Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 1-42)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقرأ الجمهور ؛ { عبس } مخففاً ، { أن } بهمزة واحدة ؛ وزيد بن علي : بشد الباء ؛ وهو والحسن وأبو عمران الجوني وعيسى : أآن بهمزة ومدة بعدها ؛ وبعض القراء : بهمزتين محققتين ، والهمزة في هاتين القراءتين للاستفهام ، وفيهما يقف على تولى . والمعنى : ألأن جاءه كاد كذا . وجاء بضمير الغائب في { عبس وتولى } إجلالاً له عليه الصلاة والسلام ، ولطفاً به أن يخاطبه لما في المشافهة بتاء الخطاب مما لا يخفى . وجاء لفظ { الأعمى } إشعاراً بما يناسب من الرفق به والصغو لما يقصده ، ولابن عطية هنا كلام أضربت عنه صفحاً . والضمير في { لعله } عائد على { الأعمى } ، أي يتطهر بما يتلقن من العلم ، أو { يذكر } : أي يتعظ ، { فتنفعه } ذكراك ، أي موعظتك . والظاهر نصب { يدريك } على جملة الترجي ، فالمعنى : لا تدري ما هو مترجى منه من تزك أو تذكر . وقيل : المعنى وما يطلعك على أمره وعقبى حاله . ثم ابتدأ القول : { لعله يزكى } : أي تنمو بركته ويتطهر لله . وقال الزمخشري : وقيل : الضمير في { لعله } للكافر ، يعني أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام ، أو يذكر فتقربه الذكرى إلى قبول الحق ، وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن . انتهى . وهذا قول ينزه عنه حمل القرآن عليه . وقرأ الجمهور : { أو يذكر } بشد الذال والكاف ، وأصله يتذكر فأدغم ؛ والأعرج وعاصم في رواية : أو يذكر ، بسكون الذال وضم الكاف . وقرأ الجمهور : { فتنفعه } ، برفع العين عطفاً على { أو يذكر } ؛ وعاصم في المشهور ، والأعرج وأبو حيوة وأبي عبلة والزعفراني : بنصبهما . قال ابن عطية : في جواب التمني ، لأن قوله : { أو يذكر } في حكم قوله { لعله يزكى } . انتهى . وهذا ليس تمنياً ، إنما هو ترج وفرق بين الترجي والتمني . وقال الزمخشري : وبالنصب جواباً للعل ، كقوله : { فأطلع إلى إله موسى } [ غافر : 37 ] انتهى . والترجي عند البصريين لا جواب له ، فينصب بإضمار أن بعد الفاء . وأما الكوفيون فيقولون : ينصب في جواب الترجي ، وقد تقدم لنا الكلام على ذلك في قوله : { فأطلع إلى إله موسى } في قراءة حفص ، ووجهنا مذهب البصريين في نصب المضارع . { أما من استغنى } : ظاهره من كان ذا ثروة وغنى . وقال الكلبي : عن الله . وقيل : عن الإيمان بالله . قيل : وكونه بمعنى الثروة لا يليق بمنصب النبوة ، ويدل على ذلك أنه لو كان من الثروة لكان المقابل : وأما من جاءك فقيراً حقيراً . وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والأعرج وعيسى والأعمش وجمهور السبعة : { تصدى } بخف الصاد ، وأصله يتصدى فحذف ؛ والحرميان : بشدها ، أدغم التاء في الصاد ؛ وأبو جعفر : تصدى ، بضم التاء وتخفيف الصاد ، أي يصدك حرصك على إسلامه . يقال : تصدى الرجل وصديته ، وهذا المستغنى هو الوليد ، أو أمية ، أو عتبة وشيبة ، أو أمية وجميع المذكورين في سبب النزول ، أقوال . قال القرطبي : وهذا كله غلط من المفسرين ، لأنه أمية والوليد كانا بمكة ، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ما حضر معهما ، وماتا كافرين ، أحدهما قبل الهجرة والآخر في بدر ، ولم يقصد قط أمية المدينة ، ولا حضر معه مفرداً ولا مع أحد . انتهى . والغلط من القرطبي ، كيف ينفي حضور ابن أم مكتوم معهما ؟ وهو وهم منه ، وكلهم من قريش ، وكان ابن أم مكتوم بها : والسورة كلها مكية بالإجماع . وكيف يقول : وابن أم مكتوم بالمدينة ؟ كان أولاً بمكة ، ثم هاجر إلى المدينة ، وكانوا جميعهم بمكة حين نزول هذه الآية . وابن أم مكتوم هو عبد الله بن سرح بن مالك بن ربيعة الفهري ، من بني عامر بن لؤي ، وأم مكتوم أم أبيه عاتكة ، وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها . { وما عليك ألا يزكى } : تحقير لأمر الكافر وحض على الإعراض عنه وترك الاهتمام به ، أي : وأي شيء عليك في كونه لا يفلح ولا يتطهر من دنس الكفر ؟ { وأما من جاءك يسعى } : أي يمشي بسرعة في أمر دينه ، { وهو يخشى } : أي يخاف الله ، أو يخاف الكفار وأذاهم ، أو يخاف العثار والسقوط لكونه أعمى ، وقد جاء بلا قائد يقوده . { تلهى } : تشتغل ، يقال : لها عن الشيء يلهى ، إذا اشتغل عنه . قيل : وليس من اللهو الذي هو من ذوات الواو . انتهى . ويمكن أن يكون منه ، لأن ما يبنى على فعل من ذوات الواو وتنقلب واوه ياء لكسرة ما قبلها ، نحو : شقي يشقى ، فإن كان مصدره جاء بالياء ، فيكون من مادة غير مادة اللهو . وقرأ الجمهور : { تلهى } ؛ والبزي عن ابن كثير : عنه وتلهى ، بإدغام تاء المضارعة في تاء تفعل ؛ وأبو جعفر : بضمها مبنياً للمفعول ، أي يشغلك دعاء الكافر للإسلام ؛ وطلحة : بتاءين ؛ وعنه بتاء واحدة وسكون اللام . { كلا إنها } : أي سورة القرآن والآيات ، { تذكرة } : عظة ينتفع بها . { فمن شاء ذكره } : أي فمن شاء أن يذكر هذه الموعظة ذكره ، أتى بالضمير مذكراً لأن التذكرة هي الذكر ، وهي جملة معترضة تتضمن الوعد والوعيد ، { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً } [ المزمل : 19 ] واعترضت بين تذكرة وبين صفته ، أي تذكرة : كائنة . { في صحف } ، قيل : اللوح المحفوظ ، وقيل : صحف الأولياء المنزلة ، وقيل : صحف المسلمين ، فيكون إخباراً بمغيب ، إذ لم يكتب القرآن في صحف زمان ، كونه عليه السلام بمكة ينزل عليه القرآن ، مكرمة عند الله ، ومرفوعة في السماء السابعة ، قاله يحيـى بن سلام ، أو مرفوعة عن الشبه والتناقض ، أو مرفوعة المقدار . { مطهرة } : أي منزهة عن كل دنس ، قاله الحسن . وقال أيضاً : مطهرة من أن تنزل على المشركين . وقال الزمخشري : منزهة عن أيدي الشياطين ، لا تمسها إلا أيدي ملائكة مطهرة . { سفرة } : كتبة ينسخون الكتب من اللوح المحفوظ . انتهى . { بأيدي سفرة } ، قال ابن عباس : هم الملائكة لأنهم كتبة . وقال أيضاً : لأنهم يسفرون بين الله تعالى وأنبيائه . وقال قتادة : هم القراء ، وواحد السفرة سافر . وقال وهب : هم الصحابة ، لأن بعضهم يسفر إلى بعض في الخير والتعليم والعلم . { قتل الإنسان ما أكفره } ، قيل : نزلت في عتبة بن أبي لهب ، غاضب أباه فأسلم ، ثم استصلحه أبوه وأعطاه مالاً وجهزه إلى الشام ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كافر برب النجم إذا هوى . