Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 74-89)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى حال أهل الجنة ، وما يقال لهم من لذائذ البشارة ، أعقب ذلك بذكر حال الكفرة ، وما يجاوبون به عند سؤالهم . وقرأ عبد الله : وهم فيها ، أي في جهنم ؛ والجمهور : وهم فيه أي في العذاب . وعن الضحاك : يجعل المجرم في تابوت من نار ، ثم يردم عليه ، فيبقى فيه خالداً لا يرى ولا يرى . { لا يفتر عنهم } : أي لا يخفف ولا ينقص ، من قولهم : فترت عنه الحمى ، إذا سكنت قليلاً ونقص حرها . والمبلس : الساكت اليائس من الخير . { وما ظلمناهم } : أي ما وضعنا العذاب فيمن لا يستحقه . { ولكن كانوا هم الظالمين } : أي الواضعين الكفر موضع الإيمان ، فظلموا بذلك أنفسهم . وقرأ الجمهور : والظالمين ، على أنهم فصل . وقرأ عبد الله ، وأبو زيد النحويان : الظالمون بالرفع ، على أنهم خبرهم ، وهم مبتدأ . وذكر أبو عمر والجرمي : أن لغة تميم جعل ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ ، ويرفعون ما بعده على الخبر . وقال أبو زيد : سمعتهم يقرأون : { تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً } [ المزمل : 20 ] يعني : برفع خير وأعظم . وقال قيس بن دريج : @ نحن إلى ليلى وأنت تركنها وكنت عليها بالملا أنت أقدر @@ قال سيبويه : إن رؤبة كان يقول : أظن زيداً هو خير منك ، يعني بالرفع . { ونادوا يا مالك } : تقدم أنهم مبلسون ، أي ساكتون ، وهذه أحوال لهم في أزمان متطاولة ، فلا تعارض بين سكوتهم وندائهم . وقرأ الجمهور : يا مالك . وقرأ عبد الله ، وعليّ ، وابن وثاب ، والأعمش : يا مال ، بالترخيم ، على لغة من ينتظر الحرف . وقرأ أبو السرار الغنوي : يا مال ، بالبناء على الضم ، جعل اسماً على حياله . واللام في : { ليقض } لام الطلب والرغبة . والمعنى : يمتنا مرة حتى لا يتكرر عذابنا ، كقوله : { فوكزه موسى فقضى عليه } [ القصص : 15 ] ، أي أماته . { قال } : أي مالك ، { إنكم ماكثون } : أي مقيمون في النار لا تبرحون . وقال ابن عباس : يجيبهم بعد مضي ألف سنة ، وقال نوف : بعد مائة ، وقيل : ثمانين ، وقال عبد الله بن عمرو : أربعين . { لقد جئناكم بالحق } : يظهر أنه من كلام الله تعالى . وقيل : من كلام بعض الملائكة ، كما يقول أحد خدم الرئيس : أعلمناكم وفعلنا بكم . قيل : ويحتمل أن يكون { لقد جئناكم } من قول الله لقريش بعقب حكاية أمر الكفار مع مالك ، وفي هذا توعد وتخويف بمعنى : انظروا كيف يكون حالكم . { أم أبرموا } : والضمير لقريش ، أي بل أحكموا أمراً من كيدهم للرسول ومكرهم ، { فإنا مبرمون } كيدنا ، كما أبرموا كيدهم ، كقوله : { أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون } [ الطور : 42 ] ، وكانوا يتناجون ويتسارعون في أمر الرسول ، فقال تعالى : { أم يحسبون أنا لا نسمع سرّهم } ، وهو ما يحدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال . { ونجواهم } : وهي ما تكلموا به فيما بينهم . { بلى } : أي نسمعها ، { رسلنا } ، وهم الحفظة . { قل إن كان للرحمن ولد } ، كما تقولون ، { فأنا أول } من يعبده على ذلك ، ولكن ليس له شيء من ذلك . وأخذ الزمخشري هذا القول وحسنه بفصاحته فقال : إن كان للرحمن