Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 8-12)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدم الكلام على كأين في آل عمران ، وعلى نكراً في الكهف . { عتت } : أعرضت ، { عن أمر ربها } ، على سبيل العناد والتكبر . والظاهر في { فحاسبناها } الجمل الأربعة ، إن ذلك في الدنيا لقوله بعدها : { أعد الله لهم عذاباً شديداً } ، وظاهره أن المعد عذاب الآخرة ، والحساب الشديد هو الاستقصاء والمناقشة ، فلم تغتفر لهم زلة ، بل أخذوا بالدقائق من الذنوب . وقيل : الجمل الأربعة من الحساب والعذاب والذوق والخسر في الآخرة ، وجيء به على لفظ الماضي ، كقوله : { ونادى أصحاب الجنة } [ الأعراف : 44 ] ويكون قوله : { أعد الله لهم } تكريراً للوعيد وبياناً لكونه مترقباً ، كأنه قال : أعد الله لهم هذا العذاب . وقال الكلبي : الحساب في الآخرة ، والعذاب النكير في الدنيا بالجوع والقحط والسيف . ولما ذكر ما حل بهذه القرية العاتية ، أمر المؤمنين بتقوى الله تحذيراً من عقابه ، ونبه على ما يحض على التقوى ، وهو إنزال الذكر . والظاهر أن الذكر هو القرآن ، وأن الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم . فإما أن يجعل نفس الذكر مجازاً لكثرة يقدر منه الذكر ، فكأنه هو الذكر ، أو يكون بدلاً على حذف مضاف ، أي ذكر رسول . وقيل : { رسولاً } نعت على حذف مضاف ، أي ذكراً ، ذا رسول . وقيل : المضاف محذوف من الأول ، أي ذا ذكر رسولاً ، فيكون رسولاً نعتاً لذلك المحذوف أو بدلاً . وقيل : رسول بمعنى رسالة ، فيكون بدلاً من ذكر ، أو يبعده قوله بعده { يتلو عليكم } ، والرسالة لا تسند التلاوة إليها إلا مجازاً . وقيل : الذكر أساس أسماء النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : الذكر : الشرف لقوله : { وإنه لذكر لك ولقومك } [ الزخرف : 44 ] فيكون رسولاً بدلاً منه وبياناً له . وقال الكلبي : الرسول هنا جبريل عليه السلام ، وتبعه الزمخشري فقال : رسولاً هو جبريل صلوات الله وسلامه عليه ، أبدل من ذكراً لأنه وصف بتلاوة آيات الله ، فكان إنزاله في معنى إنزال الذكر ، فصح إبداله منه . انتهى . ولا يصح لتباين المدلولين بالحقيقة ، ولكونه لا يكون بدل بعض ولا بدل اشتمال ، وهذه الأعاريب على أن يكون ذكراً ورسولاً لشيء واحد . وقيل : رسولاً منصوب بفعل محذوف ، أي بعث رسولاً ، أو أرسل رسولاً ، وحذف لدلالة أنزل عليه ، ونحا إلى هذا السدي ، واختاره ابن عطية . وقال الزجاج وأبو علي الفارسي : يجوز أن يكون رسولاً معمولاً للمصدر الذي هو الذكر . انتهى . فيكون المصدر مقدراً بأن ، والقول تقديره : إن ذكر رسولاً وعمل منوناً كما عمل ، أو { إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً } [ البلد : 14 - 15 ] كما قال الشاعر : @ بضرب بالسيوف رؤوس قوم أزلنا هامهن عن المقيل @@ وقرىء : رسول بالرفع على إضمار هو ليخرج ، يصح أن يتعلق بيتلو وبأنزل . { الذين آمنوا } : أي الذين قضى وقدر وأراد إيمانهم ، أو أطلق عليهم آمنوا باعتبار ما آل أمرهم إليه . وقال الزمخشري : ليحصل لهم ما هم عليه الساعة من الإيمان والعمل الصالح ، لأنهم كانوا وقت إنزاله غير مؤمنين ، وإنما آمنوا بعد الإنزال والتبليغ . انتهى . والضمير في { ليخرج } عائد على الله تعالى ، أو على الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو على الذكر . { ومن يؤمن } : راعى اللفظ أولاً في من الشرطية ، فأفرد الضمير في { يؤمن } ، { ويعمل } ، و { يدخله } ، ثم راعى المعنى في { خالدين } ، ثم راعى اللفظ في { قد أحسن الله له } فأفرد . واستدل النحويون بهذه الآية على مراعاة اللفظ أولاً ، ثم مراعاة المعنى ، ثم مراعاة اللفظ . وأورد بعضهم أن هذا ليس كما ذكروا ، لأن الضمير في { خالدين } ليس عائداً على من ، بخلاف الضمير في { يؤمن } ، { ويعمل } ، و { يدخله } ، وإنما هو عائد على مفعول { يدخله } ، و { خالدين } حال منه ، والعامل فيها { يدخله } لا فعل الشرط . { الله الذي خلق سبع سماواتٍ } : لا خلاف أن السموات سبع بنص القرآن والحديث ، كما جاء في حديث الإسراء ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لسعد : " حكمت بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة " ، وغيره من نصوص الشريعة . وقرأ الجمهور : { مثلهن } بالنصب ؛ والمفضل عن عاصم ، وعصمة عن أبي بكر : مثلُهن بالرفع فالنصب ، قال الزمخشري : عطفاً على { سبع سماواتٍ } . انتهى ، وفيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف ، وهو الواو ، والمعطوف ؛ وهو مختص بالضرورة عند أبي عليّ الفارسي ، وأضمر بعضهم العامل بعد الواو لدلالة ما قبله عليه ، أي وخلق من الأرض مثلهن ، فمثلهن مفعول للفعل المضمر لا معطوف ، وصار ذلك من عطف الجمل والرفع على الابتداء ، { ومن الأرض } الخبر ، والمثلية تصدق بالاشتراك في بعض الأوصاف . فقال الجمهور : المثلية في العدد : أي مثلهن في كونها سبع أرضين . وفي الحديث : " طوقه من سبع أرضين " " ورب الأرضين السبع وما أقللن " ، فقيل : سبع طباق من غير فتوق . وقيل : بين كل طبقة وطبقة مسافة . قيل : وفيها سكان من خلق الله . قيل : ملائكة وجن . وعن ابن عباس ، من رواية الواقدي الكذاب ، قال : في كل أرض آدم كآدم ، ونوح كنوح ، ونبي كنبيكم ، وإبراهيم كإبراهيمكم ، وعيسى كعيسى ، وهذا حديث لا شك في وضعه . وقال أبو صالح : إنها سبع أرضين منبسطة ، ليس بعضها فوق بعض ، تفرق بينها البحار ، وتظل جميعها السماء . { يتنزل الأمر بينهن } : من السموات السبع إلى الأرضين السبع . وقال مقاتل وغيره : الأمر هنا الوحي ، فبينهن إشارة إلى بين هذه الأرض التي هي أدناها وبين السماء السابعة . وقال الأكثرون : الأمر : القضاء ، فبينهن إشارة إلى بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها . وقيل : { يتنزل الأمر بينهن } بحياة وموت وغنى وفقر . وقيل : هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبير . وقرأ الجمهور : { يتنزل } مضارع تنزل . وقرأ عيسى وأبو عمر ، وفي رواية : ينزل مضارع نزل مشدّداً ، الأمر بالنصب ؛ والجمهور : { لتعلموا } بتاء الخطاب . وقرىء : بياء الغيبة ، والله تعالى أعلم .