Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 47-60)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : وبنينا السماء ، فهو من باب الاشتغال ، وكذا وفرشنا الأرض . وقرأ أبو السمال ، ومجاهد ، وابن مقسم : برفع السماء ورفع الأرض على الابتداء . { بأيد } : أي بقوة ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وهو كقوله : { داود ذا الأيد } [ ص : 17 ] . { وإنا لموسعون } : أي بناءها ، فالجملة حالية ، أي بنيناها موسعوها ، كقوله : جاء زيد وإنه لمسرع ، أي مسرعاً ، فهي بحيث أن الأرض وما يحيط من الماء والهواء كالنقطة وسط الدائرة . وقال ابن زيد قريباً من هذا وهو : أن الوسع راجع إلى السماء . وقيل : لموسعون قوة وقدرة ، أي لقادرون من الوسع ، وهو الطاقة . وقال الحسن : أوسع الرزق بالمطر والماء . { فنعم الماهدون } ، و { خلقنا زوجين } ، قال مجاهد : إشارة إلى المتضادات والمتقابلات ، كالليل والنهار ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلال ، والسماء والأرض ، والسواد والبياض ، والصحة والمرض ، والكفر والإيمان ، ونحو ذلك ، ورجحه الطبري بأنه أدل على القدرة التي توجد الضدين ، بخلاف ما يفعل بطبعه ، كالتسخين والتبريد . ومثل الحسن بأشياء مما تقدم وقال : كل اثنين منها زوج ، والله تعالى فرد لا مثل له . وقال ابن زيد وغيره : { من كل شيء } : أي من الحيوان ، { خلقنا زوجين } : ذكراً وأنثى . وقيل : المراد بالشيء الجنس ، وما يكون تحت الجنس نوعان : فمن كل جنس خلق نوعين من الجواهر ، مثل النامي والجامد . ومن النامي المدرك والنبات ، ومن المدرك الناطق والصامت ، وكل ذلك يدل على أنه فرد لا كثرة فيه . { لعلكم تذكرون } : أي بأني باني السماء وفارش الأرض وخالق الزوجين ، تعالى أن يكون له زوج . أو تذكرون أنه لا يعجزه حشر الأجساد وجمع الأرواح . وقرأ أبي : تتذكرون ، بتاءين وتخفيف الذال . وقيل : إرادة أن تتذكروا ، فتعرفوا الخالق وتعبدوه . { ففروا إلى الله } : أمر بالدخول في الإيمان وطاعة الله ، وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار ، لينبه على أن وراء الناس عقاب وعذاب . وأمر حقه أن يفر منه ، فجمعت لفظة ففروا بين التحذير والاستدعاء . وينظر إلى هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ملجأ وملا منجا منك إلا إليك " ، قاله ابن عطية ، وهو تفسير حسن . وقال الزمخشري : إلى طاعته وثوابه من معصيته وعقابه ، ووحدوه ولا تشركوا به شيئاً . وكرر { إني لكم منه نذير مبين } ، عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك ، ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل ، كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان ، وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما . ألا ترى إلى قوله : { لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً } [ الأَنعام : 158 ] ؟ والمعنى : قل يا محمد ففروا إلى الله . انتهى ، وهو على طريق الاعتزال . وقد رددنا عليه في تفسير { لا ينفع نفساً إيمانها } في موضع هذه الآية . { كذلك } : أي أمر الأمم السابقة عند مجيء الرسل إليهم ، مثل الأمر من الكفار الذين بعثت إليهم ، وهو التكذيب . { ساحر أو مجنون } : أو للتفصيل ، أي قال بعض ساحر ، وقال بعض مجنون ، وقال بعض كلاهما ، ألا ترى إلى قوم نوح عليه الصلاة والسلام لم يقولوا عنه إنه ساحر ، بل قالوا به جنة ، فجمعوا في الضمير ودلت أو على التفصيل ؟ { أتواصوا به } : أي بذلك القول ، وهو توقيف وتعجيب من توارد نفوس الكفرة على تكذيب الأنبياء ، مع افتراق أزمانهم ، { بل هم قوم طاغون } : أي لم يتواصوا به ، لأنهم لم يكونوا في زمان واحد ، بل جمعتهم علة واحدة ، وهي كونهم طغاة ، فهم مستعلون في الأرض ، مفسدون فيها عاتون . { فتول عنهم } : أي أعرض عن الذين كررت عليهم الدعوة ، فلم يجيبوا . { فما أنت بملوم } : إذ قد بلغت ونصحت . { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } : تؤثر فيهم وفيمن قدر الله أن يؤمن ، وما دل عليه الظاهر من الموادعة منسوخ بآية السيف . وعن عليّ ، كرم الله وجهه : لما نزل { فتول عنهم } ، حزن المسلمون وظنوا أنه أمر بالتولي عن الجميع ، وأن الوحي قد انقطع ، نزلت { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } ، فسروا بذلك . { إلا ليعبدون } : أي { وما خلقت الإنس والجن } الطائعين ، قاله زيد بن أسلم وسفيان ، ويؤيده رواية ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين " وقال علي وابن عباس : { إلا ليعبدون } : إلا لآمرهم بعبادتي ، وليقروا لي بالعبادة . فعبر بقوله : { ليعبدون } ، إذ العبادة هي مضمن الأمر ، فعلى هذا الجن والإنس عام . وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : إلا معدين ليعبدون ، وكأن الآية تعديد نعمه ، أي خلقت لهم حواس وعقولاً وأجساماً منقادة ، نحو : العبادة ، كما تقول : هذا مخلوق لكذا ، وإن لم يصدر منه الذي خلق له ، كما تقول : القلم مبري لأن يكتب به ، وهو قد يكتب به وقد لا يكتب به ، وقال الزمخشري : إلا لأجل العبادة ، ولم أرد من جميعهم إلا إياها . فإن قلت : لو كان مريداً للعبادة منهم ، لكانوا كلهم عباداً . قلت : إنما أراد منهم أن يعبدوه مختارين للعبادة لا مضطرين إليها ، لأنه خلقهم ممكنين ، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريداً لها ، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . وقال مجاهد : { إلا ليعبدون } : ليعرفون . وقال ابن زيد : لأحملهم في العبادة على الشقاوة والسعادة . وقال الربيع بن أنس : إلا للعبادة ، قال : وهو ظاهر اللفظ . وقيل : إلا ليذلوا لقضائي . وقال الكلبي : إلا ليوحدون ، فالمؤمن يوحده في الشدة والرخاء ، والكافر في الشدة . وقال عكرمة : ليطيعون ، فأثيب العابد ، وأعاقب الجاحد . وقال مجاهد أيضاً : إلا للأمر والنهي . { ما أريد منهم من رزق } : أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم . { ما أريد أن يطعمون } : أي أن يطعموا خلقي ، فهو على حذف مضاف ، فالإضافة إلى الضمير تجوز ، قاله ابن عباس . وقيل : { أن يطعمون } : أن ينفعون ، فذكر جزءاً من المنافع وجعله دالاً على الجميع . وقال الزمخشري : يريد إن شأني مع عبادي ليس كشأن السادة مع عبيدهم ، لأن ملاك العبيد إنما يملكونهم ليستعينوا في تحصيل معايشهم وأرزاقهم بهم ؛ فإما مجهز في تجارة يبغي ربحاً ، أو مرتب في فلاحة ليقتل أرضاً ، أو مسلم في حرفة لينتفع بأجرته ، أو محتطب ، أو محتش ، أو مستق ، أو طابخ ، أو خابز ، أو ما أشبه ذلك من الأعمال والمهن التي تصرف في أسباب المعيشة وأبواب الرزق . فأما مالك ملاك العبيد فقال لهم : اشتغلوا بما يسعدكم في أنفسكم ، ولا أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي ولا رزقكم ، وأنا غني عنكم وعن مرافقكم ، ومتفضل عليكم برزقكم وبما يصلحكم ويعيشكم من عندي ، فما هو إلا أنا وحدي . انتهى ، وهو تكثير وخطابة . وقرأ ابن محيصن : { الرزاق } ، كما قرأ : { وفي السماء رازقكم } : اسم فاعل ، وهي قراءة حميد . وقرأ الأعمش ، وابن وثاب : { المتين } بالجر ، صفة للقوة على معنى الاقتدار ، قاله الزمخشري ، أو كأنه قال : ذو الأيد ، وأجاز أبو الفتح أن تكون صفة لذو وخفض على الجوار ، كقولهم : هذا جحر ضب خرب . { فإن للذين ظلموا } : هم أهل مكة وغيرهم من الكفار الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، ذنوباً : أي حظاً ونصيباً ، { مثل ذنوب أصحابهم } : من الأمم السابقة التي كذبت الرسل في الإهلاك والعذاب . وعن قتادة : سجلاً من عذاب الله مثل سجل أصحابهم . وقال الجوهري : الذنوب : الدلو الملأى ماء ، ولا يقال لها ذنوب وهي فارغة وجمعها العدد ، وفي الكثير ذنائب . والذنوب : الفرس الطويل الذنب ، والذنوب : النصيب ، والذنوب : لحم أسفل المتن . وقال ابن الأعرابي : يقال يوم ذنوب : أي طويل الشر لا ينقضي . { فويل للذين كفروا من يومهم } ، قيل : يوم بدر . وقيل : يوم القيامة { الذي يوعدون } : أي به ، أو يوعدونه .