Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 33-62)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أفرأيت } الآية ، قال مجاهد وابن زيد ومقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان قد سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلس إليه ووعظه ، فقرب من الإسلام ، وطمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم إنه عاتبة رجل من المشركين ، فقال له : أتترك ملة آبائك ؟ ارجع إلى دينك واثبت عليه ، وأنا أتحمل لك بكل شيء تخافه في الآخرة ، لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال . فوافقه الوليد على ذلك ، ورجع عن ما هم به من الإسلام ، وضل ضلالاً بعيداً ، وأعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل ، ثم أمسك عنه وشح . وقال الضحاك : هو النضر بن الحارث ، أعطى خمس فلايس لفقير من المهاجرين حتى ارتد عن دينه ، وضمن له أن يحمل عنه مآثم رجوعه . وقال السدي : نزلت في العاصي بن وائل السهمي ، كان ربما يوافق النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور . وقال محمد بن كعب : في أبي جهل بن هشام ، قال : والله ما يأمر محمد إلا بمكارم الأخلاق . وروي عن ابن عباس والسدي أنها نزلت في عثمان بن عفان ، رضي الله تعالى عنه ؛ كان يتصدق ، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح نحواً من كلام القائل للوليد بن المغيرة الذي بدأنا به . وذكر القصة بتمامها الزمخشري ، ولم يذكر في سبب النزول غيرها . قال ابن عطية : وذلك كله عندي باطل ، وعثمان رضي الله عنه منزه عن مثله . انتهى . وأفرأيت هنا بمعنى : أخبرني ، ومفعولها الأول الموصول ، والثاني الجملة الاستفهامية ، وهي : { أعنده علم الغيب } . و { تولى } : أي أعرض عن الإسلام . وقال الزمخشري : { تولى } : ترك المركز يوم أحد . انتهى . لما جعل الآية نزلت في عثمان ، فسر التولي بهذا . وإذا ذكر التولي غير مقيد في القرآن ، فأكثر استعماله أنه استعارة عن عدم الدخول في الإيمان . { وأعطى قليلاً وأكدى } ، قال ابن عباس : أطاع قليلاً ثم عصى . وقال مجاهد : أعطى قليلاً من نفسه بالاستماع ، ثم أكدى بالانقطاع . وقال الضحاك : أعطى قليلاً من ماله ثم منع . وقال مقاتل : أعطى قليلاً من الخير بلسانه ثم قطع . { أعنده علم الغيب } : أي أعلم من الغيب أن من تحمل ذنوب آخر ، فإنه المتحمل عنه ينتفع بذلك ، فهو لهذا الذي علمه يرى الحق وله فيه بصيره ، أم هو جاهل ؟ وقال الزمخشري : { فهو يرى } : فهو يعلم أن ما قاله أخوه من احتمال أوزاره حق . وقيل : يعلم حاله في الآخرة . وقال الزجاج : يرى رفع مأثمه في الآخرة . وقيل : فهو يرى أن ما سمعه من القرآن باطل . وقال الكلبي : أنزل عليه قرآن ، فرأى ما منعه حق . وقيل : { فهو يرى } : أي الأجزاء ، واحتمل يرى أن تكون بصرية ، أي فهو يبصر ما خفي عن غيره مما هو غيب ، واحتمل أن يكون بمعنى يعلم ، أي فهو يعلم الغيب مثل الشهادة . { أم لم ينبأ } : أي بل ألم يخبر ؟ { بما في صحف موسى } ، وهي التوراة . { وإبراهيم } : أي وفي صحف إبراهيم التي أنزلت عليه ، وخص هذين النبيين عليهما أفضل الصلاة والسلام . قيل : لأنه ما بين نوح وإبراهيم كانوا يأخذون الرجل بأبيه وابنه وعمه وخاله ، والزوج بامرأته ، والعبد بسيده . فأول من خالفهم إبراهيم ، ومن شريعة إبراهيم إلى شريعة موسى صلى الله عليه وسلم عليهما ، كانوا لا يأخذون الرجل بجريمة غيره . { الذي وفى } ، قرأ الجمهور : وفى بتشديد الفاء . وقرأ أبو أمامة الباهلي وسعيد بن جبير وأبو مالك الغفاري وابن السميفع وزيد بن علي : بتخفيفها ، ولم يذكر متعلق وفي ليتناول كل ما يصلح أن يكون متعلقاً له ، كتبليغ الرسالة والاستقلال بأعباء الرسالة ، والصبر على ذبح ولده ، وعلى فراق اسماعيل وأمه ، وعلى نار نمروذ وقيامه بأضيافه وخدمته إياهم بنفسه . وكان يمشي كل يوم فرسخاً يرتاد ضيفاً ، فإن وافقه أكرمه ، وإلا نوى الصوم . وعن الحسن : ما أمره الله بشيء إلا وفى به . وعن عطاء بن السائب : عهد أن لا يسأل مخلوقاً . وقال ابن عباس والربيع : وفي طاعة الله في أمر ذبح ابنه . وقال الحسن وقتادة : وفى بتبليغ الرسالة والمجاهدة في ذات الله . وقال عكرمة : وفي هذه العشر الآيات : { أن لا تزر } فما بعدها . وقال ابن عباس أيضاً وقتادة : وفي ما افترض عليه من الطاعة على وجهها ، وكملت له شعب الإيمان والإسلام ، فأعطاه الله براءته من النار . وقال ابن عباس أيضاً : وفي شرائع الإسلام ثلاثين سهماً ، يعني : عشرة في براءة التائبون الخ ، وعشرة في قد أفلح ، وعشرة في الأحزاب إن المسلمين . وقال أبو أمامة : ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وفى أربع صلوات في كل يوم . وقال أبو بكر الوراق : قام بشرط ما ادّعى ، وذلك أن الله تعالى قال له : أسلم ، قال : أسلمت لرب العالمين ، فطالبه بصحة دعواه ، فابتلاه في ما له وولده ونفسه ، فوجده وافياً . انتهى ، وللمفسرين أقوال غير هذه . وينبغي أن تكون هذه الأقوال أمثلة لما وفى ، لا على سبيل التعيين ، وأن هي المخففة من الثقيلة ، وهي بدل من ما في قوله : { بما في صحف } ، أو في موضع رفع ، كأن قائلاً قال : ما في صحفهما ، فقيل : { لا تزر وازرة وزر أخرى } [ الأنعام : 164 ] ، وتقدم شرح { لا تزر وازرة وزر أخرى } [ الأنعام : 164 ] . { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } : الظاهر أن الإنسان يشمل المؤمن والكافر ، وأن الحصر في السعي ، فليس له سعي غيره ، وقال عكرمة : كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى ، وأما هذه الأمّة فلها سعي غيرها ، يدل عليه حديث سعد بن عبادة : هل لأمي ، إن تطوعت عنها ؟ قال : نعم . وقال الربيع : الإنسان هنا الكافر ، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره . وسأل والي خراسان عبد الله بن طاهر الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله : { والله يضاعف لمن يشاء } [ البقرة : 261 ] فقال : ليس له بالعدل إلا ما سعى ، وله بالفضل ما شاء الله ، فقبل عبد الله رأس الحسين . وما روي عن ابن عباس أنها منسوخة لا يصح ، لأنه خبر لم يتضمن تكليفاً ؛ وعند الجمهور : إنها محكمة . قال ابن عطية : والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو اللام من قوله : { للإنسان } . فإذا حققت الذي حق الإنسان أن يقول فيه لي كذا ، لم تجده إلا سعيه ، وما تم بعد من رحمة بشفاعة ، أو رعاية أب صالح ، أو ابن صالح ، أو تضعيف حسنات ، أو تعمد بفضل ورحمة دون هذا كله ، فليس هو للإنسان ، ولا يسعه أن يقول لي كذا وكذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو حقيقة . واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته ببدن أو مال ، وفرق بعض العلماء بين البدن والمال . انتهى . والسعي : التكسب ، ويرى مبني للمفعول ، أي سوف يراه حاضراً يوم القيامة . وفي عرض الأعمال تشريف للمحسن وتوبيخ للمسيء ، والضمير المرفوع في يجزاه عائد على الإنسان ، والمنصوب عائد على السعي ، والجزاء مصدر . قال الزمخشري : ويجوز أن يكون الضمير للجزاء ، ثم فسره بقوله : { الجزاء الأوفى } . وإذا كان تفسيراً للمصدر المنصوب في يجزاه ، فعلى ماذا انتصابه ؟ وأما إذا كان بدلاً ، فهو من باب بدل الظاهر من الضمير الذي يفسره الظاهر ، وهي مسألة خلاف ، والصحيح المنع . وقرأ الجمهور : { وأن إلى ربك } وما بعدها من { وأنه } ، وأن بفتح الهمزة عطفاً على ما قبلها . وقرأ أبو السمال : بالكسر فيهن ، وفي قوله : { الأوفى } وعيد للكافر ووعد للمؤمن ، ومنتهى الشيء : غايته وما يصل إليه ، أي إلى حساب ربك والحشر لأجله ، كما قال : { وإلى الله المصير } [ آل عمران : 28 ، النور : 42 ، فاطر : 18 ] ، أي إلى جزائه وحسابه ، أو إلى ثوابه من الجنة وعقابه من النار ؛ وهذا التفسير المناسب لما قبله في الآية . وعن أبي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { وأن إلى ربك لمنتهى } ، لا فكرة في الرب . وروى أنس عنه صلى الله عليه وسلم : " إذا ذكر الرب فانتهوا " { وأنه هو أضحك وأبكى } : الظاهر حقيقة الضحك والبكاء . قال مجاهد : أضحك أهل الجنة ، وأبكى أهل النار . وقيل : كنى بالضحك عن السرور ، وبالبكاء عن الحزن . وقيل : أضحك الأرض بالنبات ، وأبكى السماء بالمطر . وقيل : أحيا بالإيمان ، وأبكى بالكفر . وقال الزمخشري : { أضحك وأبكى } : خلق قوتي الضحك والبكاء . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال ، إذ أفعال العباد من الضحك والبكاء وغيرهما مخلوقة للعبد عندهم ، لا لله تعالى ، فلذلك قال : خلق قوتي الضحك والبكاء . { وأنه خلق الزوجين } المصطحبين من رجل وامرأة وغيرهما من الحيوان ، { من نطفة إذا تمنى } : أي إذا تدفق ، وهو المني . يقال : أمنى الرجل ومنى . وقال الأخفش : إذا يمنى : أي يخلق ويقدر من مني الماني ، أي قدر المقدر . { وأن عليه النشأة الأخرى } : أي إعادة الأجسام : أي الحشر بعد البلى ، وجاء بلفظ عليه المشعرة بالتحتم لوجود الشيء لما كانت هذه النشأة ينكرها الكفار بولغ بقوله : { عليه } بوجودها لا محالة ، وكأنه تعالى أوجب ذلك على نفسه ، وتقدم الخلاف في قراءة النشأة في سورة العنكبوت . وقال الزمخشري : وقال { عليه } ، لأنها واجبة عليه في الحكمة ليجازي على الإحسان والإساءة . انتهى ، وهو على طريق الاعتزال . { وأنه هو أغنى وأقنى } : أي