Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 1-25)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ والنجم } : هم الصحابة . وقيل : العلماء مفرد أريد به الجمع ، وهو في اللغة خرق الهوى ومقصده السفل ، إذ مصيره إليه ، وإن لم يقصد إليه . وقال الشاعر : @ هـوى الـدلـو اسلمهـا الـرشا @@ ومنه : هوى العقاب . { صاحبكم } : هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والخطاب لقريش : أي هو مهتد راشد ، وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال والغي . { وما ينطق } : أي الرسول عليه الصلاة والسلام ، { عن الهوى } : أي عن هوى نفسه ورأيه . { إن هو إلا وحى } من عند الله ، { يوحى } إليه . وقيل : { وما ينطق } : أي القرآن ، عن هوى وشهوة ، كقوله : { هـذا كتـابنا ينطق عليكم بالحق } [ الجاثية : 29 ] { إن هو } : أي الذي ينطق به . أو { إن هو } : أي القرآن . { علمه } : الضمير عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالمفعول الثاني محذوف ، أي علمه الوحي . أو على القرآن ، فالمفعول الأول محذوف ، أي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم . { شديد القوى } : هو جبريل ، وهو مناسب للأوصاف التي بعده ، وقاله ابن عباس وقتادة والربيع . وقال الحسن : { شديد القوى } : هو الله تعالى ، وهو بعيد . { ذو مرة } : ذو قوة ، ومنه لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوى . وقيل : ذو هيئة حسنة . وقيل : هو جسم طويل حسن . ولا يناسب هذان القولان إلا إذا كان شديد القوى هو جبريل عليه السلام . { فاستوى } : الضمير لله في قوله الحسن ، وكذا { وهو بالأفق الأعلى } لله تعالى ، على معنى العظمة والقدرة والسلطان . وعلى قول الجمهور : { فاستوى } : أي جبريل في الجو ، { وهو بالأفق الأعلى } ، إن رآه الرسول عليه الصلاة والسلام بحراء قد سد الأفق له ستمائة جناح ، وحينئذ دنا من محمد حتى كان قاب قوسين ، وكذلك هو المرئي في النزلة الأخرى بستمائة جناح عند السدرة ، قاله الربيع والزجاج . وقال الطبري : والفراء : المعنى فاستوى جبريل ؛ وقوله : { وهو } ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا التأويل العطف على الضمير المرفوع من غير فصل ، وهو مذهب الكوفيين . وقد يقال : الضمير في استوى للرسول ، وهو لجبريل ، والأعلى لعمه الرأس وما جرى معه . وقال الحسن وقتادة : هو أفق مشرق الشمس . وقال الزمخشري : { فاستوى } : فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصورة التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحي ، وكان ينزل في صورة دحية ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها ، فاستوى له بالأفق الأعلى ، وهو أفق الشمس ، فملأ الأفق . وقيل : ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد صلى الله عليه وسلم ، مرة في الأرض ، ومرة في السماء . { ثم دنا } من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { فتدلى } : فتعلق عليه في الهوى . وكان مقدار مسافة قربه منه مثل { قاب قوسين } ، فحذفت هذه المضافات ، كما قال أبو علي في قوله : @ وقـد جعلتنـي مـن خـزيمة أصبعـا @@ أي : ذا مسافة مقدار أصبع ، { أو أدنى } على تقديركم ، كقوله : { أو يزيدون } [ الصافات : 147 ] { إلى عبده } : أي إلى عبد الله ، وإن لم يجر لاسمه عز وجل ذكر ، لأنه لا يلبس ، كقوله : { ما ترك على ظهرها } [ فاطر : 45 ] { ما أوحى } : تفخيم للوحي الذي أوحي إليه قبل . انتهى . وقال ابن عطية : { ثم دنا } ، قال الجمهور : أي جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام عند حراء . وقال ابن عباس وأنس في حديث الإسراء : ما يقتضي أن الدنو يستند إلى الله تعالى . وقيل : كان الدنو إلى جبريل . وقيل : إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، أي دنا وحيه وسلطانه وقدرته ، والصحيح أن جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل بدليل قوله : { ولقد رءاه نزلة أخرى } ، فإنه يقتضي نزلة متقدمة . وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه قبل ليلة الإسراء . ودنا أعم من تدلى ، فبين هيئة الدنو كيف كانت قاب قدر ، قال قتادة وغيره : معناه من طرف العود إلى طرفه الآخر . وقال الحسن ومجاهد : من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المقبض . وقال أبو رزين : ليست بهذه القوس ، ولكن قدر الذراعين . وعن ابن عباس : أن القوس هنا ذراع تقاس به الأطوال . وذكر الثعلبي أنه من لغة الحجاز . { فأوحى } : أي الله ، { إلى عبده } : أي الرسول صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس . وقيل : { إلى عبده } جبريل ، { ما أوحى } : إبهام على جهة التعظيم والتفخيم ، والذي عرف من ذلك فرض الصلوات . وقال الحسن : فأوحى جبريل إلى عبد الله ، محمد صلى الله عليه وسلم ، ما أوحى ، كالأول في الإبهام . وقال ابن زيد : فأوحى جبريل إلى عبد الله ، محمد صلى الله عليه وسلم ، ما أوحاه الله تعالى إلى جبريل عليه السلام . وقال الزمخشري : { ما أوحى } : أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك . { ما كذب } فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل : أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ، يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ، ولم يشك في أن ما رآه حق . انتهى . وقرأ الجمهور : ما كذب مخففاً ، على معنى : لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم الشيء الذي رآه ، بل صدقه وتحققه نظراً ، وكذب يتعدى . وقال ابن عباس وأبو صالح : رأى محمد صلى الله عليه وسلم الله تعالى بفؤاده . وقيل : ما رأى بعينه لم يكذب ذلك قلبه ، بل صدقه وتحققه ، ويحتمل أن يكون التقدير فيما رأى . وعن ابن عباس وعكرمة وكعب الأحبار : " أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ، وأبت ذلك عائشة رضي الله تعالى عنها ، وقالت : أنا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآيات ، فقال لي : هو جبريل عليه السلام فيها كلها " وقال الحسن : المعنى ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته . " وسأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ فقال : " نورانى أراه " وحديث عائشة قاطع لكل تأويل في اللفظ ، لأن قول غيرها إنما هو منتزع من ألفاظ القرآن ، وليست نصاً في الرؤية بالبصر ، بلا ولا بغيره . وقرأ أبو رجاء وأبو جعفر وقتادة والجحدري وخالد بن الياس وهشام عن ابن عامر : ما كذب مشدداً . وقال كعب الأحبار : إن الله قسم الرؤية والكلام بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام ، فكلم موسى مرتين ، ورآه محمد صلى الله عليه وسلم مرتين . وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : لقد وقف شعري من سماع هذا ، وقرأت : { لا تدركه الأبصـار وهو يدرك الأبصـار } [ الأنعام : 103 ] وذهبت هي وابن مسعود وقتادة والجمهور إلى أن المرئي مرتين هو جبريل ، مرة في الأرض ، ومرة عند سدرة المنتهى . وقرأ الجمهور : { أفتمـارونه } : أي أتجادلونه على شيء رآه ببصره وأبصره ، وعدى بعلى لما في الجدال من المغالبة ، وجاء يرى بصيغة المضارع ، وإن كانت الرؤية قد مضت ، إشارة إلى ما يمكن حدوثه بعد . وقرأ علي وعبد الله وابن عباس والجحدري ويعقوب وابن سعدان وحمزة والكسائي : بفتح التاء وسكون الميم ، مضارع مريت : أي جحدت ، يقال : مريته حقه ، إذا جحدته ، قال الشاعر : @ لثن سخرت أخا صدق ومكرمة لقد مريت أخاً ما كان يمريكا @@ وعدى بعلى على معنى التضمين . وكانت قريش حين أخبرهم صلى الله عليه وسلم بأمره في الإسراء ، كذبوا واستخفوا ، حتى وصف لهم بيت المقدس وأمر غيرهم ، وغير ذلك مما هو مستقصى في حديث الإسراء . وقرأ عبد الله فيما حكى ابن خالويه ، والشعبي فيما ذكر شعبة : بضم التاء وسكون الميم ، مضارع أمريت . قال أبو حاتم : وهو غلط . { ولقد رءاه } : الضمير المنصوب عائد على جبريل عليه السلام ، قال ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع . { نزلة أخرى } : أي مرة أخرى ، أي نزل عليه جبريل عليه السلام مرة أخرى في في صورة نفسه ، فرآه عليها ، وذلك ليلة المعراج . وأخرى تقتضي نزلة سابقة ، وهي المفهومة من قوله : { ثم دنا } جبريل ، { فتدلى } : وهو الهبوط والنزول من علو . وقال ابن عباس وكعب الأحبار : الضمير عائد على الله ، على ما سبق من قولهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه مرتين . وانتصب نزلة ، قال الزمخشري : نصب الظرف الذي هو مرة ، لأن الفعلة اسم للمرة من الفعل . وقال الحوفي وابن عطية : مصدر في موضع الحال . وقال أبو البقاء : مصدر ، أي مرة أخرى ، أو رؤية أخرى . { عند سدرة المنتهى } ، قيل : هي شجرة نبق في السماء السابعة . وقيل : في السماء السادسة ، ثمرها كقلال هجر ، وورقها كآذان الفيلة . تنبع من أصلها الأنهار التي ذكرها الله تعالى في كتابه ، يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطعها . والمنتهى موضع الانتهاء ، لأنه ينتهي إليها علم كل عالم ، ولا يعلم ما وراءها صعداً إلا الله تعالى عز وجل ؛ أو ينتهي إليها كل من مات على الإيمان من كل جيل ؛ أو ينتهي إليها ما نزل من أمر الله تعالى ، ولا تتجاوزها ملائكة العلو وما صعد من الأرض ، ولا تتجاوزها ملائكة السفل ؛ أو تنتهي إليها أرواح الشهداء ؛ أو كأنها في منتهى الجنة وآخرها ؛ أو تنتهي إليها الملائكة والأنبياء ويقفون عندها ؛ أو ينتهي إليها علم الأنبياء ويعزب علمهم عن ما وراءها ؛ أو تنتهي إليها الأعمال ؛ أو لانتهاء من رفع إليها في الكرامة ، أقوال تسعة . { عندها جنة المأوى } : أي عند السدرة ، قيل : ويحتمل عند النزلة . قال الحسن : هي الجنة التي وعدها الله المؤمنين . وقال ابن عباس : بخلاف عنه ؛ وقتادة : هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء ، وليست بالتي وعد المتقون جنة النعيم . وقيل : جنة : مأوى الملائكة . وقرأ علي وأبو الدرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزر ومحمد بن كعب وقتادة : جنه ، بهاء الضمير ، وجن فعل ماض ، والهاء ضمير النبي صلى الله عليه وسلم ، أي عندها ستره إيواء الله تعالى وجميل صنعه . وقيل : المعنى ضمه المبيت والليل . وقيل : جنه بظلاله ودخل فيه . وردّت عائشة وصحابة معها هذه القراءة وقالوا : أجن الله من قرأها ؛ وإذا كانت قراءة قرأها أكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليس لأحد ردّها . وقيل : إن عائشة رضي الله تعالى عنها أجازتها . وقراءة الجمهور : { جنة المأوى } ، كقوله في آية أخرى : { فلهم جنـات المأوى نزلاً } [ السجدة : 19 ] { إذ يغشى السدرة ما يغشى } : فيه بإبهام الموصول وصلته تعظيم وتكثير للغاشي الذي يغشاه ، إذ ذاك أشياء لا يعلم وصفها إلا الله تعالى . وقيل : يغشاها الجم الغفير من الملائكة ، يعبدون الله عندها . وقيل : ما يغشى من قدرة الله تعالى ، وأنواع الصفات التي يخترعها لها . وقال ابن مسعود وأنس ومسروق ومجاهد وإبراهيم : ذلك جراد من ذهب كان يغشاها . وقال مجاهد : ذلك تبدل أغصانها درّاً وياقوتاً . وروي في الحديث : " رأيت على كل ورقة من ورقها ملكاً قائماً يسبح الله تعالى " وأيضاً : يغشاها رفرف أخضر ، وأيضاً : تغشاها ألوان لا أدري ما هي . وعن أبي هريرة : يغشاها نور الخلاق . وعن الحسن : غشيها نور رب العزة فاستنارت . وعن ابن عباس : غشيها رب العزة ، أي أمره ، كما جاء في صحيح مسلم مرفوعاً ، فلما غشيها من أمر الله ما غشي ، ونظير هذا الإبهام للتعظيم : { فأوحى إلى عبده ما أوحى } ، { والمؤتفكة أهوى فغشـاها ما غشى } . { ما زاغ البصر } ، قال ابن عباس : ما مال هكذا ولا هكذا . وقال الزمخشري : أي أثبت ما رآه إثباتاً مستيقناً صحيحاً من غير أن يزيغ بصره أو يتجاوزه ، إذ ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها ومكن منها ، { وما طغى } : وما جاوز ما أمر برؤيته . انتهى . وقال غيره : { وما طغى } : ولا تجاوز المرئي إلى غيره ، بل وقع عليه وقوعاً صحيحاً ، وهذا تحقيق للأمر ، ونفي للريب عنه . { لقد رأى من أيـات ربه الكبرى } ، قيل : الكبرى مفعول رأى ، أي رأى الآيات الكبرى والعظمى التي هي بعض آيات ربه ، أي حين رقي إلى السماء رأى عجائب الملكوت ، وتلك بعض آيات الله . وقيل : { من آيـات } هو في موضع المفعول ، والكبرى صفة لآيات ربه ، ومثل هذا الجمع يوصف بوصف الواحدة ، وحسن ذلك هنا كونها فاصلة ، كما في قوله : { لنريك من آيـاتنا الكبرى } [ طه : 23 ] عند من جعلها صفة لآياتنا . وقال ابن عباس وابن مسعود : أي رفرف أخضر قد سد الأفق . وقال ابن زيد : رأى جبريل في الصورة التي هو بها في السماء . { أفرأيتم } : خطاب لقريش . ولما قرر الرسالة أولاً ، وأتبعه من ذكر عظمة الله وقدرته الباهرة بذكر التوحيد والمنع عن الإشراك بالله تعالى ، وقفهم على حقارة معبوداتهم ، وهي الأوثان ، وأنها ليست لها قدرة . واللات : صنم كانت العرب تعظمه . قال قتادة : كان بالطائف . وقال أبو عبيدة وغيره : كان في الكعبة . وقال ابن زيد : كان بنخلة عند سوق عكاظ . قال ابن عطية : وقول قتادة أرجح ، ويؤيده قوله الشاعر : @ وفرت ثقيف إلى لاتها بمنقلب الخائب الخاسر @@ انتهى . ويمكن