Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 66, Ayat: 8-12)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكروا في النصوح أربعة وعشرين قولاً . وروي عن عمر وعبد الله وأبي ومعاذ أنها التي لا عودة بعدها ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع ، ورفعه معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقرأ الجمهور : { نصوحاً } بفتح النون ، وصفاً لتوبة ، وهو من أمثلة المبالغة ، كضروب وقتول . وقرأ الحسن والأعرج وعيسى وأبو بكر عن عاصم ، وخارجة عن نافع : بضمها ، هو مصدر وصف به ، ووصفها بالنصح على سبيل المجاز ، إذ النصح صفة التائب ، وهو أن ينصح نفسه بالتوبة ، فيأتي بها على طريقها ، وهي خلوصها من جميع الشوائب المفسدة لها ، من قولهم : عسل ناصح ، أي خالص من الشمع ، أو من النصاحة وهي الخياطة ، أي قد أحكمها وأوثقها ، كما يحكم الخياط الثوب بخياطته وتوثيقه . وسمع عليّ أعرابياً يقول : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك ، فقال : يا هذا إن سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين ، قال : وما التوبة ؟ قال : يجمعها ستة أشياء : على الماضي من الذنوب الندامة ، وعلى الفرائض الإعادة ، ورد المظالم واستحلال الخصوم ، وأن يعزم على أن لا يعود ، وأن تدئب نفسك في طاعة الله كما أدأبتها في المعصية ، وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعاصي . وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه . انتهى . ونصوحاً من نصح ، فاحتمل وهو الظاهر أن تكون التوبة تنصح نفس التائب ، واحتمل أن يكون متعلق النصح الناس ، أي يدعوهم إلى مثلها لظهور أمرها على صاحبها . وقرأ زيد بن علي : توباً بغير تاء ، ومن قرأ بالضم جاز أن يكون مصدراً وصف كما قدمناه ، وجاز أن يكون مفعولاً له ، أي توبوا لنصح أنفسكم . وقرأ الجمهور : { ويدخلكم } عطفاً على { أن يكفر } . وقال الزمخشري : عطفاً على محل عسى أن يكفر ، كأنه قيل : توبوا يوجب تكفير سيآتكم ويدخلكم . انتهى . والأولى أن يكون حذف الحركة تخفيفاً وتشبيهاً لما هو من كلمتين بالكلمة الواحدة ، تقول في قمع ونطع : قمع ونطع . { يوم لا يخزي } منصوب بيدخلكم ، ولا يخزي تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر ، والنبي هو محمد رسول صلى الله عليه وسلم ، " وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم تضرع إلى الله عز وجل في أمر أمته ، فأوحى الله تعالى إليه : إن شئت جعلت حسابهم إليك ، فقال : يا رب أنت أرحم بهم ، فقال تعالى : إذاً لا أخزيك فيهم " وجاز أن يكون : { والذين } معطوفاً على { النبي } ، فيدخلون في انتفاء الخزي . وجاز أن يكون مبتدأ ، والخبر { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } . وقرأ سهل بن شعيب وأبو حيوة : وبإيمانهم بكسر الهمزة ، وتقدم في الحديث . { يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } . قال ابن عباس والحسن : يقولون ذلك إذا طفىء نور المنافقين . وقال الحسن أيضاً : يدعونه تقرباً إليه ، كقوله : { واستغفـر لذنبِك } [ محمد : 19 ] وهو مغفور له . وقيل : يقوله من يمر على الصراط زحفاً وحبوا . وقيل : يقوله من يعطى من النور مقدار ما يبصر به موضع قدميه . { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين } : تقدم نظير هذه الآية في التوبة . { ضرب الله مثلاً للذين كفروا } : ضرب تعالى المثل لهم بامرأة نوح وامرأة لوط في أنهم لا ينفعهم في كفرهم لحمة نسب ولا وصلة صهر ، إذ الكفر قاطع العلائق بين الكافر والمؤمن ، وإن كان المؤمن في أقصى درجات العلا . ألا ترى إلى قوله تعالى : { إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } [ هود : 46 ] كما لم ينفع تينك المرأتين كونهما زوجتي نبيين . وجاءت الكناية عن اسمهما العلمين بقوله : { عبدين من عبادنا } ، لما في ذلك من التشريف بالإضافة إليه تعالى . ولم يأت التركيب بالضمير عنهما ، فيكون تحتهما لما قصد من ذكر وصفهما بقوله : { صالحين } ، لأن الصلاح هو الوصف الذي يمتاز به من اصطفاه الله تعالى بقوله في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام : { وإنه في الآخرة لمن الصـالحين } [ البقرة : 130 ] وفي قول يوسف عليه السلام : { وألحقني بالصالحين } [ يوسف : 101 ] وقول سليمان عليه الصلاة والسلام : { وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } [ النمل : 19 ] . { فخانتاهما } ، وذلك بكفرهما وقول امرأة نوح عليه السلام : هو مجنون ، ونميمة امرأة لوط عليه السلام بمن ورد عليه من الأضياف ، قاله ابن عباس . وقال : لم تزن امرأة نبي قط ، ولا ابتلي في نسائه بالزنا . قال في التحرير : وهذا إجماع من المفسرين ، وفي كتاب ابن عطية . وقال الحسن في كتاب النقاش : فخانتاهما بالكفر والزنا وغيره . وقال الزمخشري : ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور ، لأنه سمج في الطباع نقيصة عند كل أحد ، بخلاف الكفر ، فإن الكفر يستسمجونه ويسمونه حقاً . وقال الضحاك : خانتاهما بالنميمة ، كان إذا أوحى إليه بشيء أفشتاه للمشركين ، وقيل : خانتاهما بنفاقهما . قال مقاتل : اسم امرأة نوح والهة ، واسم امرأة لوط والعة . { فلم يغنيا } بياء الغيبة ، والألف ضمير نوح ولوط : أي على قربهما منهما فرق بينهما الخيانة . { وقيل ادخلا النار } : أي وقت موتهما ، أو يوم القيامة ؛ { مع الداخلين } : الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو مع من دخلها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط . وقرأ مبشر بن عبيد : تغنيا بالتاء ، والألف ضمير المرأتين ، ومعنى { عنهما } : عن أنفسهما ، ولا بد من هذا المضاف إلا أن يجعل عن اسما ، كهي في : دع عنك ، لأنها إن كانت حرفاً ، كان في ذلك تعدية الفعل الرافع للضمير المتصل إلى ضمير المجرور ، وهو يجري مجرى المنصوب المتصل ، وذلك لا يجوز . { وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون } : مثل تعالى حال المؤمنين في أن وصلة الكفار لا تضرهم ولا تنقص من ثوابهم بحال امرأة فرعون ، واسمها آسية بنت مزاحم ، ولم يضرها كونها كانت تحت فرعون عدوّ الله تعالى والمدعي الإلهية ، بل نجاها منه إيمانها ؛ وبحال مريم ، إذ أوتيت من كرامة الله تعالى في الدنيا والآخرة ، والاصطفاء على نساء العالمين ، مع أن قومها كانوا كفاراً . { إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة } : هذا يدل على إيمانها وتصديقها بالبعث . قيل : كانت عمة موسى عليه السلام ، وآمنت حين سمعت بتلقف عصاه ما أفك السحرة . طلبت من ربها القرب من رحمته ، وكان ذلك أهم عندها ، فقدمت الظرف ، وهو { عندك بيتاً } ، ثم بينت مكان القرب فقالت : { في الجنة } . وقال بعض الظرفاء : وقد سئل : اين في القرآن مثل قولهم : الجار قبل الدار ؟ قال : قوله تعالى { ابن لي عندك بيتاً في الجنة } ، فعندك هو المجاورة ، وبيتاً في الجنة هو الدار ، وقد تقدم { عندك } على قوله : { بيتًا } . { ونجني من فرعون } ، قيل : دعت بهذه الدعوات حين أمر فرعون بتعذيبها لما عرف إيمانها بموسى عليه السلام . وذكر المفسرون أنواعاً مضطربة في تعذيبها ، وليس في القرآن نصاً أنها عذبت . وقال الحسن : لما دعت بالنجاة ، نجاها الله تعالى أكرم نجاة ، فرفعها إلى الجنة تأكل وتشرب وتتنعم . وقيل : لما قالت : { ابن لي عندك بيتاً في الجنة } ، أريت بيتها في الجنة يبنى ، { وعمله } ، قيل : كفره . وقيل : عذابه وظلمه وشماتته . وقال ابن عباس : الجماع . { ونجني من القوم الظالمين } ، قال : أهل مصر ، وقال مقاتل : القبط ، وفي