Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 1-6)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سبع الحواميم مكيات ، قالوا بإجماع . وقيل : في بعض آيات هذه السور مدني . قال ابن عطية : وهو ضعيف . وفي الحديث : " أن الحواميم ديباج القرآن " وفيه : " من أراد أن يرتع في رياض مونقة من الجنة فليقرأ الحواميم " ، وفيه : " مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب " وهذه الحواميم مقصورة على المواغظ والزجر وطرق الآخرة وهي قصار لا تلحق فيها سآمة " . ومناسبة أول هذه السورة لآخر الزمر أنه تعالى لما ذكر ما يؤول إليه حال الكافرين وحال المؤمنين ، ذكر هنا أنه تعالى { غافر الذنب وقابل التوب } ، ليكون ذلك استدعاء للكافر إلى الإيمان ، وإلى الإقلاع عما هو فيه ، وأن باب التوبة مفتوح . وذكر شدة عقابه وصيرورة العالم كلهم فيه ليرتدع عما هو فيه ، وأن رجوعه إلى ربه فيجازيه بما يعمل من خير أو شر . وقرىء : بفتح الحاء ، اختيار أبي القاسم بن جبارة الهذلي ، صاحب كتاب : ( الكامل في القرآن ) ، وأبو السمال : بكسرها على أصل التقاء الساكنين ، وابن أبي إسحاق وعيسى : بفتحها ، وخرج على أنها حركة التقاء الساكنين ، وكانت فتحة طلباً للخفة كأين ، وحركة إعراب على انتصابها بفعل مقدر تقديره : اقرأ حم . وفي الحديث : " أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حم ما هو ؟ فقال : أسماء وفواتح سور " ، وقال شريح بن أبي أوفى العبسي : @ يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم @@ وقال الكميت : @ وجدنا لكم في آل حميم آية تأولها منا تقي ومعرب @@ أعربا حاميم ، ومنعت الصرف للعلمية ، أو العلمية وشبه العجمة ، لأن فاعيل ليس من أوزان أبنية العرب ، وإنما وجد ذلك في العجم ، نحو : قابيل وهابيل . وتقدم فيما روي في الحديث جمع حم على الحواميم ، كما جمع طس على الطواسين . وحكى صاحب زاد المسير عن شيخه ابن منصور اللغوي أنه قال : من الخطأ أن تقول : قرأت الحواميم ، وليس من كلام العرب ؛ والصواب أن يقول : قرأت آل حم . وفي حديث ابن مسعود : " إذا وقعت في آل حميم وقعت في روضات دمثات " انتهى . فإن صح من لفظ الرسول أنه قال : " الحواميم كان حجة على من منع ذلك " ، وإن كان نقل بالمعنى ، أمكن أن يكون من تحريف الأعاجم . ألا ترى لفظ ابن مسعود : " إذا وقعت في آل حميم " ، وقول الكميت : وجدنا لكم في آل حاميم ؟ وتقدم الكلام على هذه الحروف المقطعة في أول البقرة ، وقد زادوا في حاميم أقوالاً هنا ، وهي مروية عن السلف ، غنينا عن ذكرها ، لاضطرابها وعدم الدليل على صحة شيء منها . فإن كانت حم اسماً للسورة ، كانت في موضع رفع على الابتداء ، وإلا فتنزيل مبتدأ ، ومن الله الخبر ، أو خبر ابتداء ، أي هذا تنزيل ، ومن الله متعلق بتنزيل . و { العزيز العليم } : صفتان دالتان على المبالغة في القدرة والغلبة والعلم ، وهما من صفات الذات . وقال الزجاج : غافر وقابل صفتان ، وشديد بدل . انتهى . وإنما جعل غافر وقابل صفتين وإن كانا اسمي فاعل ، لأنه فهم من ذلك أنه لا يراد بهما التجدد ولا التقييد بزمان ، بل أريد بهما الاستمرار والثبوت ؛ وإضافتهما محضة فيعرف ، وصح أن يوصف بهما المعرفة ، وإنما أعرب { شديد العقاب } بدلاً ، لأنه من باب الصفة المشبهة ، ولا يتعرف بالأضافة إلى المعرفة ، وقد نص سيبويه على أن كل ما إضافته غير محضة ، إذا أضيف إلى معرفة ، جاز أن ينوي بإضافته التمحض ، فيتعرف وينعت به المعرفة ، إلا ما كان من باب الصفة المشبهة ، فإنه لا يتعرف . وحكى صاحب المقنع عن الكوفيين أنهم أجازوا في حسن الوجه وما أشبهه أن يكون صفة للمعرفة ، قال : وذلك خطأ عند البصريين ، لأن حسن الوجه نكرة ، وإذا أردت تعريفه أدخلت فيه أل . وقال أبو الحجاج الأعلم : لا يبعد أن يقصد بحسن الوجه التعريف ، لأن الإضافة لا تمنع منه . انتهى ، وهذا جنوح إلى مذهب الكوفيين . وقد جعل بعضهم { غافر الذنب } وما بعده أبدالاً ، اعتباراً بأنها لا تتعرف بالإضافة ، كأنه لاحظ في غافر وقابل زمان الاستقبال . وقيل : غافر وقابل لا يراد بهما المضي ، فهما يتعرفان بالإضافة ويكونان صفتين ، أي إن قضاءه بالغفران وقبول التوب هو في الدنيا . قال الزمخشري : جعل الزجاج { شديد العقاب } وحده بدلاً بين الصفات فيه نبو ظاهر ، والوجه أن يقال : لما صودف بين هذه المعارف هذه النكرة الواحدة ، فقد آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف ، ومثال ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على مستفعلن ، فهي محكوم عليها أنها من الرجز ، فإن وقع فيها جزء واحد على متفاعلن كانت من الكامل ، ولا نبو في ذلك ، لأن الجري على القواعد التي قد استقرت وصحت هو الأصل . وقوله : فقد آذنت بأن كلها أبدال تركيب غير عربي ، لأنه جعل فقد أذنت جواب لما ، وليس من كلامهم : لما قام زيد فقد قام عمرو ، وقوله : بأن كلها أبدال فيه تكرار الأبدال ، أما بدل البدل عند من أثبته فقد تكررت فيه الأبدال ، وأما بدل كل من كل ، وبدل بعض من كل ، وبدل اشتمال ، فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها ، أو منعه ، إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدل على أن البدل لا يكرر ، وذلك في قول الشاعر : @ فإلى ابن أم أناس ارحل ناقتي عمرو فتبلغ ناقتي أو تزحف ملك إذا نزل الوفود ببابه عرفوا موارد مزنه لا تنزف @@ قال : فملك بدل من عمرو ، بدل نكرة من معرفة ، قال : فإن قلت : لم لا يكون بدلاً من ابن أم أناس ؟ قلت : لأنه قد أبدل منه عمرو ، فلا يجوز أن يبدل منه مرة أخرى ، لأنه قد طرح . انتهى . فدل هذا على أن البدل لا يتكرر ، ويتحد المبدل منه ؛ ودل على أن البدل من البدل جائز ، وقوله : جاءت تفاعيلها ، هو جمع تفعال أو تفعول أو تفعول أو تفعيل ، وليس شيء من هذه الأوزان يكون معدولاً في آخر العروض ، بل أجزاؤها منحصرة ، ليس منها شيء من هذه الأوزان ، فصوابه أن يقول : جاءت أجزاؤها كلها على مستفعلن . وقال سيبويه أيضاً : ولقائل أن يقول هي صفات ، وإنما حذفت الألف واللام من شديد العقاب ليزاوج ما قبله وما بعده لفظاً ، فقد غيروا كثيراً من كلامهم عن قوانينه لأجل الازدواج ، حتى قالوا : ما يعرف سحادليه من عنادليه ، فثنوا ما هو وتر لأجل ما هو شفع . على أن الخليل قال في قولهم : لا يحسن بالرجل مثلك أن يفعل ذلك ، ويحسن بالرجل خير منك أن يفعل ، على نية الألف واللام ، كما كان الجماء الغفير على نية طرح الألف واللام . ومما يسهل ذلك أمن اللبس وجهالة الموصوف . انتهى . ولا ضرورة إلى اعتقاد حذف الألف واللام من شديد العقاب ، وترك ما هو أصل في النحو ، وتشبيه بنادر مغير عن القوانين من تثنية الوتر للشفع ، وينزه كتاب الله عن ذلك كله . وقال الزمخشري : ويجوز أن يقال قد تعمد تنكيره وإبهامه للدلالة على فرط الشدة ، وعلى ما لا شيء أدهى منه ، وأمر لزيادة الإنذار . ويجوز أن يقال هذه النكتة هي الداعية إلى اختيار البدل على الوصف إذا سلكت طريقة الإبدال . انتهى . وأجاز مكي في غافر وقابل البدل حملاً على أنهما نكرتان لاستقبالهما ، والوصف حملاً على أنهما معرفتان لمضيهما . وقال أبو عبد الله الرازي : لا تزاع في جعل غافر وقابل صفة ، وإنما كانا كذلك ، لأنهما يفيدان معنى الدوام والاستمرار ، وكذلك شديد العقاب تفيد ذلك ، لأن صفاته منزهة عن الحدوث والتجدد ، فمعناه : كونه بحيث شديد عقابه ، وهذا المعنى حاصل أبداً ، لا يوصف بأنه حصل بعد أن لم يكن . انتهى . وهذا كلام من لم يقف على علم النحو ، ولا نظر فيه ، ويلزمه أن يكون حكيم عليم من قوله : { من لدن حكيم عليم } [ النمل : 6 ] ، ومليك مقتدر من قوله : { عند مليك مقتدر } [ القمر : 55 ] ، معارف لتنزيه صفاته عن الحدوث والتجدد ، ولأنها صفات لم تحصل بعد أن لم تكن ، ويكون تعريف صفات بأل وتنكيرها سواء ، وهذا لا يذهب إليه مبتدىء في علم النحو ، فضلاً عمن صنف فيه ، وقدم على تفسير كتاب الله . وتلخص من هذا الكلام المطوّل أن غافر الذنب وما عطف عليه وشديد العقاب أوصاف ، لأن المعطوف على الوصف وصف ، والجميع معارف على ما تقرر أو أبدال ، لأن المعطوف على البدل بدل لتنكير الجميع . أو غافر وقابل وصفان ، وشديد بدل لمعرفة ذينك وتنكير شديد . وقال الزمخشري : فإن قلت : ما بال الواو في قوله : { وقابل التوب } ؟ قلت : فيها نكتة جليلة ، وهي إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين ، بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات ، وأن يجعلها محاءة للذنوب ، كأن لم يذنب ، كأنه قال : جامع المغفرة والقبول . انتهى . وما أكثر تلمح هذا الرجل وشقشقته ، والذي أفاد أن الواو للجمع ، وهذا معروف من ظاهر علم النحو . وقال صاحب الغنيان : وإنما عطف لاجتماعهما وتلازمهما وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر ، وقطع شديد العقاب عنهما فلم يعطف لانفراده . انتهى ، وهي نزغة اعتزالية . ومذهب أهل السنة جواز غفران الله للعاصي ، وإن لم يتب إلا الشرك . والتوب يحتمل أن يكون كالذنب ، اسم جنس ؛ ويحتمل أن يكون جمع توبة ، كبشر وبشرة ، وساع وساعة . والظاهر من قوله : { وقابل التوب } أن توبة العاصي بغير الكفر ، كتوبة العاصي بالكفر مقطوع بقبولها . وذكروا في القطع بقبول توبة العاصي قولين لاهل السنة . ولما ذكر تعالى شدة عقابه أردفه بما يطمع في رحمته ، وهو قوله : { ذي الطول } ، فجاء ذلك وعيداً اكتنفه وعدان . قال ابن عباس : الطول : السعة والغنى ؛ وقال قتادة : النعم ؛ وقال ابن زيد : القدرة ، وقوله : طوله ، تضعيف حسنات أوليائه وعفوه عن سيئاتهم . ولما ذكر جملة من صفاته العلا الذاتية والفعلية ، ذكر أنه المنفرد بالألوهية ، المرجوع إليه في الحشر ؛ ثم ذكر حال من جادل في الكتاب ، وأتبع بذكر الطائعين من ملائكته وصالحي عباده