الجمع بأن تكون أصناماً سميت باسم اللات , فأخبر كل عن صنم بمكانه . والتاء في اللات قيل أصلية ، لام الكلمة كالباء من باب ، وألفه منقلبة فيما يظهر من ياء ، لأن مادة ليت موجودة . فإن وجدت مادة من ل و ت ، جاز أن تكون منقلبة من واو . وقيل : التاء للتأنيث ، ووزنها فعلة من لوى ، قيل : لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة ، أو يلتوون عليها : أي يطوفون ، حذفت لامها . وقرأ الجمهور : اللات خفيفة التاء ؛ وابن عباس ومجاهد ومنصور بن المعتمر وأبو صالح وطلحة وأبو الجوزاء ويعقوب وابن كثير في رواية : بشدها . قال ابن عباس : كان هذا رجلاً بسوق عكاظ ، يلت السمن والسويق عند صخرة . وقيل : كان ذلك الرجل من بهز ، يلت السويق للحجاج على حجر ، فلما مات ، عبدوا الحجر الذي كان عنده ، إجلالاً لذلك الرجل ، وسموه باسمه . وقيل : سمي برجل كان يلت عنده السمن بالدب ويطمعه الحجاج . وعن مجاهد : كان رجل يلت السويق بالطائف ، وكانوا يعكفون على قبره ، فجعلوه وثناً . وفي التحرير : أنه كان صنماً تعظمه العرب . وقيل : حجر ذلك اللات ، وسموه باسمه . وعن ابن جبير : صخرة بيضاء كانت العرب تعبدها وتعظمها . وعن مجاهد : شجيرات تعبد ببلادها ، انتقل أمرها إلى الصخرة . انتهى ملخصاً . وتلخص في اللات ، أهو صنم ، أو حجر يلت عليه ، أو صخرة يلت عندها ، أو قبر اللات ، أو شجيرات ثم صخرة ، أو اللات نفسه ، أقوال ، والعزى صنم . وقيل : سموه لغطفان ، وأصلها تأنيث الأعز ، بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها ، وخرجت منها شيطانة ، ناشرة شعرها ، داعية ويلها ، واضعة يدها على رأسها ؛ فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها ، وهو يقول : @ يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك @@ ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام : " تلك العزى ولن تعبد أبدأ " وقال أبو عبيدة : كانت العزى ومناة بالكعبة . انتهى . ويدل على هذا قول أبي سفيان في بعض الحروب للمسلمين : لنا عزى ، ولا عزى لكم . وقال ابن زيد : كانت العزى بالطائف . وقال قتادة : كانت بنخلة ، ويمكن الجمع ، فإنه كان في كل مكان منها صنم يسمى بالعزى ، كما قلنا في اللات ، فأخبر كل واحد عن ذلك الصنم المسمى ومكانه . { ومناة } : قيل : صخرة كانت لهذيل وخزاعة ، وعن ابن عباس : لثقيف . وقيل : بالمشكك من قديد بين مكة والمدينة ، وكانت أعظم هذه الأوثان قدراً وأكثرها عدداً ، وكانت الأوس والخزرج تهل لها هذا اضطراب كثير في الأوثان ومواضعها ، والذي يظهر أنها كانت ثلاثتها في الكعبة ، لأن المخاطب بذلك في قوله : { أفرأيتم } هم قريش . وقرأ الجمهور : ومناة مقصوراً ، فقيل : وزنها فعلة ، سميت مناة لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها : أي تراق . وقرأ ابن كثير : ومناءة ، بالمد والهمز . قيل : ووزنها مفعلة ، فالألف منقلبة عن واو ، نحو : مقالة ، والهمزة أصل مشتقة من النوء ، كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركاً بها ، والقصر أشهر . قال جرير : @ أزيد مناة توعد بأس تيم تأمل أين تاه بك الوعيد @@ وقال آخر في المد والهمز : @ ألا هل أتى تيم بن عبد مناءة على النأي فيما بيننا ابن تميم @@ واللات والعزى ومناة منصوبة بقوله : { أفرأيتم } ، وهي بمعنى أخبرني ، والمفعول الثاني الذي لها هو قوله : { ألكم الذكر وله الأنثى } على حد ما تقرر في متعلق أرأيت إذا كانت بمعنى أخبرني ، ولم يعد ضمير من جملة الاستفهام على اللات والعزى ومناة ، لأن قوله : { وله الأنثى } هو في معنى : وله هذه الإناث ، فأغنى عن الضمير . وكانوا يقولون في هذه الأصنام : هي بنات الله ، فالمعنى : ألكم النوع المحبوب المستحسن الموجود فيكم ، وله النوع المذموم بزعمكم ؟ وهو المستثقل . وحسن إبراز الأنثى كونه نصاً في اعتقادهم أنهن إناث ، وأنهن بنات الله تعالى ، وإن كان في لحاق تاء التأنيث في اللات وفي مناة ، وألف التأنيث في العزى ، ما يشعر بالتأنيث ، لكنه قد سمى المذكر بالمؤنث ، فكان في قوله : { الأنثى } نص على اعتقاد التأنيث فيها . وحسن ذلك أيضاً كونه جاء فاصلة ، إذ لو أتى ضميراً ، فكان التركيب ألكم الذكر وله هن ، لم تقع فاصلة . وقال الزجاج : وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها ، فيقول : أخبروني عن آلهتكم ، هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة في الآي السالفة ؟ انتهى . فجعل المفعول الثاني لأفرأيتم جملة الاستفهام التي قدرها ، وحذفت لدلالة الكلام السابق عليها ، وعلى تقديره يبقى قوله : { ألكم الذكر وله الأنثى } متعلقاً بما قبله من جهة المعنى ، لا من جهة الإعراب ، كما قلناه نحن . ولا يعجبني قول الزجاج : وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها ، ولو قال : وجه اتصال هذه ، أو وجه انتظام هذه مع ما قبلها ، لكان الجيد في الأدب ، وإن كان يعني هذا المعنى . وقال ابن عطية : { أفرأيتم } خطاب لقريش ، وهي من رؤية العين ، لأنه أحال على أجرام مرئية ، ولو كانت أرأيت التي هي استفتاء لم تتعد . انتهى . ويعني بالأجرام : اللات والعزى ومناة ، وأرأيت التي هي استفتاء تقع على الأجرام ، نحو : أرأيت زيداً ما صنع ؟ وقوله : ولو كانت أرأيت التي هي استفتاء ، يعني الذي تقول النحاة فيه إنها بمعنى أخبرني ، لم تتعد ؛ والتي هي بمعنى الاستفتاء تتعدى إلى اثنين ، أحدهما منصوب ، والآخر في الغالب جملة استفهامية . وقد تكرر لنا الكلام في ذلك ، وأوله في سورة الأنعام . ودل كلام ابن عطية على أنه لم يطالع ما قاله الناس في أرأيت إذا كانت استفتاء على اصطلاحه ، وهي التي بمعنى أخبرني . والظاهر أن { الثالثة الأخرى } صفتان لمناة ، وهما يفيدان التوكيد . قيل : ولما كانت مناة هي أعظم هذه الأوثان ، أكدت بهذين الوصفين ، كما تقول : رأيت فلاناً وفلاناً ، ثم تذكر ثالثاً أجل منهما فتقول : وفلاناً الآخر الذي من شأنه . ولفظة آخر وأخرى يوصف به الثالث من المعدودات ، وذلك نص في الآية ، ومنه قول ربيعة بن مكرم : @ ولقـد شفعتهمـا بـآخـر ثـالـث @@ انتهى . وقول ربيعة مخالف للآية ، لأن ثالثاً جاء بعد آخر . وعلى قول هذا القائل أن مناة هي أعظم هذه الأوثان ، يكون التأكيد لأجل عظمها . ألا ترى إلى قوله : ثم تذكر ثالثاً أجل منهما ؟ وقال الزمخشري : والأخرى ذم ، وهي المتأخرة الوضيعة المقدار ، كقوله تعالى : { قالت أخراهم لأولاهم } [ الأعراف : 38 ] أي وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم . ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى . انتهى . ولفظ آخر ومؤنثه أخرى لم يوضعا للذم ولا للمدح ، إنما يدلان على معنى غير ، إلا أن من شرطهما أن يكونا من جنس ما قبلهما . لو قلت : مررت برجل وآخر ، لم يدل إلا على معنى غير ، لا على ذم ولا على مدح . وقال أبو البقاء : والأخرى توكيد ، لأن الثالثة لا تكون إلا أخرى . انتهى . وقيل : الأخرى صفة للعزى ، لأنها ثانية اللات ؛ والثانية يقال لها الأخرى ، وأخرت لموافقة رؤوس الآي . وقال الحسن بن الفضل : فيه تقديم وتأخير تقديره : والعزى الأخرى ، ومناة الثالثة الذليلة ، وذلك لأن الأولى كانت وثناً على صورة آدمي ، والعزى صورة نبات ، ومناة صورة صخرة . فالآدمي أشرف من النبات ، والنبات أشرف من الجماد . فالجماد متأخر ، ومناة جماد ، فهي في أخريات المراتب . والإشارة بتلك إلى قسمتهم ، وتقديرهم : أن لهم الذكران ، ولله تعالى البنات . وكانو يقولون : إن هذه الأصنام والملائكة بنات الله تعالى . قال ابن عباس وقتادة : ضيزى : جائرة ؛ وسفيان : منقوصة ؛ وابن زيد : مخالفة ؛ ومجاهد ومقاتل : عوجاء ؛ والحسن : غير معتدلة ؛ وابن سيرين : غير مستوية ، وكلها أقوال متقاربة في المعنى . وقرأ الجمهور : { ضيزى } من غير همز ، والظاهر أنه صفة على وزن فعلى بضم الفاء ، كسرت لتصح الياء . ويجوز أن تكون مصدراً على وزن فعلى ، كذكرى ، ووصف به . وقرأ ابن كثير : ضئزى بالهمز ، فوجه على أنه مصدر كذكرى . وقرأ زيد بن علي : ضيزى بفتح الضاد وسكون الياء ، ويوجه على أنه مصدر ، كدعوى وصف به ، أو وصف ، كسكرى وناقة خرمى . ويقال : ضوزى بالواو وبالهمز ، وتقدّم في المفردات حكاية لغة الهمز عن الكسائي . وأنشد الأخفش : @ فإن تنأ عنها تقتضيك وإن تغب فسهمك مضؤوز وأنفك راغم @@ { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطـان } : تقدّم تفسير نظيرها في سورة هود ، وفي سورة الأعراف . وقرأ الجمهور : { إن يتبعون } بياء الغيبة ؛ وعبد الله وابن عباس وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى بن عمر : بتاء الخطاب ، { إلا الظن } : وهو ميل النفس إلى أحد معتقدين من غير حجة ، { وما تهوى } : أي تميل إليه بلذة ، وإنما تهوى أبداً ما هو غير الأفضل ، لأنها مجبولة على حب الملاذ ، وإنما يسوقها إلى حسن العاقبة العقل . { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } : توبيخ لهم ، والذي هم عليه باطل واعتراض بين الجملتين ، أي يفعلون هذه القبائح ؛ والهدى قد جاءهم ، فكانوا أولى من يقبله ويترك عبادة من لا يجدي عبادته . { أم للإنسـان ما تمنى } : هو متصل بقوله : { وما تهوى الأنفس } ، بل للإنسان ، والمراد به الجنس ، { ما تمنى } : أي ما تعلقت به أمانيه ، أي ليست الأشياء والشهوات تحصل بالأماني ، بل لله الأمر . وقولكم : إن آلهتكم تشفع وتقرب زلفى ، ليس لكم ذلك . وقيل : أمنيتهم قولهم : { ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى } [ فصلت : 50 ] وقيل : قول الوليد بن المغيرة : { لأوتين مالا وولداً } [ مريم : 77 ] وقيل : تمنى بعضهم أن يكون النبي . { فللّه الآخرة والأولى } : أي هو مالكهما ، فيعطي منهما ما يشاء ، ويمنع من يشاء ، وليس لأحد أن يبلغ منهما إلا ما شاء الله . وقدّم الآخرة على الأولى ، لتأخرها في ذلك ، ولكونها فاصلة ، فلم يراع الترتيب الوجودي ، كقوله : { وإن لنا للآخرة والأولى } [ الليل : 13 ] .