Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 1-28)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن مسعود وأبو هريرة وأبو صالح ومقاتل والفرّاء : { والمرسلات } : الملائكة ، أرسلت بالعرف ضد النكر وهو الوحي ، فبالتعاقب على العباد طرفي النهار . وقال ابن عباس وجماعة : الأنبياء ، ومعنى عرفاً : إفضالاً من الله تعالى على عباده ، ومنه قول الشاعر : @ لا يـذهب العـرف بيـن الله والنـاس @@ وانتصابه على أنه مفعول له ، أي أرسلن للإحسان والمعروف ، أو متتابعة تشبيهاً بعرف الفرس في تتابع شعره وأعراف الخيل . وتقول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه متتابعين ، وهم عليه كعرف الضبع إذا تألبوا عليه ، وانتصابه على الحال . وقال ابن مسعود أيضاً وابن عباس أيضاً ومجاهد وقتادة : الرّياح . وقال الحسن : السحاب . وقرأ الجمهور : { عرفاً } بسكون الراء ، وعيسى : بضمها . { فالعاصفات } ، قال ابن مسعود : الشديدات الهبوب . وقيل : الملائكة تعصف بأرواح الكفار ، أي تزعجها بشدّة ، أو تعصف في مضيها كما تعصف الرّياح تحققاً في امتثال أمره . وقيل : هي الآيات المهلكة ، كالزلازل والصواعق والخسوف . { والناشرات } ، قال السدّي وأبو صالح ومقاتل : الملائكة تنشر صحف العباد بالأعمال . وقال الربيع : الملائكة تنشر الناس من قبورهم . وقال ابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة : الرّياح تنشر رحمة الله ومطره . وقال أبو صالح : الأمطار تحيـي الأرض بالنبات . وقال الضحاك : الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد ، فعلى هذا تكون الناشرات على معنى النسب ، أي ذات النشر . { فالفارقات } ، قال ابن عباس وابن مسعود وأبو صالح ومجاهد والضحاك : الملائكة تفرق بين الحق والباطل ، والحلال والحرام . وقال قتادة والحسن وابن كيسان : آيات القرآن فرقت بين الحلال والحرام . وقال مجاهد أيضاً : الرّياح تفرق بين السحاب فتبدّده . وقيل : الرسل ، حكاه الزجاج . وقيل : السحاب الماطر تشبيهاً بالناقة الفاروق ، وهي الحامل التي تجزع حين تضع . وقيل : العقول تفرق بين الحق والباطل ، والصحيح والفاسد . { فالملقيات ذكراً } ، قال ابن عباس وقتادة والجمهور : الملائكة تلقي ما حملت من الوحي إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وقال قطرب : الرسل تلقي ما أنزل عليها إلى الأمم . وقال الرّبيع : آيات القرآن ألقيت على النبي صلى الله عليه وسلم . واختار الزمخشري من الأقوال أن تكون { والمرسلات } إلى آخر الأوصاف : إما للملائكة ، وإما للرّياح . فللملائكة تكون عذراً للمحققين ، أو نذراً للمبطلين ؛ وللرّياح يكون المعنى : فألقين ذكراً ، إما عذراً للذين يعتذرون إلى الله تعالى بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث ويشكرونها ، وإما إنذاراً للذين يغفلون عن الشكر لله وينسبون ذلك إلى الأنواء ، وجعلن ملقيات للذكر لكونهن سبباً في حصوله إذا شكرت النعمة فيهن ، أو كفرت ، قاله الزمخشري . والذي أراه أن المقسم