Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-10)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أن ما قبلها مشتمل على حال المنافقين ، وفي آخرها خطاب المؤمنين ، فأتبعه بما يناسبه من قوله : { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } ، هذا تقسيم في الإيمان والكفر بالنظر إلى الاكتساب عند جماعة من المتأولين لقوله : " كل مولود يولد على الفطرة " ، وقوله تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } [ الروم : 30 ] . وقيل : ذانك في أصل الخلقة ، بدليل ما في حديث النطفة من قول الملك : أشقيّ أم سعيد ؟ والغلام الذي قتله الخضر عليه السلام أنه طبع يوم طبع كافراً . وما روى ابن مسعود أنه عليه الصلاة والسلام قال : " خلق الله فرعون في البطن كافراً " وحكى يحيـى بن زكريا : في البطن مؤمناً . وعن عطاء بن أبي رباح : { فمنكم كافر } بالله ، { مؤمن } بالكواكب ؛ ومؤمن بالله وكافر بالكوكب . وقدّم الكافر لكثرته . ألا ترى إلى قوله تعالى : { وقليل من عبادي الشكور } [ سبأ : 13 ] وحين ذكر الصالحين قال : { وقليل ما هم } [ ص : 24 ] وقال الزمخشري : فمنكم آت بالكفر وفاعل له ، ومنكم آت بالإيمان وفاعل له ، كقوله تعالى : { وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون } [ الحديد : 26 ] والدليل عليه قوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } : أي عالم بكفركم وإيمانكم اللذين هما من قبلكم ، والمعنى : الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد عن العدم ، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح ، وتكونوا بأجمعكم عباداً شاكرين . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . وقال أيضاً : وقيل : { هو الذي خلقكم فمنكم كافر } بالخلق : هم الدهرية ، { ومنكم مؤمن } به . وعن الحسن : في الكلام حذف دل عليه تقديره : ومنكم فاسق ، وكأنه من كذب المعتزلة على الحسن . وتقدم الجار والمجرور في قوله : { له الملك وله الحمد } ، قال الزمخشري : ليدل بتقدمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله عز وجل ، وذلك لأن الملك على الحقيقة له ، لأنه مبدىء كل شيء ومبدعه ، والقائم به المهيمن عليه ؛ وكذلك الحمد ، لأن أصول النعم وفروعها منه . وأما ملك غيره فتسليط منه ، وحمده اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده . وقرأ الجمهور : { صوركم } بضم الصاد ؛ وزيد بن عليّ وأبو رزين : بكسرها ، والقياس الضم ، وهذا تعديد للنعمة في حسن الخلقة ، لأن أعضاء بني آدم متصرّفة بجميع ما تتصرّف فيه أعضاء الحيوان ، وبزيادة كثيرة فضل بها . ثم هو مفضل بحسن الوجه وجمال الجوارح ، كما قال تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } [ التين : 4 ] وقيل : النعمة هنا إنما هي صورة الإنسان من حيث هو إنسان مدرك عاقل ، فهذا هو الذي حسن له حتى لحقته كمالات كثيرة ، وتكاد العرب لا تعرف الصورة إلا الشكل ، لا المعنى القائم بالصورة . ونبه تعالى بعلمه بما في السموات والأرض ، ثم بعلمه بما يسر العباد وما يعلنونه ، ثم بعلمه بما أكنته الصدور على أنه تعالى لا يغيب عن علمه شيء ، لا من الكليات ولا من الجزئيات ، فابتدأ بالعلم الشامل للعالم كله ، ثم بخاص العباد من سرّهم وإعلانهم ، ثم ما خص منه ، وهو ما تنطوي عليه صدورهم من خفي الأشياء وكامنها ، وهذا كله في معنى الوعيد ، إذ هو تعالى المجازي على جميع ذلك بالثواب والعقاب . وقرأ الجمهور : { ما تسرون وما تعلنون } بتاء الخطاب ؛ وعبيد عن أبي عمرو ، وأبان عن عاصم : بالياء . { ألم يأتكم } : الخطاب لقريش ، ذكروا بما حل بالكفار قبلهم عاد وثمود وقوم إبراهيم وغيرهم ممن صرح بذكرهم في سورة براءة وغيرها ، وقد سمعت قريش أخبارهم ، { فذاقوا وبال أمرِهم } : أي مكروههم وما يسوؤهم منه . { ذلك } : أي الوبال ، { بأنه } : أي بأن الشأن والحديث استبعدوا أن يبعث الله تعالى من البشر رسولاً ، كما استبعدت قريش ، فقالوا على سبيل الاستغراب : { أبشر يهدوننا } ، وذلك أنهم يقولون : نحن متساوون في البشرية ، فأنى يكون لهؤلاء تمييز علينا بحيث يصيرون هداة لنا ؟ وارتفع { أبشر } عند الجوفي وابن عطية على الابتداء ، والخبر { يهدوننا } ، والأحسن أن يكون مرفوعاً على الفاعلية ، لأن همزة الاستفهام تطلب الفعل ، فالمسألة من باب الاشتغال . { فكفروا } : العطف بالفاء يدل على تعقب كفرهم مجيء الرسل بالبينات ، أي لم ينظروا في تلك البينات ولا تأمّلوها ، بل عقبوا مجيئها بالكفر ، { واستغنى الله } : استفعل بمعنى الفعل المجرد ، وغناه تعالى أزلي ، فالمعنى : أنه ظهر تعالى غناه عنهم إذ أهلكهم ، وليست استفعل هنا للطلب . وقال الزمخشري : معناه : وظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان ، ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك . انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال . والزعم : تقدم تفسيره ، والذين كفروا : أهل مكة ، وبلى : إثبات لما بعد حرف النفي ، { وذلك على الله يسير } : أي لا يصرفه عنه صارف . { فآمنوا بالله ورسوله } : وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، { والنور الذي أنزلنا } : هو القرآن ، وانتصب { يوم يجمعكم } بقوله : { لتنبؤن } ، أو بخبير ، بما فيه من معنى الوعيد والجزاء ، أو باذكر مضمرة ، قاله الزمخشري ؛ والأول عن النحاس ، والثاني عن الحوفي . وقرأ الجمهور : يجمعكم بالياء وضم العين ؛ وروي عنه سكونها وإشمامها الضم ؛ وسلام ويعقوب وزيد بن علي والشعبي : بالنون . { ليوم الجمع } : يجمع فيه الأولون والآخرون ، وذلك أن كل واحد يبعث طامعاً في الخلاص ورفع المنزلة . { ذلك يوم التغابن } : مستعار من تغابن القوم في التجارة ، وهو أن يغبن بعضهم بعضاً ، لأن السعداء نزلوا منازل الأشقياء لو كانوا سعداء ، ونزل الأشقياء منازل السعداء لو كانوا أشقياء ، وفي الحديث : " ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً ، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة " ، وذلك معنى يوم التغابن . وعن مجاهد وغيره : إذا وقع الجزاء ، غبن المؤمنون الكافرين لأنهم يجوزون الجنة وتحصل الكفار في النار . وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر وطلحة ونافع وابن عامر والمفضل عن عاصم وزيد بن عليّ والحسن بخلاف عنه : نكفر وندخله بالنون فيهما ؛ والأعمش وعيسى والحسن وباقي السبعة : بالياء فيهما .