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم ابعث عليه كلبك يأكله " فلما انتهى إلى الغاضرة ذكر الدعاء ، فجعل لمن معه ألف دينار إن أصبح حياً ، فجعلوه وسط الرفقة والمتاع حوله . فأقبل الأسد إلى الرجال ووثب ، فإذا هو فوقه فمزقه ، فكان أبوه يندبه ويبكي عليه ، وقال : ما قال محمد شيئاً قط إلا كان ، والآية ، وإن نزلت في مخصوص ، فالإنسان يراد به الكافر . وقتل دعاء عليه ، والقتل أعظم شدائد الدنيا . { ما أكفره } ، الظاهر أنه تعجب من إفراط كفره ، والتعجب بالنسبة للمخلوقين ، إذ هو مستحيل في حق الله تعالى ، أي هو ممن يقال فيه ما أكفره . وقيل : ما استفهام توقيف ، أي : أي شيء أكفره ؟ أي جعله كافراً ، بمعنى لأي شيء يسوغ له أن يكفر . { من أي شيء خلقه } : استفهام على معنى التقرير على حقارة ما خلق منه . ثم بين ذلك الشيء الذي خلق منه فقال : { من نطفة خلقه فقدره } : أي فهيأه لما يصلح له . وقال ابن عباس : أي في بطن أمه ، وعنه قدر أعضاءه ، وحسناً ودميماً وقصيراً وطويلاً وشقياً وسعيداً . وقيل : من حال إلى حال ، نطفة ثم علقة ، إلى أن تم خلقه . { ثم السبيل يسره } : أي ثم يسر السبيل ، أي سهل . قال ابن عباس وقتادة وأبو صالح والسدي : سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان ، وتيسيره له هو هبة العقل . وقال مجاهد والحسن وعطاء وابن عباس في رواية أبي صالح عنه : السبيل العام اسم الجنس في هدى وضلال ، أي يسر قوماً لهذا ، كقوله : { إنا هديناه السبيل } [ الإنسان : 3 ] الآية ، وقوله تعالى : { وهديناه النجدين } [ البلد : 10 ] وعن ابن عباس : يسره للخروج من بطن أمه . { ثم أماته فأقبره } : أي جعل له قبراً صيانة لجسده أن يأكله الطير والسباع . قبره : دفنه ، وأقبره : صيره بحيث يقبر وجعل له قبراً ، والقابر : الدافن بيده . قال الأعشى : @ لو أسندت ميتاً إلى قبرها عاش ولم ينقل إلى قابر @@ { ثم إذا شاء أنشره } : أي إذا أراد إنشاره أنشره ، والمعنى : إذا بلغ الوقت الذي قد شاءه الله ، وهو يوم القيامة . وفي كتاب اللوامح شعيب بن الحبحاب : شاء نشره ، بغير همز قبل النون ، وهما لغتان في الأحياء ؛ وفي كتاب ابن عطية : وقرأ شعيب بن أبي حمزة : شاء نشره . { كلا } : ردع للإنسان عن ما هو فيه من الكفر والطغيان . { لما يقض } : يفي من أول مدة تكليفه إلى حين إقباره ، { ما أمره } به الله تعالى ، فالضمير في يقض للإنسان . وقال ابن فورك : لله تعالى ، أي لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان ، بل أمره بما لم يقض له . ولما عدّد تعالى نعمه في نفس الإنسان ، ذكر النعم فيما به قوام حياته ، وأمره بالنظر إلى طعامه وكيفيات الأحوال التي اعتورت على طعامه حتى صار بصدد أن يطعم . والظاهر أن الطعام هو المطعوم ، وكيف ييسره الله تعالى بهذه الوسائط المذكورة من صب الماء وشق الأرض والإنبات ، وهذا قول الجمهور . وقال أبيّ وابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم : { إلى طعامه } : أي إذا صار رجيعاً ليتأمل عاقبة