ولد ، وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح يوردونه ، وحجة واضحة يبذلونها ، فأنا أول من يعظم ذلك الولد ، وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له ، كما يعظم الرجل ولد الملك لعظم أبيه . وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض ، وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه ، وأن لا يترك الناطق به شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد ، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد ، وهي محال في نفسها ، فكان المعلق بها محالاً مثلها . فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة ، وفي معنى نفيها على أبلغ الوجوه وأقواها . ثم قال الزمخشري : ونظيره أن يقول العدلي للمجبر . ثم ذكر كلاماً يستحق عليه التأديب ، بل السيف ، نزهت كتابي عن ذكره . ثم قال : وقد تمحل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقلة بالتوحيد على أبلغ وجوهه ، فقيل : إن كان للرحمن ولد ، في زعمكم ، فأنا أول العابدين ، الموحدين لله ، المكذبين قولهم بإضافة الولد إليه . وقيل : إن كان للرحمن ولد ، فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد ، إذ اشتد أنفه فهو عبد وعابد . وقرأ بعضهم : عبدين ، وقيل : هي إن النافية ، أي ما كان للرحمن ولد ، فأنا أول من قال بذلك وعبد ووحد . وروي أن النضر بن عبد الدار بن قصي قال : أن الملائكة بنات الله ، فنزلت ، فقال النضر : ألا ترون أنه قد صدقني ؟ فقال له الوليد بن المغيرة : ما صدقك ، ولكن قال : ما كان للرحمن ولد ، فأنا أول الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له . انتهى . أما القول : إن كان لله ولد في زعمكم ، فهو قول مجاهد ، وأما القول : فأنا أول الآنفين ، فهو قول جماعة ، حكاه عنهم أبو حاتم ولم يسم أحداً منهم ، ويدل عليه قراءة السلمي واليماني : العبدين ، وقراءة ذكرها الخليل بن أحمد في كتابه العين : العبدين ، بإسكان الباء ، تخفيف العبدين بكسرها . وذكر صاحب اللوامح أنه جاء عن ابن عباس في معنى العابدين : أنه الآنفين انتهى . وقال ابن عرفة : يقال : عبد يعبد فهو عبد ، وقلما يقال : عابد . والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ ، ثم قال : كقول مجاهد . وقال الفرزدق : @ أولئك آبائي فجئني بمثلهم واعبد أن أهجوا كليباً بدارمي @@ أي : آنف وأستنكف . وقال آخر : @ متى ما يشا ذو الود يصرم خليله ويعبد عليه لا محالة ظالما @@ وأما القول بأن إن نافية ، فمروي عن ابن عباس ، والحسن ، والسدي ، وقتادة ، وابن زيد ، وزهير بن محمد ، وقال مكي : لا يجوز أن تكون إن بمعنى ما النافية ، لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آت ، وهذا محال . انتهى . ولا يلزم منه محال ، لأن كان قد تستعمل فيما يدوم ولا يزول ، كقولك : { وكان الله غفوراً رحيماً } [ النساء : 96 ] ، أي لم يزل ، فالمعنى : ما كان وما يكون . وقال أبو حاتم : العبد ، بكسر الباء : الشديد الغضب . وقال أبو عبيدة : معناه أول الجاحدين . والعرب تقول : عبدني حقي ، أي جحدني . وقرأ ولد بفتحتين . عبد الله ، وابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش : بضم الواو وسكون