Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 33-55)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تقدمت قصة لوط عليه السلام وقومه . والحاصب من الحصباء ، وهو المعنيّ بقوله تعالى : { وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل } [ الحجر : 74 ] { إلا آل لوط } ، قيل : إلا ابنتاه ، و { بسحر } : هو بكرة ، فلذلك صرف ، وانتصب { نعمة } على أنه مفعول من أجله ، أي نجيناهم لإنعامنا عليهم أو على المصدر ، لأن المعنى : أنعمنا بالتنجية إنعاماً . { كذلك نجزي } : أي مثل ذلك الإنعام والتنجية نجزي { من شكر } إنعامنا وأطاع وآمن . { ولقد أنذرهم بطشتنا } : أي أخذتنا لهم بالعذاب ، { فتماروا } : أي تشككوا وتعاطوا ذلك ، { بالنذر } : أي بالإنذار ، أو يكون جمع نذير . { فطمسنا } ، قال قتادة : الطمس حقيقة جر جبريل عليه السلام على أعينهم جناحه ، فاستوت مع وجوههم . وقال أبو عبيدة : مطموسة بجلد كالوجه . قيل : لما صفقهم جبريل عليه السلام بجناحه ، تركهم يترددون لا يهتدون إلى الباب ، حتى أخرجهم لوط عليه السلام . وقال ابن عباس والضحاك : هذه استعارة ، وإنما حجب إدراكهم ، فدخلوا المنزل ولم يروا شيئاً ، فجعل ذلك كالطمس . وقرأ الجمهور : فطمسنا بتخفيف الميم ؛ وابن مقسم : بتشديدها . { فذوقوا } : أي فقلت لهم على ألسنة الملائكة : ذوقوا . { ولقد صبحهم بكرة } : أي أول النهار وباكره ، لقوله : { مشرقين } [ الحجر : 73 ، الشعراء : 60 ] و { مصبحين } [ الحجر : 66 ، الصافات : 137 ، القلم : 17 ] وقرأ الجمهور : بكرة بالتنوين ، أراد بكرة من البكر ، فصرف . وقرأ زيد بن علي : بغير تنوين . { عذاب مستقر } : أي لم يكشفه عنهم كاشف ، بل اتصل بموتهم ، ثم بما بعد ذلك من عذاب القبر ، ثم عذاب جهنم . { فذوقوا عذابي ونذر } : توكيد وتوبيخ ذلك عند الطمس ، وهذا عند تصبيح العذاب . قيل : وفائدة تكرار هذا ، وتكرار { ولقد يسرنا } ، التجرد عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ، للاتعاظ واستئناف التيقظ إذا سمعوا الحث على ذلك لئلا تستولي عليهم الغفلة ، وهكذا حكم التكرير لقوله : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } [ الرحمن : 55 ] عند كل نعمة عدها في سورة الرحمن . وقوله : { ويل يومئذ للمكذبين } [ المرسلات : 15 ] عند كل آية أوردها في سورة المرسلات ، وكذلك تكرير القصص في أنفسها ، لتكون العبرة حاضرة للقلوب ، مذكورة في كل أوان . { ولقد جاء آل فرعون النذر } : هم موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء ، لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون ، أو يكون جمع نذير المصدر بمعنى الإنذار . { كذبوا بـآياتنا } هي التسع ، والتوكيد هنا كهو في قوله : { ولقد أريناه آياتنا كلها } [ طه : 56 ] والظاهر أن الضمير في : { كذبوا } ، وفي : { فأخذناهم } عائد على آل فرعون . وقيل : هو عائد على جميع من تقدم من الأمم ذكره ، وتم الكلام عند قوله : { النذر } . { فأخذناهم أخذ عزيز } : لا يغالب ، { مقتدر } : لا يعجز شيء . { أكفـاركم } : خطاب لأهل مكة ، { خير من أولئكم } : الإشارة إلى قوم نوح وهود وصالح ولوط ، وإلى فرعون ، والمعنى : أهم خير في القوّة وآلات الحروب والمكانة في الدنيا ، أو أقل كفؤاً وعناداً ؟ فلأجل كونهم خيراً لا يعاقبون على الكفر بالله ، وقفهم على توبيخهم ، أي ليس كفاركم خيراً من أولئكم ، بل هم مثلهم أو شرّ منهم ، وقد علمتم ما لحق أولئك من الهلاك المستأصل لما كذبوا الرسل . { أم لكم براءة في الزبر } : أي ألكم في الكتب الإلهية براءة من عذاب الله تعالى ؟ قاله الضحاك وعكرمة وابن زيد . { أم يقولون نحن جميع } أي واثقون بجماعتنا ، منتصرون بقوتنا ، تقولون ذلك على سبيل الإعجاب بأنفسكم . وقرأ الجمهور : أم يقولون ، بياء الغيبة التفاتاً ، وكذا ما بعده للغائب . وقرأ أبو حيوة وموسى الأسواري وأبو البرهشيم : بتاء الخطاب للكفار ، اتباعا لما تقدم من خطابهم . وقرأوا : ستهزم الجمع ، بفتح التاء وكسر الزاي وفتح العين ، خطاباً للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ وأبو حيوة أيضاً ويعقوب : بالنون مفتوحة وكسر الزاي وفتح العين ؛ والجمهور : بالياء مبنياً للمفعول ، وضم العين . وعن أبي حيوة وابن أبي عبلة أيضاً : بفتح الياء مبنياً للفاعل ونصب العين : أي سيهزم الله الجمع . والجمهور : { ويولون } بياء الغيبة ؛ وأبو حيوة وداود بن أبي سالم ، عن أبي عمرو : بتاء الخطاب . والدبر هنا : اسم جنس ، وجاء في موضع آخر { ليولن الأدبار } [ الحشر : 12 ] وهو الأصل ، وحسن اسم الجنس هنا كونه فاصلة . وقال الزمخشري : { ويولون الدبر } : أي الأدبار ، كما قال : كلوا في بعض بطنكم تعفوا . وقرىء : الأدبار . انتهى ، وليس مثل بطنكم ، لأن مجيء الدبر مفرداً ليس بحسن ، ولا يحسن لإفراد بطنكم . وفي قوله تعالى : { سيهزم الجمع } عدة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بهزيمة جمع قريش ؛ والجمهور : على أنها مكية ، وتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مستشهداً بها . وقيل : نزلت يوم بدر . { بل الساعة موعدهم } : انتقل من تلك الأقوال إلى أمر الساعة التى عذابها أشد عليهم من كل هزيمة وقتال . { والساعة أدهى } : أي أفظع وأشد ، والداهية الأمر : المنكر الذي لا يهتدى لدفعه ، وهي الرزية العظمى تحل بالشخص . { وأمر } من المرارة : استعارة لصعوبة الشيء على النفس . { إن المجرمين في ضلال } : أي في حيرة وتخبط في الدنيا . { وسعر } : أي احتراق في الآخرة ، جعلوا فيه من حيث مصيرهم إليه . وقال ابن عباس : وخسران وجنون ، والسعر : الجنون ، وتقدم مثله في قصة صالح عليه السلام . { يوم يسحبون } : يجرون { في النار } ، وفي قراءة عبد الله : إلى النار . { على وجوههم ذوقوا } : أي مقولاً لهم : { ذوقوا مس سقر } . وقرأ محبوب عن أبي عمرو : مسقر ، بإدغام السين في السين . قال ابن مجاهد : إدغامه خطأ لأنه مشدد . انتهى . والظن بأبي عمرو أنه لم يدغم حتى حذف إحدى السينين لاجتماع الأمثال ، ثم أدغم . { إنا كل شيء خلقناه بقدر } ، قراءة الجمهور : كل شيء بالنصب . وقرأ أبو السمال ، قال ابن عطية وقوم من أهل السنة : بالرفع . قال أبو الفتح : هو الوجه في العربية ، وقراءتنا بالنصب مع الجماعة . وقال قوم : إذا كان الفعل يتوهم فيه الوصف ، وأن ما بعده يصلح للخبر ، وكان المعنى على أن يكون الفعل هو الخبر ، اختير النصب في الاسم الأول حتى يتضح أن الفعل ليس بوصف ، ومنه هذا الموضع ، لأن في قراءة الرفع يتخيل أن الفعل وصف ، وأن الخبر يقدر . فقد