Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 173-176)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله } أي لا يبخس أحداً قليلاً ولا كثيراً ، والزيادة يحتمل أن يكون في أن الحسنة بعشر إلى سبعمائة ، والتضعيف الذي ليس بمحصور في قوله : { والله يضاعف لمن يشاء } [ البقرة : 261 ] قال معناه ابن عطية رحمه الله تعالى . { وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً أليماً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً } هذا وعيد شديد للذين يتركون عبادة الله أنفة تكبراً . وقال ابن عطية : وهذا الاستنكاف إنما يكون من الكفار عن اتباع الأنبياء وما جرى مجراه كفعل حيـي بن أخطب وأخيه أبي ياسر وأبي جهل وغيرهم بالرسول ، فإذا فرضت أحداً من البشر عرف الله فمحال أن تجده يكفر به تكبراً عليه ، والعناد إنما يسوق إليه الاستكبار على البشر ، ومع تفاوت المنازل في ظن المستكبر انتهى . وقدّم ذكر ثواب المؤمن لأنّ الإحسان إليه مما يعم المستنكف إذا كان داخلاً في جملة التنكيل به ، فكأنه قيل : ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب بالحشر إذا رأى أجور العاملين ، وبما يصيبه من عذاب الله تعالى . { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً } الجمهور على أنّ البرهان هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وسماه برهاناً لأنّ منه البرهان ، وهو المعجزة . وقال مجاهد : البرهان هنا الحجة ، وقيل : البرهان الإسلام ، والنور المبين هو القرآن . { فأمّا الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً } الظاهر أنّ الضمير في به عائد على لقربه وصحة المعنى ، ولقوله : واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله . ويحتمل أن يعود على القرآن الذي عبر عنه بقوله : وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً وفي الحديث : " القرآن حبل الله المتين من تمسك به عصم " والرحمة والفضل : الجنة . وقال الزمخشري : في رحمة منه وفضل في ثواب مستحق وتفضل انتهى . ولفظ مستحق من ألفاظ المعتزلة . وقيل : الرحمة زيادة ترقية ، ورفع درجات . وقيل : الرحمة التوفيق ، والفضل القبول . والضمير في إليه عائد على الفضل ، وهي هداية طريق الجنان كما قال تعالى : { سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم } [ محمد : 5 - 6 ] لأن هداية الإرشاد قد تقدّمت وتحصلت حين آمنوا بالله واعتصموا ، وعلى هذا الصراط طريق الجنة . وقال الزمخشري : ويهديهم إلى عبادته ، فجعل الضمير عائداً على الله تعالى وذلك على حذف مضاف وهذا هو الظاهر ، لأنه المحدث عنه ، وفي رحمة منه وفضل ليس محدثاً عنهما . قال أبو علي : هي راجعة إلى ما تقدم من اسم الله تعالى ، والمعنى : ويهديهم إلى صراطه ، فإذا جعلنا صراطاً مستقيماً نصباً على الحال كانت الحال من هذا المحذوف انتهى . ويعني : دين الإسلام . وقيل : الهاء عائدة على الرحمة والفضل لأنهما في معنى الثواب . وقيل : هي عائدة على القرآن . وقيل : معنى صراطاً مستقيماً عملاً صالحاً . { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } قال البراء بن عازب : هي آخر آية نزلت . وقال كثير من الصحابة ، من آخر ما نزل . وقال جابر بن عبد الله : نزلت بسبب عادني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مريض فقلت : يا رسول الله كيف أقضي في مالي وكان لي تسع أخوات ولم يكن لي ولد ولا والد ؟ فنزلت . وقيل : إنّ جابراً أتاه في طريق مكة عام حجة الوداع فقال : إن لي أختاً ، فكم آخذ من ميراثها إن ماتت ، فنزلت . وتقدّم الكلام في لفظ الكلالة اشتقاقاً ومدلولاً وكان أمرها أمراً مشكلاً ، روي عنه في أخبارها روايات ، وفي حديثه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " يكفيك آية الصيف التي نزلت في آخر سورة النساء " وقد روى أبو سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " التي أنزلت في الصيف هي { وإن كان رجل يورث كلاله } " والظاهر أنها { يستفتونك } لأن البراء قال : هي آخر آية نزلت . قال ابن عطية : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يكفيك منها آية الصيف بيان فيه كفاية وجلاء . ولا أدري ما الذي أشكل منها على الفاروق رضوان الله عليه اللهم إلا أن يكون دلالة اللفظ اضطربت على كثير من الناس ، ولذلك قال بعضهم : الكلالة الميت نفسه . وقال آخرون : الكلالة المال إلى غير ذلك من الخلاف انتهى كلامه . وقد ختمت هذه السورة بهذه الآية كما بدئت أولاً بأحكام الأموال في الإرث وغيره ، ليتشاكل المبدأ والمقطع ، وكثيراً ما وقع ذلك في السور . روى عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال في خطبته : « ألا إنّ آية أول سورة النساء أنزلها الله في الولد والوالد ، والآية الثانية أنزلها الله في الزوج والزوجة والأخوة من الأم ، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولى الأرحام » في الكلالة متعلق بيفتيكم على طريق أعمال الثاني . { وإن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } المراد بالولد الابن ، وهو اسم مشترك يجوز استعماله للذكر والأنثى ، لأن الابن يسقط الأخت ، ولا تسقطها البنت إلا في مذهب ابن عباس . والمراد بالأخت الشقيقة ، أو التي لأب دون التي لأم ، لأن الله فرض لها النصف ، وجعل أخاها عصبة . وقال : للذكر مثل حظ الأنثيين . وأما الأخت للأم فلها السدس في آية المواريث ، سوى بينها وبين أخيها . وارتفع امرؤ على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده ، والجملة من قوله : ليس له ولد ، في موضع الصفة لامرؤ ، أي : إنْ هلك امرؤ غير ذي ولد . وفيه دليل على جواز الفصل بين النعت والمنعوت بالجملة المفسرة في باب الاشتغال ، فعلى هذا القول زيداً ضربته العاقل . وكلما جاز الفصل بالخبر جاز بالمفسر ، ومنع الزمخشري أن يكون قوله : ليس له ولد ، جملة حالية من الضمير في هلك ، فقال : ومحل ليس له ولد الرفع على الصفة ، لا النصب على الحال . وأجاز أبو البقاء فقال : ليس له ولد الجملة في موضع الحال من الضمير في هلك ، وله أخت جملة حالية أيضاً . والذي يقتضيه النظر أنّ ذلك ممتنع ، وذلك أنّ المسند إليه حقيقة إنما هو الاسم الظاهر المعمول للفعل المحذوف ، فهو الذي ينبغي أن يكون التقييد له ، أما الضمير فإنه في جملة مفسرة لا موضع لها من الإعراب ، فصارت كالمؤكدة لما سبق . وإذا تجاذب الاتباع والتقييد مؤكد أو مؤكد بالحكم ، إنما هو للمؤكد ، إذ هو معتمد الإسناد الأصلي . فعلى هذا لو قلت : ضربت زيداً ضربت زيداً العاقل ، انبغى أن يكون العاقل نعتاً لزيد في الجملة الأولى ، لا لزيد في الجملة الثانية ، لأنها جملة مؤكدة للجملة الأولى . والمقصود بالإسناد إنما هو الجملة الأولى لا الثانية . قيل : وثم معطوف محذوف للاختصار ، ودلالة الكلام عليه . والتقدير : ليس له ولد ولا والد . { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } أي إنْ قدّر الأمر على العكس من موتها وبقائه بعدها . والمراد بالولد هنا الابن ، لأن الابن يسقط الأخ دون البنت . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : الابن لا يسقط الأخ وحده ، فإن الأب نظيره في الإسقاط ، فلم اقتصر على نفي الولد ؟ ( قلت ) : وكل حكم انتفاء الوالد إلى بيان السنة وهو قوله عليه السلام : " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي عصبة " ذكر الأب أولى من الأخ ، وليسا بأول حكمين بين أحدهما بالكتاب والآخر بالسنة . ويجوز أن يدل بحكم انتفاء الولد على حكم انتفاء الوالد ، لأنّ الولد أقرب إلى الميت من الوالد . فإذا ورث الأخ عند انتفاء الأقرب ، فأولى أن يرث عند انتفاء الأبعد ، ولأن الكلالة تتناول انتفاء الوالد والولد جميعاً ، فكان ذكر انتفاء أحدهما دالاً على انتفاء الآخر انتهى كلامه . والضمير في قوله : وهو وفي يرثها عائد إلى ما تقدم لفظاً دون معنى ، فهو من باب عندي درهم ونصفه ، لأن الهالك لا يرث ، والحية لا تورث ، ونظيره في القرآن : { وما يعمَّر من معمر ولا ينقص من عمره } [ فاطر : 11 ] وهذه الجملة مستقلة لا موضع لها من الإعراب ، وهي دليل جواب الشرط الذي بعدها . { فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } قالوا : الضمير في كانتا ضمير أختين دل على ذلك قوله : وله أخت . وقد تقرر في علم العربية أن الخبر يفيد ما لا يفيده الاسم . وقد منع أبو عليّ وغيره سيد الجارية مالكها ، لأن الخبر أفاد ما أفاده المبتدأ . والألف في كانتا تفيد التثنية كما أفاده الخبر ، وهو قوله اثنتين . وأجاب الأخفش وغيره بأن قوله : اثنتين يدل على عدم التقييد بالصغر أو الكبر أو غيرهما من الأوصاف ، فاستحق الثلثان بالاثنينية مجردة عن القيود ، فلهذا كان مفيداً وهذا الذي قالوه ليس بشيء ، لأن الألف في الضمير للاثنتين يدل أيضاً على مجرد الاثنينية من غير اعتبار قيد ، فصار مدلول الألف ومدلول اثنتين سواء ، وصار المعنى : فإن كانتا الأختان اثنتين ، ومعلوم أنّ الأختين اثنتان . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : إلى مَن يرجع ضمير التثنية والجمع في قوله : فإن كانتا اثنتين ، وإن كانوا أخوة ؟ ( قلت ) : أصله فإن كان من يرث بالأخوة اثنتين ، وإن كان من يرث بالأخوة ذكوراً وإناثاً . وإنما قيل : فإن كانتا ، وإن كانوا . كما قيل : من كانت أمك ، فكما أنث ضمير من لمكان تأنيث الخبر ، كذلك ثنى ، وجمع ضمير من يرث في كانتا وكانوا ، لمكان تثنية الخبر وجمعه انتهى . وهو تابع في هذا التخريج غيره ، وهو تخريج لا يصح ، وليس نظير من كانت أمك ، لأنَّ مَن صرّح بها ولها لفظ ومعنى . فمَن أنّث راعى المعنى ، لأن التقدير : أية أم كانت أمك . ومدلول الخبر في هذا مخالف لمدلول الاسم ، بخلاف الآية ، فإنّ المدلولين واحد ، . ولم يؤنث في مَن كانت أمك لتأنيث الخبر ، إنّما أنث مراعاة لمعنى من إذ أراد بها مؤنثاً . ألا ترى إنك تقول : من قامت فتؤنث مراعاة للمعنى إذا أردت السؤال عن مؤنث ، ولا خبر هنا فيؤنث قامت لأجله . والذي يظهر لي في تخريج الآية غير ما ذكر . وذلك وجهان : أحدهما : إنّ الضمير في كانتا لا