اللام . ثم قال : { سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون } : أي من نسبة الولد إليه ، والمعنى : إزالة العلم يجب أن يكون واجب الوجود ، وما كان كذلك فهو فرد مطلق لا يقبل التجزي . والولد عبارة عن أن ينفصل عن الشيء جزء من أجزائه ، فيتولد منه شخص مثله ، ولا يكون إلا فيما هو قابل ذاته للتجزي ، وهذا محال في حقه تعالى ، فامتنع إثبات الولد . ولما ذكر هذا البرهان القاطع قال : { فذرهم يخوضوا } ، أي في باطلهم ، { ويلعبوا } ، أي في دنياهم . وظاهر هذين الأمرين مهادنة وترك ، وذلك مما نسخ بآية السيف . وقرأ الجمهور : { حتى يلاقوا } ، وأبو جعفر ، وابن محيصن ، وعبيد بن عقيل ، عن أبي عمرو : يلقوا ، مضارع لقي . { يومهم الذي يوعدون } : يوم القيامة . وقال عكرمة وغيره : يوم بدر ، وأضاف اليوم إليهم ، لأنه الذي فيه هلاكهم وعذابهم . وقرأ الجمهور : إله فيهما . وقرأ عمر . وعبد الله ، وأبي ، وعلي ، والحكم بن أبي العالي ، وبلال بن أبي بردة ، وابن يعمر ، وجابر ، وابن زيد ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبو الشيخ الهنائي ، وحميد ، وابن مقسم ، وابن السميفع : الله فيهما . ومعنى إله : معبود به ، يتعلق الجار والمجرور ، والمعنى : أنه هو معبود في السماء ومعبود في الأرض ، والعائد على الموصول محذوف تقديره : هو إله ، كما حذف في قولهم : ما أنا بالذي قائل لك شيئاً ، وحسنه طوله بالعطف عليه ، كما حسن في قائل لك شيئاً طوله بالمعول . ومن قرأ : الله ، ضمنه أيضاً معنى المعبود ، كما ضمن العلم في نحو قولهم : هو حاتم في طيىء ، أي جواد في طيىء . ويجوز أن تكون الصلة الجار والمجرور . والمعنى : أنه فيهما بالإلهية والربوبية ، إذ يستحيل حمله على الاستقرار . وفي قوله : { وفي الأرض } ، نفى لآلهتهم التي كانت تعبد في الأرض . { وعنده علم الساعة } : أي علم تعيين وقت قيامها ، وهو الذي استأثر به تعالى . وقرأ الجمهور : يرجعون ، بياء الغيبة ؛ ونافع ، وعاصم ، والعدنيان : بتاء الخطاب ، وهو في كلتا القراءتين مبني للمفعول . وقرىء : بفتح تاء الخطاب مبنياً للفاعل . وقرأ الجمهور : بياء الغيبة وشد الدال ، وعنه بتاء الخطاب وشد الدال ، والمعنى : ولا يملك آلهتهم التي يدعون الشفاعة عند الله . قال قتادة : استثنى ممن عبد من دون الله عيسى وعزيراً والملائكة ، فإنهم يملكون شفاعة بأن يملكها الله إياهم ، إذ هم ممن شهد بالحق ، وهم يعلمونه في أحوالهم ، فالاستثناء على هذا متصل . وقال مجاهد وغيره : من المشفوع فيهم ؟ كأنه قال : لا يشفع هؤلاء الملائكة وعزير وعيسى إلا فيمن شهد بالحق ، وهو يعلمه ، أي بالتوحيد ، قالوا : فالاستثناء على هذا منفصل ، كأنه قال : لكن من شهد بالحق يشفع فيهم هؤلاء . وهذا التقدير الذي قدروه يجوز أن يكون فيه الاستثناء متصلاً ، لأنه يكون المستثنى منه محذوفاً ، كأنه قال : ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة في أحد ، إلا فيمن شهد بالحق ، فهو استثناء من المفعول المحذوف ، كما قال الشاعر : @ نجا سالم والنفس منه بشدقه ولم ينج إلا جفن سيف ومئزار @@ أي : ولم ينج إلا جفن سيف ، فهو استثناء من المشفوع فيهم الجائز فيه الحذف ، وهو متصل . فإن جعلته مستثنى من { الذين يدعون } ، فيكون منفصلاً ، والمعنى : ولا يملك آلهتهم ، ويعني بهم الأصنام والأوثان ، الشفاعة . كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله . ولكن { من شهد بالحق } ، وهو توحيد الله ، وهو يعلم ما شهد به ، هو الذي يملك الشفاعة ، وإن أدرجت الملائكة في { الذين يدعون } ، كان استثناء متصلاً . وقرأ الجمهور : { فانى يؤفكون } ، بياء الغيبة ، مناسباً لقوله : { ولئن سألتهم } ، أي كيف يصرفون عن عبادة من أقروا أنه موجد العالم . وعبد الوارث ، عن أبي عمرو : بتاء الخطاب . وقرأ الجمهور : وقيله ، بالنصب . فعن الأخفش : أنه معطوف على سرهم ونجواهم ، وعنه أيضاً : على وقال قيله ، وعن الزجاج ، على محل الساعة في قوله : { وعنده علم الساعة } . وقيل : معطوف على مفعول يكتبون المحذوف ، أي يكتبون أقوالهم وأفعالهم . وقيل : معطوف على مفعول يعلمون ، أي يعلمون الحق . { وقيله يا رب } : وهو قول لا يكاد يعقل ، وقيل : منصوب على إضمار فعل ، أي ويعلم قيله . وقرأ السلمي ، وابن وثاب ، وعاصم ، والأعمش ، وحمزة ، وقيله ، بالخفض ، وخرج على أنه عطف على الساعة ، أو على أنها واو القسم ، والجواب محذوف ، أي : لينصرن ، أو لأفعلن بهم ما أشاء . وقرأ الأعرج ، وأبو قلابة ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، ومسلم بن جندب : وقيله بالرفع ، وخرج على أنه معطوف على علم الساعة ، على حذف مضاف ، أي وعلم قيله حذف ، وأقيم المضاف إليه مقامه . وروي هذا عن الكسائي ، وعلى الابتداء ، وخبره : يا رب إلى لا يؤمنون ، أو على أن الخبر محذوف تقديره مسموع ، أو متقبل ، فجملة النداء وما بعده في موضع نصب بو قيله . وقرأ أبو قلابة : يا رب ، بفتح الباء ؛ أراد : يا ربا ، كما تقول : يا غلام . ويتخرج على جواز الأخفش : يا قوم ، بالفتح وحذف الألف والاجتزاء بالفتحة عنها . وقال الزمخشري : والذي قالوه يعني من العطف ليس بقوي في المعنى ، مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطف عليه بما لا يحسن اعتراضاً ، ومع تنافر النظم ، وأقوى من ذلك . والوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه ، والرفع على قولهم : أيمن الله ، وأمانة الله ، ويمين الله ، ولعمرك ، ويكون قوله : { إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } ، جواب القسم ، كأنه قال : وأقسم بقيله ، أو وقيله يا رب قسمي . { إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } ، وإقسام الله بقيله ، رفع منه وتعظيم لدعائه والتجائه إليه . انتهى ، وهو مخالف لظاهر الكلام ، إذ يظهر أن قوله : يا رب إلى لا يؤمنون ، متعلق بقيله ، ومن كلامه عليه السلام : وإذا كان أن هؤلاء جواب القسم ، كان من إخبار الله عنهم وكلامه ، والضمير في وقيله للرسول ، وهو المخاطب بقول { فاصفح عنهم } ، أي أعرض عنهم وتاركهم ، { وقل سلام } ، أي الأمر سلام ، فسوف يعلمون وعيد لهم وتهديد وموادعة ، وهي منسوخة بآية السيف . وقرأ الجمهور : يعلمون ، بياء الغيبة ، كما في : فاصفح عنهم . وقرأ أبو جعفر ، والحسن ، والأعرج ، ونافع ، وهشام : بتاء الخطاب . وقال السدي : وقل سلام ، أي خيراً بدلاً من شرهم . وقال مقاتل : أورد عليهم معروفاً . وحكى الماوردي : قل ما تسلم به من شرهم .