أكسب القنية ، يقال : قنيت المال : أي كسبته ، وأقنيته إياه : أي أكسبته إياه ، ولم يذكر متعلق أغنى وأقنى لأن المقصود نسبة هذين الفعلين له تعالى . وقد تكلم المفسرون على ذلك فقالوا اثني عشر قولاً ، كقولهم : أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه ، وكل قول منها لا دليل على تعينه ، فينبغي أن تجعل أمثلة . والشعرى التي عبدت هي العبور . وقال السدّي : كانت تعبدها حمير وخزاعة . وقال غيره : أول من عبدها أبو كبشة ، أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم ، من قبل أمهاته ، وكان اسمه عبد الشعرى ، ولذلك كان مشركو قريش يسمونه عليه السلام : ابن أبي كبشة ، ومن ذلك كلام أبي سفيان : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة . ومن العرب من كان يعظمها ولا يعبدها ، ويعتقد تأثيرها في العالم ، وأنها من الكواكب الناطقة ، يزعم ذلك المنجمون ويتكلمون على المغيبات عند طلوعها ، وهي تقطع السماء طولاً ، والنجوم تقطعها عرضاً . وقال مجاهد وابن زيد : هو مرزم الجوزاء . { وأنه أهلك عاداً الأولى } : جاء بين أن وخبرها لفظ هو ، وذلك في قوله : { وأنه هو أضحك } ، { وأنه هو أمات } ، { وأنه هو أغنى } ، { وأنه هو رب الشعرى } . ففي الثلاثة الأول ، لما كان قد يدعي ذلك بعض الناس ، كقول نمروذ : { أنا أحيي وأميت } [ البقرة : 258 ] احتيج إلى تأكيد في أن ذلك إنما هو لله لا غيره ، فهو الذي يضحك ويبكي ، وهو المميت المحيـي ، والمغني ، والمقني حقيقة ، وإن ادّعى ذلك أحد فلا حقيقة له . وأما { وأنه هو رب الشعرى } ، فلأنها لما عبدت من دون الله تعالى ، نص على أنه تعالى هو ربها وموجدها . ولما كان خلق الزوجين ، والإنشاء الآخر ، وإهلاك عاد ومن ذكر ، لا يمكن أن يدعي ذلك أحد ، لم يحتج إلى تأكيد ولا تنصيص أنه تعالى هو فاعل ذلك . وعاد الأولى هم قوم هود ، وعاد الأخرى إرم . وقيل : الأولى : القدماء لأنهم أول الأمم هلاكاً بعد قوم نوح عليه السلام . وقيل : الأولى : المتقدّمون في الدنيا الأشراف ، قاله الزمخشري . وقال ابن زيد والجمهور : لأنها في وجه الدهر وقديمه ، فهي أولى بالإضافة إلى الأمم المتأخرة . وقال الطبري : وصفت بالأولى ، لأن عاداً الآخرة قبيلة كانت بمكة مع العماليق ، وهو بنو لقيم بن هزال . وقال المبرد : عاد الأخيرة هي ثمود ، والدليل عليه قول زهير : @ كـأحـمر عـاد ثـم تـرضـع فتفـطم @@ ذكره الزهراوي . وقيل : عاد الأخيرة : الجبارون . وقيل : قبل الأولى ، لأنهم كانوا من قبل ثمود . وقيل : ثمود من قبل عاد . وقيل : عاد الأولى : هو عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ؛ وعاد الثانية : من ولد عاد الأولى . وقرأ الجمهور : { عاداً الأولى } ، بتنوين عاداً وكسره لالتقائه ساكناً مع سكون لام الأولى وتحقيق الهمزة بعد اللام . وقرأ قوم كذلك ، غير أنهم نقلوا حركة الهمزة إلى اللام وحذفوا الهمزة . وقرأ نافع وأبو عمرو : بإدغام التنوين في اللام المنقول إليها حركة الهمزة المحذوفة ، وعاد هذه القراءة للمازني والمبرد . وقالت العرب في الابتداء بعد النقل : الحمر ولحمر ، فهذه