Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 1-11)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقرأ الجمهور : { الملك } بجرّه وجر ما بعده ؛ وأبو وائل ومسلمة بن محارب ورؤبة وأبو الدّينار الأعرابي : بالرفع على إضمار هو ، وحسنه الفصل الذي فيه طول بين الموصوف والصفة ، وكذلك جاء عن يعقوب . وقرأ أبو الدينار وزيد بن عليّ : القدوس بفتح القاف ؛ والجمهور : بالضم . { هو الذي بعث } الآية : تقدم الكلام في نظيرها في آل عمران وفي نسبة الأمّي . { وآخرين } : الظاهر أنه معطوف على { الأمّيين } ، أي وفي آخرين من الأمّيين لم يلحقوا بهم بعد ، وسيلحقون . وقيل : { وآخرين } منصوب معطوف على الضمير في { ويعلمهم } ، أسند تعليم الآخرين إليه عليه الصلاة والسلام مجازاً لما تناسق التعليم إلى آخر الزمان وتلا بعضه بعضاً ، فكأنه عليه الصلاة والسلام وجد منه . وقال أبو هريرة وغيره : وآخرين هم فارس ، وجاء نصاً عنه في صحيح البخاري ومسلم ، ولو فهم منه الحصر في فارس لم يجز أن يفسر به الآية ، ولكن فهم المفسرون منه أنه تمثيل . فقال مجاهد وابن جبير : الروم والعجم . وقال مجاهد أيضاً وعكرمة ومقاتل : التابعين من أبناء العرب لقوله : { منهم } ، أي في النسب . وقال مجاهد أيضاً والضحاك وابن حبان : طوائف من الناس . وقال ابن عمر : أهل اليمن . وعن مجاهد أيضاً : أبناء الأعاجم ؛ وعن ابن زيد أيضاً : هم التابعون ؛ وعن الضحاك أيضاً : العجم ؛ وعن أبي روق : الصغار بعد الكبار ، وينبغي أن تحمل هذه الأقوال على التمثيل ، كما حملوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم في فارس : { وهو العزيز الحكيم } في تمكينه رجلاً أمّياً من ذلك الأمر العظيم ، وتأييده واختياره من سائر البشر . { ذلك فضل الله } : أي إيتاء النبوة وجعله خير خلقه واسطة بينه وبين خلقه . { مثل الذين حملوا التوراة } : هم اليهود المعاصرون للرسول صلى الله عليه وسلم ، كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها ، ولم يطيقوا القيام بها حين كذّبوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي ناطقة بنبوته . وقرأ الجمهور : حملوا مشدداً مبنياً للمفعول ؛ ويحيـى بن يعمر وزيد بن عليّ : مخففاً مبنياً للفاعل . شبه صفتهم بصفة الحمار الذي يحمل كتباً ، فهو لا يدري ما عليه ، أكتب هي أم صخر وغير ذلك ؟ وإنما يدرك من ذلك ما يلحقه من التعب بحملها . وقال الشاعر في نحو ذلك : @ زوامل للأشعار لا علم عندهم بجيدها إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدري البعير إذا غدى بأوساقه أو راح ما في الغرائر @@ وقرأ عبد الله : حمار منكراً ؛ والمأمون بن هارون : يحمل بشد الميم مبنياً للمفعول . والجمهور : الحمار معرفاً ، ويحمل مخففاً مبنياً للفاعل ، ويحمل في موضع نصب على الحال . قال الزمخشري : أو الجر على الوصف ، لأن الحمار كاللئيم في قوله : @ ولقـد أمـر علـى اللئيـم يسبنـي @@ انتهى . وهذا الذي قاله قد ذهب إليه بعض النحويين ، وهو أن مثل هذا من المعارف يوصف بالجمل ، وحملوا عليه { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } [ يس : 37 ] وهذا وأمثاله عند المحققين في موضع الحال ، لا في موضع الصفة . ووصفه بالمعرفة ذي اللام دليل على تعريفه مع ما في ذلك المذهب من هدم ما ذكره المتقدمون من أن المعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة ، والجمل نكرات . { بئس مثل القوم } . قال الزمخشري : بئس مثلاً مثل القوم . انتهى . فخرجه على أن يكون التمييز محذوفاً ، وفي بئس ضمير يفسره مثلاً الذي ادعى حذفه . وقد نص سيبويه على أن التمييز الذي يفسره الضمير المستكن في نعم وبئس وما أجري مجراهما لا يجوز حذفه . وقال ابن عطية : والتقدير بئس المثل مثل القوم . انتهى . وهذا ليس بشيء ، لأن فيه حذف الفاعل ، وهو لا يجوز . والظاهر أن { مثل القوم } فاعل { بئس } ، والذين كفروا هو المخصوص بالذم على حذف مضاف ، أي مثل الذين كذبوا بآيات الله ، وهم اليهود ، أو يكون { الذين كذبوا } صفة للقوم ، والمخصوص بالذم محذوف ، التقدير : بئس مثل القوم المكذبين مثلهم ، أي مثل هؤلاء الذين حملوا التوراة . روي أنه لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كتبت يهود المدينة ليهود خيبر : إن اتبعتموه أطعناكم ، وإن خالفتموه خالفناه ، فقالوا لهم : نحن أبناء خليل الرحمن ، ومنا عزير بن الله والأنبياء ، ومتى كانت النبوة في العرب نحن أحق بها من محمد ، ولا سبيل إلى اتباعه ، فنزلت : { قل يا أيها الذين هادوا } ، وكانوا يقولون { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ، وإن كان قولكم حقاً فتمنوا أن تنقلوا سريعاً إلى دار كرامته المعدة لأوليائه ، وتقدم تفسير نظير بقية الآية في سورة البقرة . وقرأ الجمهور : { فتمنوا الموت } ، بضم الواو ؛ وابن يعمر وابن أبي إسحاق وابن السميفع : بكسرها ؛ وعن ابن السميفع أيضاً : فتحها . وحكى الكسائي عن بعض الأعراب أنه قرأ بالهمز مضمومة بدل الواو ، وهذا كقراءة من قرأ : تلؤون بالهمز بدل الواو . قال الزمخشري : ولا فرق بين لا ولن في أن كل واحد منهما نفي للمستقبل ، إلا أن في لن تأكيداً وتشديداً ليس في لا ، فأتى مرة بلفظ التأكيد : { ولن يتمنوه } [ البقرة : 95 ] ومرة بغير لفظه : { ولا يتمنونه } ، وهذا منه رجوع عن مذهبه في أن لن تقتضي النفي على التأبيد إلى مذهب الجماعة في أنها لا تقتضيه ، وأما قوله : إلا أن في لن تأكيداً وتشديداً ليس في لا ، فيحتاج ذلك إلى نقل عن مستقري اللسان . وقرأ الجمهور : { فإنه } ، والفاء دخلت في خبر إن إذا جرى مجرى صفته ، فكان إن باشرت الذي ، وفي الذي معنى الشرط ، فدخلت الفاء في الخبر ، وقد منع هذا قوم ، منهم الفراء ، وجعلوا الفاء زائدة . وقرأ زيد بن علي : إنه بغير فاء ، وخرجه الزمخشري على الاستئناف ، وخبر إن هو الذي ، كأنه قال : قل إن الموت هو الذي تفرون منه . انتهى . ويحتمل أن يكون خبر أن هو قوله : أنه ملاقيكم ، فالجملة خبر إن ، ويحتمل أن يكون إنه توكيداً ، لأن الموت وملاقيكم خبر إن . لما طال الكلام ، أكد الحرف مصحوباً بضمير الاسم الذي لإن . { إذا نودي } : أي إذا أذن ، وكان الأذان عند قعود الإمام على المنبر . وكذا كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، كان إذا صعد على المنبر أذن على باب المسجد ، فإذا نزل بعد الخطبة أقيمت الصلاة . وكذا كان في عهد أبي بكر وعمر إلى زمان عثمان ، كثر الناس وتباعدت المنازل ، فزاد مؤذناً آخر على داره التي تسمى الزوراء ، فإذا جلس على المنبر أذن الثاني ، فإذا نزل من المنبر أقيمت الصلاة ، ولم يعب ذلك أحد على عثمان رضى الله عنه . فإن قلت : من في قوله : { من يوم الجمعة } ما هي ؟ قلت : هي بيان لإذا وتفسير له . انتهى . وقرأ الجمهور : الجمعة بضم الميم ؛ وابن الزبير وأبو حيوة وابن أبي عبلة ، ورواية عن أبي عمرو وزيد بن علي والأعمش : بسكونها ، وهي لغة تميم ، ولغة بفتحها لم يقرأ بها ، وكان هذا اليوم يسمى عروبة ، ويقال : العروبة . قيل : أول من سماه الجمعة كعب بن لؤي ، وأول جمعة صليت جمعة سعد بن أبي زرارة ، صلى بهم ركعتين وذكرهم ، فسموهم يوم الجمعة لاجتماعهم فيه ، فأنزل الله آية الجمعة ، فهي أول جمعة جمعت في الإسلام . وأما أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما قدم المدينة ، نزل بقباء على بني عمرو بن عوف ، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس مسجدهم ، ثم خرج يوم الجمعة عامداً المدينة ، فأدرك صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف ، في بطن واد لهم ، فخطب وصلى الجمعة . والظاهر وجوب السعي لقوله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } ، وأنه يكون في المشي خفة وبدار . وقال الحسن وقتادة ومالك وغيرهم : إنما تؤتى الصلاة بالسكينة ، والسعي هو بالنية والإرادة والعمل ، وليس الإسراع في المشي ، كالسعي بين الصفا والمروة ؛ وإنما هو بمعنى قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } [ النجم : 39 ] فالقيام والوضوء ولبس الثوب والمشي كله سعي . والظاهر أن الخطاب بالأمر بالسعي للمؤمنين عموماً ، وأنهما فرض على الأعيان . وعن بعض الشافعية ، أنها فرض كفاية ، وعن مالك رواية شاذة : أنها سنة . وقال القاضي أبو بكر بن العربي : ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الرواح إلى الجمعة واجب على كل مسلم " وقالوا : المأمور بالسعي المؤمن الصحيح الحر الذكر المقيم . فلو حضر غيره أجزأتهم . انتهى . والمسافة التي يسعى منها إلى صلاة الجمعة لم تتعرض الآية لها ، واختلف الفقهاء في ذلك . فقال ابن عمرو وأبو هريرة وأنس والزهري : ستة أميال . وقيل : خمسة . وقال ربيعة : أربعة أميال . وروي ذلك عن الزهري وابن المنكدر . وقال مالك والليث : ثلاثة . وقال أبو حنيفة وأصحابه : على من في المصر ، سمع النداء أو لم يسمع ، لا على من هو خارج المصر ، وإن سمع النداء . وعن ابن عمر وابن المسيب والزهري وأحمد وإسحاق : على من سمع النداء . وعن ربيعة : على من إذا سمع النداء وخرج من بيته ماشياً أدرك الصلاة . وقرأ كبراء من الصحابة والتابعين : فامضوا بدل { فاسعوا } ، وينبغي أن يحمل على التفسير من حيث أنه لا يراد بالسعي هنا الإسراع في المشي ، ففسروه بالمضي ، ولا يكون قرآناً لمخالفته سواد ما أجمع عليه المسلمون . وذكر