تنازع أهل السنة والقدرية الاستدلال بهذه الآية . فأهل السنة يقولون : كل شيء فهو مخلوق لله تعالى بقدرة دليله قراءة النصب ، لأنه لا يفسر في مثل هذا التركيب إلا ما يصح أن يكون خبراً لو وقع الأول على الابتداء . وقالت القدرية : القراءة برفع كل ، وخلقناه في موضع الصفة لكل ، أي إن أمرنا أو شأننا كل شيء خلقناه فهو بقدر أو بمقدار ، على حد ما في هيئته وزمنه وغير ذلك . وقال الزمخشري : { كل شيء } منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر . وقرىء : كل شيء بالرفع ، والقدر والقدر هو التقدير . وقرىء : بهما ، أي خلقنا كل شيء مقدراً محكماً مرتباً على حسب ما اقتضته الحكمة ، أو مقدراً مكتوباً في اللوح ، معلوماً قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه . انتهى . قيل : والقدر فيه وجوه : أحدها : أن يكون بمعنى المقدار في ذاته وصفاته . والثاني : التقدير ، قال تعالى : { فقدرنا فنعم القادرون } [ المرسلات : 23 ] وقال الشاعر : @ ومـا قـدّر الرحمـن مـا هـو قـادر @@ أي ما هو مقدور . والثالث : القدر الذي يقال مع القضاء ، يقال : كان ذلك بقضاء الله وقدره ، والمعنى : أن القضاء ما في العلم ، والقدر ما في الإرادة ، فالمعنى في الآية : { خلقناه بقدر } : أي بقدرة مع إرادة . انتهى . { وما أمرنا إلا واحدة } : أي إلا كلمة واحدة وهي : كن كلمح بالبصر ، تشبيه بأعجل ما يحس ، وفي أشياء أمر الله تعالى أوحى من ذلك ، والمعنى : أنه إذا أراد تكوين شيء لم يتأخر عن إرادته . { ولقد أهلكنا أشياعكم } : أي الفرق المتشايعة في مذهب ودين . { وكل شي فعلوه } : أي فعلته الأمم المكذبة ، محفوظ عليهم إلى يوم القيامة ، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وابن زيد . ومعنى { في الزبر } : في دواوين الحفظة . { وكل صغير وكبير } من الأعمال ، ومن كل ما هو كائن ، { مستطر } : أي مسطور في اللوح . يقال : سطرت واستطرت بمعنى . وقرأ الأعمش وعمران بن حدير وعصمة عن أبي بكر : بشد راء مستطر . قال صاحب اللوامح : يجوز أن يكون من طرّ النبات ، والشارب إذا ظهر وثبت بمعنى : كل شيء ظاهر في اللوح مثبت فيه . ويجوز أن يكون من الاستطار ، لكن شدّد الراء للوقف على لغة من يقول : جعفرّ ونفعلّ بالتشديد وقفاً . انتهى ، ووزنه على التوجيه الأول استفعل ، وعلى الثاني افتعل . وقرأ الجمهور : ونهر على الإفراد ، والهاء مفتوحة ؛ والأعرج ومجاهد وحميد وأبو السمال والفياض بن غزوان : بسكونها ، والمراد به الجنس ، إن أريد به الأنهار ، أو يكون معنى ونهر : وسعة في الأرزاق والمنازل ، ومنه قول قيس بن الحطيم : @ ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها @@ أي : أوسعت فتقها . وقرأ زهير العرقبي والأعمش وأبو نهيك وأبو مجلز واليماني : بضم النون والهاء ، جمع نهر ، كرهن ورهن ، أو نهر كأسد وأسد ، وهو مناسب لجمع جنات . وقيل : نهر جمع نهار ، ولا ليل في الجنة ، وهو بعيد . { في مقعد صدق } : يجوز أن يكون ضد الكذب ، أي في المقعد الذي صدقوا في الخبر به ، وأن يكون من قولك : رجل صدق : أي خير وجود وصلاح . وقرأ الجمهور : في مقعد ، على الإفراد ، يراد به اسم الجنس ؛ وعثمان البتي : في مقاعد على الجمع ؛ وعند تدل على قرب المكانة من الله تعالى ، والله تعالى أعلم .