القراءة جاءت على الحمر ، فلا عيب فيها ، وهمز قالون عين الأولى بدل الواو الساكنة . ولما لم يكن بين الضمة والواو حائل ، تخيل أن الضمة على الواو فهمزها ، كما قال : @ أحـب المؤقـديـن إلـيّ مـؤسـى @@ وكما قرأ بعضهم : على سؤقه ، وهو توجيه شذوذ ، وفي حرف أبي عاد غير مصروف جعله اسم قبيلة ، فمنعه الصرف للتأنيث والعملية ، والدليل على التأنيث وصفه بالأولى . وقرأ الجمهور : وثمودا مصروفاً ، وقرأه غير مصروف : الحسن وعاصم وعصمة . { فما أبقى } : الظاهر أن متعلق أبقى يرجع إلى عاد وثمود معاً ، أي فما أبقى عليهم ، أي أخذهم بذنوبهم . وقيل : { فما أبقى } : أي فما أبقى منهم عيناً تطرف . وقال ذلك الحجاج بن يوسف حين قيل له إن ثقيفاً من نسل ثمود ، فقال : قال الله تعالى : { وثموداْ فما أبقى } ، وهؤلاء يقولون : بقيت منهم بقية ، والظاهر القول الأول ، لأن ثمود كان قد آمن منهم جماعة بصالح عليه السلام ، فما أهلكهم الله مع الذين كفروا به . { وقوم نوح من قبل } : أي من قبل عاد وثمود ، وكانوا أول أمة كذبت من أهل الأرض ، ونوح عليه السلام أول الرسل . والظاهر أن الضمير في { إنهم } عائد على قوم نوح ، وجعلهم { أظلم وأطغى } لأنهم كانوا في غاية العتو والإيذاء لنوح عليه السلام ، يضربونه حتى لا يكاد يتحرك ، ولا يتأثرون لشيء مما يدعوهم إليه . وقال قتادة : دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، كلما هلك قرن نشأ قرن ، حتى كان الرجل يأخذ بيد ابنه يتمشى به إليه ، يحذره منه ويقول : يا بني إن أبي مشى بي إلى هذا ولنا مثلك يومئذ ، فإياك أن تصدقه ، فيموت الكبير على الكفر ، وينشأ الصغير على وصية أبيه . وقيل : الضمير في إنهم عائد على من تقدم عاد وثمود وقوم نوح ، أي كانوا أكفر من قريش وأطغى ، ففي ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وهم يجوز أن يكون تأكيداً للضمير المنصوب ، ويجوز أن يكون فصلاً ، لأنه واقع بين معرفة وأفعل التفضيل ، وحذف المفضول بعد الواقع خبراً لكان ، لأنه جار مجرى خبر المبتدأ ، وحذفه فصيح فيه ، فكذلك في خبر كان . { والمؤتفكة } : هي مدائن قوم لوط بإجماع من المفسرين ، وسميت بذلك لأنها انقلبت ، ومنه الإفك ، لأنه قلب الحق كذباً ، أفكه فأئتفك . قيل : ويحتمل أن يراد بالمؤتفكة : كل ما انقلبت مساكنه ودبرت أماكنه . { أهوى } : أي خسف بهم بعد رفعهم إلى السماء ، رفعها جبريل عليه السلام ، ثم أهوى بها إلى الأرض . وقال المبرد : جعلها تهوي . وقرأ الحسن : والمؤتفكات جمعاً ، والظاهر أن أهوى ناصب للمؤتفكة ، وأخر العامل لكونه فاصلة . ويجوز أن يكون { والمؤتفكة } معطوفاً على ما قبله ، و { أهوى } جملة في موضع الحال يوضح كيفية إهلاكهم ، أي وإهلاك المؤتفكة مهوياً لها . { فغشاها ما غشى } : فيه تهويل للعذاب الذي حل بهم ، لما قلبها جبريل عليه السلام اتبعت حجارة غشيتهم . واحتمل أن يكون فعل المشدد بمعنى المجرد ، فيتعدى إلى واحد ، فيكون الفاعل ما ، كقوله تعالى : { فغشيهم من اليم ما غشيهم } [ طه : 78 ] . { فبأي آلاء ربك تتمارى } : الباء ظرفية ، والخطاب للسامع ، وتتمارى : تتشكك ، وهو استفهام في معنى الإنكار ، أي آلاؤه ، وهي النعم لا يتشكك فيها سامع ، وقد سبق ذكر نعم ونقم ، وأطلق عليها كلها آلاء لما في النقم من الزجر والوعظ لمن اعتبر . وقرأ يعقوب وابن محيصن : " ربك تمارى " ، بتاء واحدة مشددة . وقال أبو مالك الغفاري : إن قوله : { أن لا تزر } إلى قوله : { تتمارى } هو في صحف إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام . { هـذا نذير } ، قال قتادة ومحمد بن كعب وأبو جعفر : الإشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، افتتح أول السورة به ، واختتم آخرها به . وقيل : الإشارة إلى القرآن . وقال أبو مالك : إلى ما سلف من الأخبار عن الأمم ، أي هذا إنذار من الإنذارات السابقة ، والنذير يكون مصدراً أو اسم فاعل ، وكلاهما من أنذر ، ولا يتقاسان ، بل القياس في المصدر إنذار ، وفي اسم الفاعل منذر ؛ والنذر إما جمع للمصدر ، أو جمع لاسم الفاعل . فإن كان اسم فاعل ، فوصف النذر بالأولى على معنى الجماعة . ولما ذكر إهلاك من تقدّم ذكره ، وذكر قوله : { هذا نذير } ، ذكر أن الذي أنذر به قريب الوقوع فقال : { أزفت الآزفة } : أي قربت الموصوفة بالقرب في قوله : { اقتربت الساعة } [ القمر : 1 ] وهي القيامة . { ليس لها من دون الله كاشفة } : أي نفس كاشفة تكشف وقتها وتعلمه ، قاله الطبري والزجاج . وقال القاضي منذر بن سعيد : هو من كشف الضر ودفعه ، أي ليس لها من يكشف خطبها وهو لها . انتهى . ويجوز أن تكون الهاء في كاشفة للمبالغة . وقال الرماني وجماعة : ويحتمل أن يكون مصدراً ، { كالعاقبة } ، { وخائنة الأعين } ، أي ليس لها كشف من دون الله . وقيل : يحتمل أن يكون التقدير حال كاشفة . { أفمن هذا الحديث } . وهو القرآن ، { تعجبون } فتنكرون ، { وتضحكون } مستهزئين ، { ولا تبكون } جزعاً من وعيده . { وأنتم سامدون } ، قال مجاهد : معرضون . وقال عكرمة : لاهون . وقال قتادة : غافلون . وقال السدّي : مستكبرون . وقال ابن عباس : ساهون . وقال المبرد : جامدون ، وكانوا إذا سمعوا القرآن غنوا تشاغلاً عنه . وروي أنه عليه الصلاة والسلام لم ير ضاحكاً بعد نزولها . فاسجدوا : أي صلوا له ، { واعبدوا } : أي أفردوه بالعبادة ، ولا تعبدوا اللات والعزى ومناة والشعرى وغيرها من الأصنام . وخرّج البغوي بإسناد متصل إلى عبد الله ، قال : أول سورة نزلت فيها السجدة النجم ، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه ، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً ، والرجل أمية بن خلف . وروي أن المشركين سجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي حرف أبي وعبد الله : تضحكون بغير واو . وقرأ الحسن : تعجبون تضكحون ، بغير واو وبضم التاء وكسر الجيم والحاء . وفي قوله : { ولا تبكون } ، حض على البكاء عند سماع القرآن . والسجود هنا عند كثير من أهل العلم ، منهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، ووردت به أحاديث صحاح ، وليس يراها مالك هنا . وعن زيد بن ثابت : أنه قرأ بها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يسجد ، والله تعالى أعلم .