به شيئان ، ولذلك جاء العطف بالواو في { والناشرات } ، والعطف بالواو يشعر بالتغاير ، بل هو موضوعه في لسان العرب . وأما العطف بالفاء إذا كان في الصفات ، فيدل على أنها راجعة إلى العاديات ، وهي الخيل ؛ وكقوله : @ يا لهف زيابة للحارث فالصا بح فالغانم فالآيب @@ فهذه راجعة لموصوف واحد وهو الحارث . فإذا تقرر هذا ، فالظاهر أنه أقسم أولاً بالرياح ، فهي مرسلاته تعالى ، ويدل عليه عطف الصفة بالفاء ، كما قلنا ، وأن العصف من صفات الريح في عدّة مواضع من القرآن . والقسم الثاني فيه ترق إلى أشرف من المقسم به الأول وهم الملائكة ، ويكون { فالفارقـات } ، { فالملقيات } من صفاتهم ، كما قلنا في عطف الصفات وإلقاؤهم الذكر ، وهو ما أنزل الله ، يصح إسناده إليهم . وقرأ الجمهور : { فالملقيات } اسم فاعل خفيف ، أي نطرقه إليهم ؛ وابن عباس : مشدد من التلقية ، وهي أيضاً إيصال الكلام إلى المخاطب . يقال : لقيته الذكر فتلقاه . وقرأ أيضاً ابن عباس ، فيما ذكره المهدوي : بفتح اللام والقاف مشددة اسم مفعول ، أي تلقته من قبل الله تعالى . وقرأ إبراهيم التيمي والنحويان وحفص : { عذراً أو نذراً } بسكون الذالين ؛ وزيد بن ثابت وابن خارجة وطلحة وأبو جعفر وأبو حيوة وعيسى والحسن : بخلاف ؛ والأعشى ، عن أبي بكر : بضمهما ؛ وأبو جعفر أيضاً وشيبة وزيد بن علي والحرميان وابن عامر وأبو بكر : بسكونها في عذراً وضمها في نذراً ، فالسكون على أنهما مصدران مفردان ، أو مصدران جمعان . فعذراً جمع عذير بمعنى المعذرة ، ونذراً جمع نذير بمعنى الإنذار . وانتصابهما على البدل من { ذكراً } ، كأنه قيل : فالملقيات عذراً أو نذراً ، أو على المفعول من أجله ، أو على أنهما مصدران في موضع الحال ، أي عاذرين أو منذرين . ويجوز مع الإسكان أن يكونا جمعين على ما قررناه . وقيل : يصح انتصاب { عذراً أو نذراً } على المفعول به بالمصدر الذي هو { ذكراً } ، أي فالملقيات ، أي فذكروا عذراً ، وفيه بعد لأن المصدر هنا لا يراد به العمل ، إنما يراد به الحقيقة لقوله : { أألقي الذكر عليه } [ القمر : 25 ] . والإعذار هي بقيام الحجة على الخلق ، والإنذار هو بالعذاب والنقمة . { إنما توعدون } : أي من الجزاء بالثواب والعقاب ، { لواقع } : وما موصولة ، وإن كانت قد كتبت موصولة بأن . وهذه الجملة هي المقسم عليها . وقرأ الجمهور : { أو نذراً } بواو التفصيل ؛ وإبراهيم التيمي : ونذراً بواو العطف . { فإذا النجوم طمست } : أي أذهب نورها فاستوت مع جرم السماء ، أو عبر عن إلحاق ذواتها بالطمس ، وهو انتثارها وانكدارها ، أو أذهب نورها ثم انتثرت ممحوقة النور . { وإذا السماء فرجت } : أي صار فيها فروج بانفطار . وقرأ عمرو بن ميمون : طمست ، فرجت ، بشد الميم والراء ؛ والجمهور : بخفهما . { وإذا الجبال نسفت } : أي فرقتها الرياح ، وذلك بعد التسيير وقبل كونها هباء . وقرأ الجمهور : { أقتت } بالهمز وشد القاف ؛ وبتخفيف القاف والهمز النخعي والحسن وعيسى وخالد . وقرأ أبو الأشهب وعمرو بن عبيد وعيسى أيضاً وأبو عمرو : بالواو