يعود على أختين ، إنما هو يعود على الوارثتين ، ويكون ثم صفة محذوفة ، واثنتين بصفته هو الخبر ، والتقدير : فإن كانت الوارثتان اثنتين من الأخوات فلهما الثلثان مما ترك ، فيفيد إذ ذاك الخبر ما لا يفيد الاسم ، وحذف الصفة لفهم المعنى جائز . والوجه الثاني : أن يكون الضمير عائداً على الأختين كما ذكروا ، ويكون خبر كان محذوفاً لدلالة المعنى عليه ، وإن كان حذفه قليلاً ، ويكون اثنتين حالاً مؤكدة والتقدير : فإن كانت أختان له أي للمرء الهالك . ويدل على حذف الخبر الذي هو له وله أخت ، فكأنه قيل : فإن كانت أختان له ، ونظيره أن تقول : إن كان لزيد أخ فحكمه كذا ، وإن كان أخوان فحكمهما كذا . تريد وإن كان أخوان له . { وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } يعني أنهم يحوزون المال على ما تقرر في أرث الأولاد من أنّ للذكر مثل حظ الأنثيين . والضمير في كانوا إنْ عاد على الأخوة فقد أفاد الخبر بالتفصيل المحتوي على الرجال والنساء ، ما لم يفده الاسم ، لأن الاسم ظاهر في الذكور . وإن عاد على الوارث فظهرت إفادة الخبر ما لا يفيد المبتدأ ظهوراً واضحاً . والمراد بقوله : أخوة الإخوة والأخوات ، وغلب حكم المذكر . وقرأ ابن أبي عبلة : فإن للذكر مثل حظ الأنثيين . { يبين الله لكم أن تضلوا } أنْ تضلوا مفعول من أجله ، ومفعول يبين محذوف أي : يبين لكم الحق . فقدره البصري والمبرد وغيره : كراهة أن تضلوا . وقرأ الكوفي ، والفراء ، والكسائي ، وتبعهم الزجاج : لأن لا تضلوا ، وحذف لا ومثله عندهم قول القطامي : @ رأينا ما رأى البصراء منا فآلينا عليها أن تباعا @@ أي أن لا تباعا ، وحكى أبو عبيدة قال : حدثت الكسائي بحديث رواه ابن عمر فيه : " لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله إجابة " فاستحسنه أي لئلا يوافق . وقال الزجاج هو مثل قوله إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا أي لأن لا تزولا ورجح أبو عليّ قول المبرد بأن قال حذف المضاف أسوغ وأشبع من حذف لا . وقيل أن تضلوا مفعول به أي يبين الله لكم الضلالة أن تضلوا فيها . { والله بكل شيء عليم } يعلم مصالح العباد في المبدأ والمعاد ، وفيما كلفهم به من الأحكام . وقال أبو عبد الله الرازي : في هذه السورة لطيفة عجيبة وهي أنّ أولها مشتمل على كمال تنزه الله تعالى وسعة قدرته ، وآخرها مشتمل على بيان كمال العلم ، وهذان الوصفان بهما تثبت الربوبية والإلهية والجلال والعزة ، وبهما يجب أن يكون العبد منقاداً للتكاليف . وتضمنت هذه الآيات أنواعاً من الفصاحة والبيان والبديع . فمن ذلك الطباق في : حرمنا وأحلت ، وفي : فآمنوا وإن تكفروا . والتكرار في : وما قتلوه ، وفي : وأوحينا ، وفي : ورسلاً ، وفي : يشهد ويشهدون ، وفي : كفروا ، وفي : مريم ، وفي : اسم الله . والالتفات في : فسوف نؤتيهم ، وفي : فسنحشرهم وما بعد ما في قراءة من قرأ بالنون . والتشبيه في : كما أوحينا . والاستعارة في : الراسخون وهي في الاجرام استعيرت للثبوت في العلم والتمكن فيه ، وفي : سبيل الله ، وفي : يشهد ، وفي : طريقاً ، وفي : لا تغلوا والغلو حقيقة في ارتفاع السعر ، وفي : وكيلاً استعير لإحاطة علم الله بهم ، وفي : فيوفيهم أجورهم استعير للمجازاة . والتجنيس المماثل في : يستفتونك ويفتيكم . والتفصيل في : فأما الذين آمنوا وأما الذين استنكفوا . والحذف في عدّة مواضع .