الدنيا على أي شيء يتفانى أهلها . وقرأ الجمهور : إنا بكسر الهمزة ؛ والأعرج وابن وثاب والأعمش والكوفيون ورويس : { أنا } بفتح الهمزة ؛ والحسين بن عليّ رضي الله تعالى عنهما : أني بفتح الهمزة مما لا ؛ فالكسر على الاستئناف في ذكر تعداد الوصول إلى الطعام ، والفتح قالوا على البدل ، ورده قوم ، لأن الثاني ليس الأول . قيل : وليس كما ردوا لأن المعنى : فلينظر الإنسان إلى إنعامنا في طعامه ، فترتب البدل وصح . انتهى . كأنهم جعلوه بدل كل من كل ، والذي يظهر أنه بدل الاشتمال . وقراءة أبي ممالا على معنى : فلينظر الإنسان كيف صببنا . وأسند تعالى الصب والشق إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب ، وصب الماء هو المطر . والظاهر أن الشق كناية عن شق الفلاح بما جرت العادة أن يشق به . وقيل : شق الأرض هو بالنبات . { حباً } : يشمل ما يسمى حباً من حنطة وشعير وذرة وسلت وعدس وغير ذلك . { وقضباً } ، قال الحسن : العلف ، وأهل مكة يسمون القت القضب . وقيل : الفصفصة ، وضعف لأنه داخل في الأب . وقيل : ما يقضب ليأكله ابن آدم غضاً من النبات ، كالبقول والهليون . وقال ابن عباس : هو الرطب ، لأنه يقضب من النخل ، ولأنه ذكر العنب قبله . { غلباً } ، قال ابن عباس : غلاظاً ، وعنه : طوالاً ؛ وعن قتادة وابن زيد : كراماً ؛ { وفاكهة } : ما يأكله الناس من ثمر الشجر ، كالخوخ والتين ؛ { وأباً } : ما تأكله البهائم من العشب . وقال الضحاك : التبن خاصة . وقال الكلبي : كل نبات سوى الفاكهة رطبها ، والأب : يابسها . { الصاخة } : اسم من أسماء القيامة يصم نبأها الآذان ، تقول العرب : صختهم الصاخة ونابتهم النائبة ، أي الداهية . وقال أبو بكر بن العربي : الصاخة هي التي تورث الصمم ، وأنها لمسمعة ، وهذا من بديع الفصاحة ، كقوله : @ أصمهم سرّهم أيام فرقتهم فهل سمعتم بسرّ يورث الصمما @@ وقول الآخر : @ أصـم بـك الناعـي وإن كـان أسمعـا @@ ولعمر الله إن صيحة القيامة مسمعه تصم عن الدنيا وتسمع أمور الآخرة . انتهى . { يوم يفر } : بدل من إذا ، وجواب إذا محذوف تقديره : اشتغل كل إنسان بنفسه ، يدل عليه : { لكل امرِىء منهم يومئذ شأن يغنيه } ، وفراره من شدّة الهول يوم القيامة ، كما جاء من قول الرسل : « نفسي نفسي » . وقيل : خوف التبعات ، لأن الملابسة تقتضي المطالبة . يقول الأخ : لم تواسني بمالك ، والأبوان قصرت في برنا ، والصاحبة أطعمتني الحرام وفعلت وصنعت ، والبنون لم تعلمنا وترشدنا . وقرأ الجمهور : { يغنيه } : أي عن النظر في شأن الآخر من الإغناء ؛ والزهري وابن محيصن وابن أبي عبلة وحميد وابن السميفع : يعنيه بفتح الياء والعين المهملة ، من قولهم : عناني الأمر : قصدني . { مسفرة } : مضيئة ، من أسفر الصبح : أضاء ، و { ترهقها } : تغشاها ، { قترة } : أي غبار . والأولى ما يغشاه من العبوس عند الهم ، والثانية من غبار الأرض . وقيل : { غبرة } : أي من تراب الأرض ، وقترة : سواد كالدخان . وقال زيد بن أسلم : الغبرة : ما انحطت إلى الأرض ، والقترة : ما ارتفعت إلى السماء . وقرأ الجمهور : قترة ، بفتح التاء ؛ وابن أبي عبلة : بإسكانها .