فقال : { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } ، وجدالهم فيها قولهم : مرة سحر ، ومرة شعر ، ومرة أساطير الأولين ، ومرة إنما يعلمه بشر ، فهو جدال بالباطل ، وقد دل على ذلك بقوله : { وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق } . وقال السدي : ما يجادل : أي ما يماري . وقال ابن سلام : ما يجحد . وقال أبو العالية : نزلت في الحرث بن قيس ، أحد المستهزئين . وأما ما يقع بين أهل العلم من النظر فيها ، واستيضاح معانيها ، واستنباط الأحكام والعقائد منها ، ومقارعة أهل البدع بها ، فذلك فيه الثواب الجزيل . ثم نهى السامع أن يغتر بتقلب هؤلاء الكفار في البلاد وتصرفاتهم فيها ، بما أمليت لهم من المساكن والمزارع والممالك والتجارات والمكاسب ، وكانت قريش تتجر في الشام والمين ؛ فإن ذلك وبال عليهم وسبب في إهلاكهم ، كما هلك من كان قبلهم من مكذبي الرسل . وقرأ الجمهور : { فلا يغررك } ، بالفك ، وهي لغة أهل الحجاز . وقرأ زيد بن علي : وعبيد بن عمير : فلا يغرك ، بالإدغام مفتوح الراء ، وهي لغة تميم . ولما كان جدال الكفار ناشئاً عن تكذيب ما جاء به الرسول ، عليه السلام ، من آيات الله ، ذكر من كذب قبلهم من الأمم السالفة ، وما صار إليه حالهم من حلول نقمات الله بهم ، ليرتدع بهم كفار من بعث الرسول ، عليه السلام ، إليهم ؛ فبدأ بقوم نوح ، إذ كان عليه السلام أول رسول في الأرض ، وعطف على قومه الأحزاب ، وهم الذين تحزبوا على الرسل . ولم يقبلوا ما جاءوا به من عند الله ، ومنهم : عاد وثمود وفرعون وأتباعه ، وقدم الهم بالأخذ على الجدال بالباطل ، لأن الرسل لما عصمهم الله منهم أن يقتلوهم رجعوا إلى الجدال بالباطل . وقرأ الجمهور : { برسولهم } ؛ وقرأ عبد الله : برسولها ، عاد الضمير إلى لفظ أمة . { ليأخذوه } : ليتمكنوا منه بحبس أو تعذيب أو قتل . وقال ابن عباس : ليأخذوه : ليملكوه ، وأنشد قطرب : @ فاما تأخذوني تقتلوني فكم من آخذ يهوى خلودي @@ ويقال للقتيل والأسير : أخيذ . وقال قتادة : { ليأخذوه } : ليقتلوه ، عبر عن المسبب بالسبب . { وجادلوا بالباطل } : أي بما هو مضمحل ذاهب لا ثبات له . وقيل : الباطل : الكفر . وقيل : الشيطان . وقيل : بقولهم : { ما أنتم إلا بشر مثلنا } [ يس : 15 ] . { ليدحضوا } : ليزلقوا ، { به الحق } : أي الثابت الصدق . { فأخذتهم } : فأهلكتهم . { فكيف كان عقاب } إياهم ، استفهام تعجيب من استئصالهم ، واستعظام لما حل بهم ، وليس استفهاماً عن كيفية عقابهم ، وكانوا يمرون على مساكنهم ويرون آثار نعمة الله فيهم ؛ واجتزأ بالكسر عن ياء الإضافة لأنها فاصلة ، والأصل عقابي . { وكذلك حقت } : أي مثل ذلك الوجوب من عقابهم وجب على الكفرة ، كونهم من أصحاب النار ، من تقدم منهم ومن تأخروا . { أنهم } : بدل من { كلمة ربك } ، فهي في موضع رفع ، ويجوز أن يكون التقدير لأنهم وحذف لام العلة . والمعنى : كما وجب إهلاك أولئك الأمم ، وجب إهلاك هؤلاء ، لأن الموجب لإهلاكهم وصف جامع لهم ، وهو كونهم من أصحاب النار . وفي مصحف عبد الله : وكذلك سبقت ، وهو تفسير معنى ، لا قراءة . وقرأ ابن هرمز ، وشيبة ، وابن القعقاع ، ونافع ، وابن عامر : كلمات على الجمع ؛ وأبو رجاء ، وقتادة ، وباقي السبعة : على الإفراد .