وشد القاف . قال عيسى : وهي لغة سفلى مضر . وعبد الله والحسن وأبو جعفر : بواو واحدة وخف القاف ؛ والحسن أيضاً : ووقتت بواوين على وزن فوعلت ، والمعنى : جعل لها وقت منتظر فحان وجاء ، أو بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة ، والواو في هذا كله أصل والهمزة بدل . قال الزمخشري : ومعنى توقيت الرسل : تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم ، وجواب إذا محذوف لدلالة ما قبله عليه وتقديره : إذا كان كذا وكذا وقع ما توعدون . { لأي يوم أجلت } : تعظيم لذلك اليوم ، وتعجيب لما يقع فيه من الهول والشدة . والتأجيل من الأجل ، أي ليوم عظيم أخرت ، { ليوم الفصل } : أي بين الخلائق . { ويل } : تقدم الكلام فيه في أول ثاني حزب من سورة البقرة ، يومئذ : يوم إذ طمست النجوم وكان ما بعدها . وقرأ الجمهور : { نهلك الأولين } بضم النون ، وقتادة : بفتحها . قال الزمخشري : من هلكه بمعنى أهلكه . قال العجاج : @ ومهمـه هـالك مـن تـعـرجـا @@ انتهى . وخرج بعضهم هالك من تعرجاً على أن هالكاً هو من اللازم ، ومن موصول ، فاستدل به على أن الصفة المشبهة باسم الفاعل قد يكون معمولهاً موصولاً . وقرأ الجمهور : { نتبعهم } بضم العين على الاستئناف ، وهو وعد لأهل مكة . ويقوي الاستئناف قراءة عبد الله : ثم سنتبعهم ، بسين الاستقبال ؛ والأعرج والعباس عن أبي عمرو : بإسكانها ؛ فاحتمل أن يكون معطوفاً على { نهلك } ، واحتمل أن يكون سكن تخفيفاً ، كما سكن { وما يشعركم } [ الأنعام : 109 ] ، فهو استئناف . فعلى الاستئناف يكون الأولين الأمم التي تقدمت قريشاً أجمعاً ، ويكون الآخرين من تأخر من قريش وغيرهم . وعلى التشريك يكون الأولين قوم نوح وإبراهيم عليهما السلام ومن كان معهم ، والآخرين قوم فرعون ومن تأخر وقرب من مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم . والإهلاك هنا إهلاك العذاب والنكال ، ولذلك جاء { كذلك نفعل بالمجرمين } ، فأتى بالصفة المقتضية لإهلاك العذاب وهي الإجرام . ولما ذكر إفناء الأولين والآخرين ، ذكر ووقف على أصل الخلقة التي يقتضي النظر فيها تجويز البعث ، { من ماء مهين } : أي ضعيف هو مني الرجل والمرأة ، { في قرار مكين } : وهو الرحم ، { إلى قدر معلوم } : أي عند الله تعالى ، وهو وقت الولادة . وقرأ عليّ بن أبي طالب : فقدرنا بشد الدال من التقدير ، كما قال : { من نطفة خلقه فقدره } [ عبس : 19 ] ؛ وباقي السبعة : بخفها من القدرة ؟ وانتصب { أحياء وأمواتاً } بفعل يدل عليه ما قبله ، أي يكفت أحياء على ظهرها ، وأمواتاً في بطنها . واستدل بهذا من قال : إن النباش يقطع ، لأن بطن الأرض حرز للكفن ، فإذا نبش وأخذ منه فهو سارق . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : نكفتكم أحياء وأمواتاً ، فينتصبا على الحال من الضمير لأنه قد علم أنها كفات الإنس . انتهى . و { رواسي } : جبالاً ثابتات ، { شامخـات } : مرتفعات ، ومنه شمخ بأنفه : ارتفع ، شبه المعنى بالجرم . { وأسقيناكم } : جعلناه سقياً لمزراعكم ومنافعكم .