الله هنا الخطبة ، قاله ابن المسيب ، وهي شرط في انعقاد الجمعة عند الجمهور . وقال الحسن : هي مستحبة ، والظاهر أنه يجزىء من ذكر الله تعالى ما يسمى ذكراً . قال أبو حنيفة : لو قال الحمد لله أو سبحان الله واقتصر عليه جاز ، وقال غيره : لا بد من كلام يسمى خطبة ، وهو قول الشافعي وأبي سفيان ومحمد بن الحسن ، والظاهر تحريم البيع ، وأنه لا يصح . وقال ابن العربي : يفسخ ، وهو الصحيح . وقال الشافعي : ينعقد ولا يفسخ ، وكلما يشغل من العقود كلها فهو حرام شرعاً ، مفسوخ ورعاً . انتهى . وإنما ذكر البيع من بين سائر المحرمات ، لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق ، إذ يكثر الوافدون الأمصار من القرى ويجتمعون للتجارة إذا تعالى النهار ، فأمروا بالبدار إلى تجارة الآخرة ، ونهوا عن تجارة الدنيا ، ووقت التحريم من الزوال إلى الفراغ من الصلاة ، قاله الضحاك والحسن وعطاء . وقال ناس غيرهم : من وقت أذان الخطبة إلى الفراغ ، والإشارة بذلكم إلى السعي وترك البيع ، والأمر بالانتشار والابتغاء أمر إباحة ، وفضل الله هو ما يلبسه في حالة حسنة ، كعيادة المريض ، وصلة صديق ، واتباع جنازة ، وأخذ في بيع وشراء ، وتصرفات دينية ودنيوية ؛ فأمر مع ذلك بإكثار ذكر الله . وقال مكحول والحسن وابن المسيب : الفضل : المأمور بابتغائه هو العلم . وقال جعفر الصادق : ينبغي أن يكون فجر صبح يوم السبت ، ويعني أن يكون بقية يوم الجمعة في عبادة . وروي أنه كان أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر ، فقدم دحية بعير تحمل ميرة . قال مجاهد : وكان من عرفهم أن يدخل بالطبل والمعازف من درابها ، فدخلت بها ، فانفضوا إلى رؤية ذلك وسماعه ، وتركوه صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر في اثني عشر رجلاً . قال جابر : أنا أحدهم . قال أبو بكر غالب بن عطية : هم العشرة المشهود لهم بالجنة ، والحادي عشر قيل : عمار . وقيل : ابن مسعود . وقيل : ثمانية ، قالوا : فنزلت : { وإذا رأوا تجارة } . وقرأ الجمهور : { إليها } بضمير التجارة ؛ وابن أبي عبلة : إليه بضمير اللهو ، وكلاهما جائز ، نص عليه الأخفش عن العرب . وقال ابن عطية : وقال إليها ولم يقل إليهما تهمماً بالأهم ، إذ كانت سبب اللهو ، ولم يكن اللهو سببها . وتأمّل أن قدّمت التجارة على اللهو في الرؤية لأنها أهم ، وأخرت مع التفضيل لتقع النفس أولاً على الأبين . انتهى . وفي قوله : { قائماً } دلالة على مشروعية القيام في الخطبة . وأول من استراح في الخطبة عثمان ، وأول من خطب جالساً معاوية . وقرىء : إليهما بالتثنية للضمير ، كقوله تعالى : { إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما } [ النساء : 135 ] وتخريجه على أن يتجوّز بأو ، فتكون بمعنى الواو ، وقد تقدّم غير هذا التخريج في قوله : { فالله أولى بهما } في موضعه في سورة النساء . وناسب ختمها بقوله : { والله خير الرازقين } ، لأنهم كانوا قد مسهم شيء من غلاء الأسعار ، كما تقدم في سبب النزول ، وقد ملأ المفسرون كثيراً من أوراقهم بأحكام وخلاف في مسائل الجمعة مما لا تعلق لها بلفظ القرآن .