ثم راجعوا الإسلام ؟ ولذلك جاء الاستثناء وهو قوله : { إلاَّ الذين تابوا من بعد ذلك } وهو استثناء متصل ، ولذلك قال { من بعد ذلك } أي : من بعد ذلك الكفر العظيم . { وأصلحوا } أي : ما أفسدوا ، أو : دخلوا في الصلاح ، كما تقول : أمسى زيد أي : دخل في المساء وقيل : معنى أصلحوا أظهروا أنهم كانوا على ضلال ، وتقدم تفسير هذه اللفظة في البقرة في قوله { إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا } [ البقرة : 160 ] . { فإن الله غفور رحيم } غفور أي لكفرهم ، رحيم لقبول توبتهم ، وهما صيغتا مبالغة دالتان على سعة رحمته . { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون } نزلت في اليهود ، كفروا بعيسى وبالإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم ، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته ، قاله قتادة ، والحسن وقيل : في اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته ، وإقرارهم أنها في التوراة ، ثم ازدادوا كفراً بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم من الافتراء والبهت والسعى على الاسلام ، قاله أبو العالية . أو : معنى : ثم ازدادوا كفراً ، تموا على كفرهم وبلغوا الموت به ، فيدخل فيه اليهود والمرتدون ، قاله مجاهد ، وقال نحوه السدي وقيل : نزلت فيمن مات على الكفر من أصحاب الحارث بن سويد ، فإنهم قالوا : نقيم ببكة ونتربص بمحمد صلى الله عليه وسلم ريب المنون ، قاله الكلبي . ويفسر بهذه الأقوال معنى ازدياد الكفر ، وهو بحسب متعلقاته ، إذ الإيمان والكفر في التحقيق لا يزدادان ولا ينقصان ، وإنما تحصل الزيادة والنقصان للمتعلقات ، فينسب ذلك إليهما على سبيل المجاز . وازدادوا افتعلوا من الزيادة ، وانتصاب : كفراً ، على التمييز المنقول من الفاعل ، المعنى : ثم ازداد كفرهم ، والدال الأولى بدل من تاء الافتعال . ويحتمل قوله { لن تقبل توبتهم } وجهين : أحدهما : أنه تكون منهم توبة ولا تقبل ، وقد علم أن توبة كل كافر تقبل سواء كفر بعد إيمان وازداد كفراً ، أم كان كافراً أول مرة . فاحتيج في ذلك إلى تخصيص ، فقال الحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، والسدي : نفي توبتهم مختص بالحشرجة والغرغرة والمعاينة قال النحاس : وهذا قول حسن ، كقوله : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات } [ النساء : 18 ] الآية . وقال أبو العالية : لن تقبل توبتهم من الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : لن تقبل توبتهم لأنها توبة غير خالصة ، إذ هم مرتدون ، وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم وفي ضمائرهم الكفر وقال مجاهد : لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر وقيل : لن تقبل توبتهم التي تابوها قبل أن كفروا ، لأن الكفر قد أحبطها . وقيل : لن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفر إلى كفر ، وإنما تقبل إذا تابوا إلى الاسلام . وفاصل هذا التخصيص أنه تخصيص بالزمان ، أو بوصف في التوبة . والوجه الثاني : أن يكون المعنى : لا توبة لهم فتقبل ، فنفى القبول ، والمراد نفي التوبة فيكون من باب قوله . @ على لا حبٍ لا يهتدي لمناره @@ أي : لا منار له فيهتدى به ، ويكون ذلك في قوم بأعيانهم ، حتم الله عليهم بالكفر أي : ليست لهم توبة فهم لا محالة يموتون على الكفر . وقد أشار إلى هذا المعنى الزمخشري ، وابن عطية . ولم تدخل : الفاء ، في : لن تقبل ، هنا ، ودخلت في : فلن تقبل ، لأن الفاء مؤذنة بالإستحقاق بالوصف السابق ، وهناك قال : وماتوا وهم كفار وهنا لم يصرح بهذا القيد . وقال الزمخشري : فإن قلت فحين كان معنى : { لن تقبل توبتهم } بمعنى الموت على الكفر فهلا جعل الموت على الكفر مسبباً عن ارتدادهم وازديادهم الكفر لما في ذلك من قساوة القلوب ، وركوب الرين ، وجره إلى الموت على الكفر ؟ . قلت لأنه : كم من مرتدٍ ازداد الكفر يرجع إلى الإسلام ولا يموت على الكفر ؟ . فإن قلت : فأي فائدة في هذه الكناية : أعني : إن كنى عن الموت على الكفر بامتناع قبول التوبة ؟ . قلت الفائدة فيها جليلة ، وهي التغليظ في شأن أولئك الفريق من الكفار ، وإبراز حالهم في صورة حال الآيسين من الرحمة التي هي أغلظ الأحوال ، وأشدّها . ألا ترى أن الموت على الكفر إنما يخاف من أجل اليأس من الرحمة ؟ انتهى كلامه . وقرأ عكرمة : لن تقبل ، بالنون ، توبتهم ، بالنصب ، والضالون المخطئون طريق الحق والنجاة في الآخرة ، أو : الها لكون ، من : ضل اللبن في الماء إذا صار هالكاً . والواو في : وأولئك ، للعطف إما على خبر إن ، فتكون الجملة في موضع رفع ، وإما على الجملة من : إن ومطلوبيها ، فلا يكون لها موضع من الاعراب . وذكر الراغب قولاً : إن الواو في : وأولئك ، واو الحال ، والمعنى : لن تقبل توبتهم من الذنوب في حال أنهم ضالون ، فالتوبة والضلال متنافيان لا يجتمعان . انتهى هذا القول . وينبوعن هذا المعنى هذا التركيب ، إذ لو أريد هذا المعنى لم يؤت باسم الإشارة ، ويجوز في : هم ، الفصل ، والابتداء ، والبدل . { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } قرأ عكرمة : فلن نقبل ، بالنون و : ملء ، بالنصب . وقرىء : فلن يقبل بالياء مبنياً للفاعل ، أي فلن يقبل الله . و : ملء ، بالنصب . وقرأ أبو جعفر ، وأبو السمال : مل الأرض ، بدون همز . ورويت عن نافع ، ووجهه أنه نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبل ، وهو اللام ، وحذفت الهمزة ، وهو قياس في كل ما كان نحو هذا ، وأتى بلفظ : أحدهم ، ولم يأت بلفظ : منهم ، لأن ذلك أبلغ وأنص في المقصود ، إذ كان : منهم ، يحتمل أن يكون يفيد الجميع . وانتصاب : ذهباً ، على التمييز ، وفي ناصب التمييز خلاف ، وسماه الفراء : تفسيراً ، لأن المقدار معلوم ، والمقدّر به مجمل . وقال الكسائي : نصب على إضمار : من ، أي : من ذهب ، كقوله : { أو عدل ذلك صياماً } [ المائدة : 95 ] أي : من صيام . وقرأ الأعمش : ذهب ، بالرفع . قال الزمخشري : ردّ على : ملء ، كما يقال عندي عشرون نفساً رجال . انتهى . ويعني بالردّ : البدل ، ويكون من بدل النكرة من المعرفة ، لأن : ملء الأرض ، معرفة ولذلك ضبط الحذاق قوله : لك الحمد ملء السموات والأرض بالرفع على بالصفة للحمد ، واستضعفوا نصبه على الحال لكونه معرفة . { ولو افتدى به } قرأ ابن أبي عبلة : لو افتدى به ، دون واو ، و : لو ، هنا هي بمعنى : إن ، الشرطية لا : لو ، التي هي لما كان سيقع لوقوع غيره ، لأن : لو ، هنا معلقة بالمستقبل ، وهو : فلن يقبل ، وتلك معلقة بالماضي . فأما قراءة ابن أبي عبلة فإنه جعل الافتداء شرطاً في عدم القبول فلم يتعمم نفي وجود القبول ، وأما قراءة الجمهور بالواو ، فقيل : الواو زائدة ، وهو ضعيف ، ويكون المعنى إذ ذاك معنى قراءة ابن أبي عبلة . وقيل : ليست بزائدة . قال الزمخشري : فإن قلت : كيف موقع قوله { لو افتدى به } ؟ قلت : هو كلام محمول على المعنى ، كأنه قيل : فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً . انتهى . وهذا المعنى ينبو عنه هذا التركيب ولا يحتمله ، والذي يقتضيه هذا التركيب ، وينبغي أن يحمل عليه ، أن الله تعالى أخبر أن من مات كافراً لا يقبل منه ما يملأ الأرض من ذهب على كل حال يقصدها ، ولو في حالة الافتداء به من العذاب ، لأن حالة الافتداء هي حال لا يمتن فيها المفتدي على المفتدي منه ، إذ هي حالة قهر من المفتدى منه للمفتدي ، وقد قررنا في نحو هذا التركيب أن : لو ، تأتي منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء ، وما بعدها جاء تنصيصاً على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها ، كقوله : " أعطوا السائل ولو جاء على فرس وردوا السائل ولو بظلف محرق " كأن هذه الأشياء مما كان لا ينبغي أن يؤتى بها ، لأن كون السائل على فرس يشعر بغناه فلا يناسب أن يعطى ، وكذلك الظلف المحرق لا غنى فيه ، فكأن يناسب أن لا يرد السائل به ، وكذلك حالة الفداء : يناسب أن يقبل منه ملء الأرض ذهباً ، لكنه لا يقبل . ونظيره قوله تعالى : { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين } [ يوسف : 17 ] لأنهم نفوا أن يصدقهم على كل حال ، حتى في حالة صدقهم ، وهي الحالة التي ينبغي أن يصدقوا فيها . فلفظ : ولو ، هنا لتعميم النفي والتأكيد له . وقد ذكرنا فائدة مجيئها . وذهب الزجاج إلى أن المعنى : لن يقبل من أحدهم إنفاقه وتقرباته في الدنيا ، ولو أنفق ملء الأرض ذهباً ، ولو افتدى أيضاً به في الآخرة لم يقبل منه . قال : فأعلم الله أنه لا يثيبهم على أعمالهم من الخير ، ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب . قال ابن عطية : وهذا قول حسن . انتهى . وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد : فلن يقبل من أحدهم ملء الأض ذهباً كان قد تصدّق به ، ولو افتدى به أيضاً لم يقبل منه . انتهى . وهذا معنى قول الزجاج ، إلاَّ أنه لم يقيد الافتداء بالآخرة . وحكى صاحب ( ري الظمآن ) وغيره عن الزجاج أنه قال : معنى الآية : لو افتدى به في الدنيا مع إقامته على الكفر لن يقبل منه ، والذي يظهر أن انتفاء القبول ، ولو على سبيل الفدية ، إنما يكون ذلك في الآخرة . وبينه ما ثبت في ( صحيح ) البخاري من حديث أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحاسب الكافر يوم القيامة ، فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به ؟ فيقول : نعم ، فيقال له : قد كنت سئلت أيسر من ذلك " وهذا الحديث يبين أن قوله : { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به } هو على سبيل الفرض والتقدير أي : لو أن الكافر قدر على أعز الأشياء ، ثم قدر على بذله ، لعجز أن يتوسل بذلك إلى تخليص نفسه من عذاب الله . والمعنى : أنهم آيسون من تخليص أنفسهم من العذاب . فهو نظير { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً } [ الزمر : 47 ] ونظير { يود المجرم لو يفتدى } [ المعارج : 11 ] الآيتين ، وعلى هذا يبعد ما قاله الزجاج من أن يكون المعنى : أنهم لو أنفقوا في الدنيا ملء الأرض ذهباً لم يقبل ذلك ، لأن الطاعة مع الكفر لا تكون مقبولة . وافتدى : افتعل من الفدية . قيل : وهو بمعنى فعل ، كشوى واشتوى ، ومفعوله محذوف ، ويحتاج في تعدية افتدى إلى سماع من العرب ، والضمير في : به ، عائد على : ملء الأرض ، وهو : مقدار ما يملؤها ، ويوجد في بعض التفاسير أنه عائد على : الملء ، أو : على الذهب . فقيل : على الذهب غلط . وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد : ولو افتدى بمثله ، لقوله : { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه } [ الزمر : 47 ] والمثل يحذف كثيراً في كلامهم ، كقولك : ضربت ضرب زيد ، تريد : مثل ضربه ، وأبو يوسف أبو حنيفة ، تريد : مثله . @ و@ لا هيثم الليلة للمطي @@ @@ و : قضية ولا أبا حسن لها تريد : ولا هيثم ، و : لا مثل أبي حسن ، كما أنه يراد في نحو قولهم : مثلك لا يفعل كذا ، تريد : أنت : وذلك أن المثلين يسد أحدهما مسد الآخر ، فكانا في حكم شيء واحد . انتهى كلامه . ولا حاجة إلى تقدير : مثل ، في قوله { ولو افتدى به } وكان الزمخشري تخيل أن ما نفي أن يقبل لا يمكن أن يفتدى به ، فاحتاج إلى إضمار : مثل ، حتى يغاير بين ما نفي قبوله وبين ما يفتدى به ، وليس كذلك ، لأن ذلك كما ذكرناه هو على سبيل الفرض ، والتقدير : إذ لا يمكن عادة أن أحداً يملك ملء الأرض ذهباً بحيث لو بذله على أي جهة بذله لم يقبل منه ، بل لو كان ذلك ممكناً لم يحتج إلى تقدير مثل ، لأنه نفي قبوله حتى في حالة الافتداء ، وليس ما قدر في الآية نظير ما مثل به ، لأن هذا التقدير لا يحتاج إليه ، ولا معنى له ، ولا في اللفظ ولا المعنى ما يدل عليه ، فلا يقدر . وأما فيما مثل به من : ضربت ضرب زيد ، وأبو يوسف أبو حنيفة ، فبضرورة العقل نعلم أنه لا بد من تقدير : مثل ، إذ ضربك يستحيل أن يكون ضرب زيد ، وذات أبي يوسف يستحيل أن تكون ذات أبي حنيفة . وأما : لا هيثم الليلة للمطي يدل على حذف : مثل ما تقرر في اللغة العربية أن : لا ، التي لنفي الجنس لا تدخل على الأعلام فتؤثر فيها ، فاحتاج إلى إضمار : مثل ، لتبقى على ما تقرر فيها ، إذ تقرر أنها لا تعمل إلاَّ فى الجنس ، لأن العلمية تنافي عموم الجنس . وأما قوله : كما أن يزاد في : مثلك لا يفعل كذا ، تريد ، أنت ، فهذا قول قد قيل ، ولكن المختار عند حذاق النحويين أن الأسماء لا تزاد ، ولتقرير أن مثلك لا يفعل كذا ، ليست فيه مثل زائدة مكان غير هذا . { أولئك لهم عذاب أليم } هذا إخبار ثان عمن مات وهو كافر ، لما بيَّن تعالى في الإخبار الأول أنه لا يقبل منه شيء حتى يخلص به نفسه ، بيَّن في هذا الإخبار ما له من العذاب الموصوف بالمبالغة في الآلام له ، إذ الافتداء ، وبذل الأموال إنما يكون لما يلحق المفتدي من الآلام حتى يبذل في الخلاص من ذلك أعز الأشياء . كما قال : { يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه } [ المعارج : 11 ] الآية ، وارتفاع : عذاب ، على أنه فاعل بالجار والمجرور قبله ، لأنه قد اعتمد على أولئك ، لكونه خبراً عنه ويجوز ارتفاعه على الإبتداء . { وما لهم من ناصرين } تقدم تفسير مثل هذه الجملة ، وهذا إخبار ثالث لما بيَّن أنه لا خلاص له من العذاب ببذل المال ، بيَّن أيضاً أنه لا خلاص له منه بسبب النصرة ، واندرج فيها النصرة بالمغالبة ، والنصرة بالشفاعة . وتضمنت هذه الآية من أصناف البديع : الطباق : في قوله : طوعا وكرها . وفي : كفروا بعد إيمانهم في موضعين . والتكرار : في : يهدي ولا يهدي . وفي : كفروا بعد إيمانهم . والتجنيس المغاير : في كفروا وكفروا . والتأكيد : بلفظ : هم ، في قوله : وأولئك هم الضالون . قيل : والتشبيه في : ثم ازدادوا كفراً ، شبه تماديهم على كفرهم وإجرامهم بالاجرام التي يزاد بعضها على بعض ، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس . والعدول من مفعل إلى فعيل ، في : عذاب أليم ، لما في : فعيل ، من المبالغة . والحذف في مواضع .