هذا دليل على الالتجاء إلى الله تعالى عند المحن وسؤال الخلاص منها ، وإن ذلك من سنن الصالحين والأنبياء . { ومريم } : معطوف على امرأة فرعون ، { ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا } : تقدم تفسير نظير هذه في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وقرأ الجمهور : ابنت بفتح التاء ؛ وأيوب السختياني : ابنه بسكون الهاء وصلاً أجراه مجرى الوقف . وقرأ الجمهور : { فنفخنا فيه } : أي في الفرج ؛ وعبد الله : فيها ، كما في سورة الأنبياء ، أي في الجملة . وجمع تعالى في التمثيل بين التي لها زوج والتي لا زوج لها تسلية للأرامل وتطييباً لقلوبهن . وقرأ الجمهور : { وصدقت } بشد الدال ؛ ويعقوب وأبو مجلز وقتادة وعصمة عن عاصم : بخفها ، أي كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى عليه السلام ، وما أظهر الله له من الكرامات . وقرأ الجمهور : وكلماته جمعاً ، فاحتمل أن تكون الصحف المنزلة على إدريس عليه السلام وغيره ، وسماها كلمات لقصرها ، ويكون المراد بكتبه : الكتب الأربعة . واحتمل أن تكون الكلمات : ما كلم الله تعالى به ملائكته وغيرهم ، وبكتبه : جميع ما يكتب في اللوح وغيره . واحتمل أن تكون الكلمات : ما صدر في أمر عيسى عليه السلام . وقرأ الحسن ومجاهد والجحدري : بكلمة على التوحيد ، فاحتمل أن يكون اسم جنس ، واحتمل أن يكون كناية عن عيسى ، لأنه قد أطلق عليه أنه كلمة الله ألقاها إلى مريم . وقرأ أبو عمرو وحفص : وكتبه جمعاً ، ورواه كذلك خارجة عن نافع . وقرأ باقي السبعة : وكتابه على الإفراد ، فاحتمل أن يراد به الجنس ، وأن يراد به الإنجيل لا سيما إن فسرت الكلمة بعيسى . وقرأ أبو رجاء : وكتبه . قال ابن عطية : بسكون التاء وكتبه ، وذلك كله مراد به التوراة والإنجيل . وقال صاحب اللوامح أبو رجاء : وكتبه بفتح الكاف ، وهو مصدر أقيم مقام الاسم . قال سهل : وكتبه أجمع من كتابه ، لأن فيه وضع المضاف موضع الجنس ، فالكتب عام ، والكتاب هو الإنجيل فقط . انتهى . { وكانت من القانتين } : غلب الذكورية على التأنيث ، والقانتين شامل للذكور والإناث ، ومن للتبعيض . وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون لابتداء الغاية على أنها ولدت من القانتين ، لأنها من أعقاب هارون أخي موسى ، صلوات الله وسلامه عليهما ، وقال يحيـى بن سلام : مثل ضربه الله يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة حين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ضرب لهما مثلاً بامرأة فرعون ومريم ابنت عمران ترغيباً في التمسك بالطاعات والثبات على الدّين . انتهى . وأخذ الزمخشري كلام ابن سلام هذا وحسنه وزمكه بفصاحة فقال : وفي طيّ هذين التمثيلين تعريض بأمّي المؤمنين المذكورتين في أول السورة ، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كرهه ، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشدّه لما في التمثيل من ذكر الكفر ونحوه . ومن التغليظ قوله : { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } [ آل عمران : 97 ] وإشارة إلى أن من حقهما أن يكونا في الإخلاص والكتمان فيه كمثل هاتين المؤمنتين ، وأن لا يشكلا على أنهما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك الفضل لا ينقصهما إلا مع كونهما مخلصين . والتعريض بحفصة أرج ، لأن امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأسرار التنزيل ورموزه في كل باب بالغة من اللطف والخفاء حدّاً يدق عن تفطن العالم ويزل عن تبصره . انتهى . وقال ابن عطية : وقال بعض الناس : إن في المثلين عبرة لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم حين تقدم عتابهن ، وفي هذا بعد ، لأن النص أنه للكفار يبعد هذا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .