Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 85, Ayat: 1-22)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ذات البروج } ، قال ابن عباس والجمهور : هي المنازل التي عرفتها العرب ، وهي اثنا عشر على ما قسمته ، وهي التي تقطعها الشمس في سنة ، والقمر في ثمانية وعشرين يوماً . وقال عكرمة والحسن ومجاهد : هي القصور . وقال الحسن ومجاهد أيضاً : هي النجوم . وقيل : عظام الكواكب ، سميت بروجاً لظهورها . وقيل : هي أبواب السماء ؛ وقد تقدم ذكر البروج في سورة الحجر . { واليوم الموعود } : هو يوم القيامة ، أي الموعود به . { وشاهد ومشهود } : هذان منكران ، وينبغي حملهما على العموم لقوله : { علمت نفس ما أحضرت } [ التكوير : 14 ] وإن كان اللفظ لا يقتضيه ، لكن المعنى يقتضيه ، إذ لا يقسم بنكرة ولا يدري من هي . فإذا لوحظ فيها معنى العموم ، اندرج فيها المعرفة فحسن القسم . وكذا ينبغي أن يحمل ما جاء من هذا النوع نكرة ، كقوله : { والطور وكتاب مسطور } [ الطور : 1 - 2 ] ولأنه إذا حمل { وكتاب مسطور } على العموم دخل فيه معنيان : الكتب الإلهية ، كالتوراة والإنجيل والقرآن ، فيحسن إذ ذاك القسم به . ولما ذكر واليوم الموعود ، وهو يوم القيامة باتفاق ، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ناسب أن يكون المقسم به من يشهد في ذلك اليوم ومن يشهد عليه . إن كان ذلك من الشهادة ، وإن كان من الحضور ، فالشاهد : الخلائق الحاضرون للحساب ، والمشهود : اليوم ، كما قال تعالى : { ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود } [ هود : 103 ] كان موعوداً به فصار مشهوداً ، وقد اختلفت أقوال المفسرين في تعيينهما . وعن ابن عباس : الشاهد : الله تعالى ؛ وعنه وعن الحسن بن علي وعكرمة : الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ وعن مجاهد وعكرمة وعطاء بن يسار : آدم عليه السلام وذريته ؛ وعن ابن عباس أيضاً والحسن : الشاهد يوم عرفة ويوم الجمعة ، وفي كل قوم منها المشهود يوم القيامة ؛ وعن علي وابن عباس وأبي هريرة والحسن وابن المسيب وقتادة : وشاهد يوم الجمعة ؛ وعن ابن المسيب : يوم التروية ؛ وعن علي أيضاً : يوم القيامة ؛ وعن النخعي : يوم الأضحى . ومشهود في هذه الأقوال يوم عرفة ؛ وعن ابن عمر : يوم الجمعة ، ومشهود يوم النحر ؛ وعن جابر : يوم الجمعة ، ومشهود الناس ؛ وعن محمد بن كعب : ابن آدم ، ومشهود الله تعالى ؛ وعن ابن جبير : عكس هذا ؛ وعن أبي مالك : عيسى ، ومشهود أمته ، وعن علي : يوم عرفة ، ومشهود يوم النحر ؛ وعن الترمذي : الحكيم الحفظة ، ومشهود عليهم : الناس ؛ وعن عبد العزيز بن يحيـى : محمد صلى الله عليه وسلم ، ومشهود عليه أمته ؛ وعنه : الأنبياء ، ومشهود أممهم ؛ وعن ابن جبير ومقاتل الجوارح يوم القيامة ، ومشهود أصحابها . وقيل : هما يوم الاثنين ويوم الجمعة . وقيل : الملائكة المتعاقبون وقرآن الفجر . وقيل : النجم والليل والنهار . وقيل : الله والملائكة وأولو العلم ، ومشهود به الوحدانية ، و { إن الدين عند الله الإسلام } [ آل عمران : 19 ] وقيل : مخلوقاته تعالى ، ومشهود به وحدانيته . وقيل : هما الحجر الأسود والحجيج . وقيل : الليالي والأيام وبنو آدم . وقيل : الأنبياء ومحمد صلى الله عليه وسلم ؛ وهذه أقوال سبعة وعشرون لكل منها متمسك ، وللصوفية أقوال غير هذه . والظاهر ما قلناه أولاً ، وجواب القسم قيل محذوف ، فقيل : لتبعثن ونحوه . وقال الزمخشري : يدل عليه { قتل أصحاب الأخدود } . وقيل : الجواب مذكور فقيل : { إن الذين فتنوا } . وقال المبرد : { إن بطش ربك لشديد } . وقيل : قتل وهذا نختاره وحذفت اللام أي لقتل ، وحسن حذفها كما حسن في قوله : { والشمس وضحاها } [ الشمس : 1 ] ثم قال : { قد أفلح من زكاها } [ الشمس : 9 ] أي لقد أفلح من زكاها ، ويكون الجواب دليلاً على لعنة الله على من فعل ذلك وطرده من رحمة الله ، وتنبيهاً لكفار قريش الذين يؤذون المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم ، على أنهم ملعونون بجامع ما اشتركا فيه من تعذيب المؤمنين . وإذا كان { قتل } جواباً للقسم ، فهي جملة خبرية ، وقيل : دعاء ، فكون الجواب غيرها . وقرأ الحسن وابن مقسم بالتشديد ، والجمهور بالتخفيف . وذكر المفسرون في أصحاب الأخدود أقوالاً فوق العشرة ، ولكل قول منها قصة طويلة كسلنا عن كتابتها في كتابنا هذا ؛ ومضنها أن ناساً من الكفار خدوا أخدوداً في الأرض وسجروه ناراً وعرضوا المؤمنين عليها ، فمن رجع عن دينه تركوه ، ومن أصرّ على الإيمان أحرقوه ؛ وأصحاب الأخدود هم المحرقون للمؤمنين . وقال الربيع وأبو العالية وابن إسحاق : بعث الله على المؤمنين ريحاً فقبضت أرواحهم أو نحو هذا ، وخرجت النار فأحرقت الكافرين الذين كانوا على حافتي الأخدود ، فعلى هذا يكون القتل حقيقة لا بمعنى اللعن ، ويكون خبراً عن ما فعله الله بالكفار والذين أرادوا أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم . وقول هؤلاء مخالف لقول الجمهور ولما دل عليه القصص الذي ذكروه . وقرأ الجمهور : { النار } بالجر ، وهو بدل اشتمال ، أو بدل كل من كل على تقدير محذوف ، أي أخدود النار . وقرأ قوم النار بالرفع . قيل : على معنى قتلهم ، ويكون أصحاب الأخدود إذ ذاك المؤمنين ، وقتل على حقيقته . وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو حيوة وعيسى : الوقود بضم الواو وهو مصدر ، والجمهور : بفتحها ، وهو ما يوقد به . وقد حكى سيبويه أنه بالفتح أيضاً مصدر كالضم . والظاهر أن الضمير في { إذ هم } عائد على الذين يحرقون المؤمنين ، وكذلك في { وهم } على قول الربيع يعود على الكافرين ، ويكون هم أيضاً عائداً عليهم ، ويكون معنى { على ما يفعلون } : ما يريدون من فعلهم بالمؤمنين . وقيل : أصحاب الأخدود محرق ، وتم الكلام عند قوله : { ذات الوقود } ، ويكون المراد بقوله : { وهم } قريش الذين كانوا يفتنون المؤمنين والمؤمنات ، وإذا العامل فيه قتل ، أي لعنوا وقعدوا على النار ، أو على ما يدنو منها من حافات الأخدود ، كما قال الأعشى : @ تشب لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندى والمحلق @@ { شهود } : يشهد بعضهم لبعض عند الملك ، أي لم يفرط فيما أمر به ، أو شهود يوم القيامة على ما فعلوا بالمؤمنين ، يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم . وقرأ الجمهور : { نقموا } بفتح القاف ؛ وزيد بن عليّ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بكسرها ، أي ما عابوا ولا أنكروا الإيمان ، كقوله : { هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله } [ المائدة : 59 ] وكقول ابن قيس الرقيات : @ ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون أن غضبوا @@ جعلوا ما هو في غاية الحسن قبيحاً حتى نقموا عليه ، كما قال الشاعر : @ ولا عيب فيها غير شكلة عينها كذاك عتاق الطير شكلاً عيونها @@ وفي المنتخب : إنما قال { إلا أن يؤمنوا } ، لأن التعذيب إنما كان واقعاً على الإيمان في المستقبل ، ولو كفروا في المستقبل لم يعذبوا على ما مضى ، فكأنه قال : إلا أن يدعوا على إيمانهم . انتهى . وذكر الأوصاف التي يستحق بها تعالى أن يؤمن به ، وهو كونه تعالى عزيزاً غالباً قادراً يخشى عقابه ، حميداً منعماً يجب له الحمد على نعمته ، له ملك السموات والأرض وكل من فيهما يحق عليه عبادته والخشوع له تقريراً لأن ما نقموا منهم هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغي . { والله على كل شيء شهيد } : وعيد لهم ، أي إنه علم ما فعلوا فهو يجازيهم . والظاهر أن { الذين فتنوا } عام في كل من ابتلى المؤمنين والمؤمنات بتعذيب أو أذى ، وأن لهم عذابين : عذاباً لكفرهم ، وعذاباً لفتنتهم . وقال الزمخشري : يجوز أن يريد بالذين فتنوا أصحاب الأخدود خاصة ، وبالذين آمنوا المطروحين في الأخدود ، ومعنى فتنوهم : عذبوهم بالنار وأحرقوهم ، { فلهم } في الآخرة { عذاب جهنم } بكفرهم ، { ولهم عذاب الحريق } : وهي نار أخرى عظيمة تتسع كما يتسع الحريق ، أو لهم عذاب جهنم في الآخرة ، ولهم عذاب الحريق في الدنيا لما روى أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم ، انتهى . وينبغي أن لا يجوز هذا الذي جوّزه ، لأن في الآية { ثم لم يتوبوا } ، وأولئك المحرقون لم ينقل لنا أن أحداً منهم تاب ، بل الظاهر أنهم لم يلعنوا إلا وهم قد ماتوا على الكفر . وقال ابن عطية : { ثم لم يتوبوا } يقوي أن الآيات في قريش ، لأن هذا اللفظ في قريش أحكم منه في أولئك الذين قد علموا أنهم ماتوا على كفرهم . وأما قريش فكان فيهم وقت نزول الآية من تاب وآمن ، انتهى . وكذلك قوله : { إن الذين آمنوا } ، المراد به العموم لا المطروحون في النار ، والبطش : الأخذ بقوة . { يبدىء ويعيد } ، قال ابن زيد والضحاك : يبدىء الخلق بالإنشاء ، ويعيده بالحشر . وقال ابن عباس : عام في جميع الأشياء ، أي كلّ ما يبدأ وكل ما يعاد . وقال الطبري : يبدىء العذاب ويعيده على الكفار ؛ ونحوه عن ابن عباس قال : تأكلهم النار حتى يصيروا فحماً ، ثم يعيدهم خلقاً جديداً . وقرىء : يبدأ من بدأ ثلاثياً ، حكاه أبو زيد . ولما ذكر شدّة بطشه ، ذكر كونه ، غفوراً ساتراً لذنوب عباده ، ودوداً لطيفاً بهم محسناً إليهم ، وهاتان صفتا فعل . والظاهر أن الودود مبالغة في الوادّ ؛ وعن ابن عباس : المتودد إلى عباده بالمغفرة . وحكى المبرد عن القاضي إسماعيل بن إسحاق أن الودود هو الذي لا ولد له ، وأنشد : @ وأركب في الروع عريانة ذلول الجماع لقاحاً ودودا @@ أي : لا ولد لها تحن إليه . وقيل : الودود فعول بمعنى مفعول ، كركوب وحلوب ، أي يوده عباده الصالحون . { ذو العرش } : خص العرش بإضافة نفسه تشريفاً للعرش وتنبيهاً على أنه أعظم المخلوقات . وقرأ الجمهور : { ذو } بالواو ؛ وابن عامر في رواية : ذي بالياء ، صفة لربك . وقال القفال : { ذو العرش } : ذو الملك والسلطان . ويجوز أن يراد بالعرش : السرير العالي ، ويكون خلق سريراً في سمائه في غاية العظمة ، بحيث لا يعرف عظمته إلا هو ومن يطلعه عليه ، انتهى . وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وابن وثاب والأعمش والمفضل عن عاصم والأخوان : { المجيد } بخفض الدال ، صفة للعرش ، ومجادته : عظمه وعلوّه ومقداره وحسن صورته وتركيبه ، فإنه قيل : العرش أحسن الأجسام صورة وتركيباً . ومن قرأ : ذي العرش بالياء ، جاز أن يكون المجيد بالخفض صفة لذي ، والأحسن جعل هذه المرفوعات أخباراً عن هو ، فيكون { فعال } خبراً . ويجوز أن يكون { الودود ذو العرش } صفتين للغفور ، و { فعال } خبر مبتدأ وأتى بصيغة فعال لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة ، والمعنى : أن كل ما تعلقت به إرادته فعله لا معترض عليه . { هل أتاك حديث الجنود } : تقرير لحال الكفرة ، أي قد أتاك حديثهم ، وما جرى لهم مع أنبيائهم ، وما حل بهم من العقوبات بسبب تكذيبهم ، فكذلك يحل بقريش من العذاب مثل ما حل بهم . والجنود : الجموع المعدّة للقتال . { فرعون وثمود } : بدل من { الجنود } ، وكأنه على حذف مضاف ، أي جنود فرعون ، واختصر ما جرى لهم إذ هم مذكورون في غير ما سورة من القرآن . وذكر ثمود لشهرة قصتهم في بلاد العرب وهي متقدّمة ، وذكر فرعون لشهرة قصته عند أهل الكتاب وعند العرب الجاهلية أيضاً . ألا ترى إلى زهير بن أبي سلمى وقوله : @ ألم تر أن الله أهلك تبعاً وأهلك لقمان بن عاد وعاديا وأهلك ذا القرنين من قبل ما نوى وفرعون جباراً طغى والنجاشيا @@ وكان فرعون من المتأخرين في الهلاك ، فدل بقصته وقصة ثمود على أمثالهما من قصص الأمم المكذبين وهلاكهم . { بل الذين كفروا } : أي من قومك ، { في تكذيب } : حسداً لك ، لم يعتبروا بما جرى لمن قبلهم حين كذبوا أنبياءهم . { والله من ورائهم محيط } : أي هو قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون وثمود ومن كان محاطاً به ، فهو محصور في غاية لا يستطيع دفعاً ، والمعنى : دنو هلاكهم . ولما ذكر أنهم في تكذيب ، وأن التكذيب عمهم حتى صار كالوعاء لهم ، وكان صلى الله عليه وسلم قد كذبوه وكذبوا ما جاء به وهو القرآن ، أخبر تعالى عن الذي جاء به وكذبوا فقال : { بل هو قرآن } : أي بل الذي كذبوا به قرآن مجيد ، ومجادته : شرفه على سائر الكتب بإعجازه في نظمه وصحة معانيه ، وإخباره بالمغيبات وغير ذلك في محاسنه . وقرأ الجمهور : { قرآن مجيد } : موصوف وصفة . وقرأ ابن السميفع : { قرآن مجيد } بالإضافة ، قال ابن خالويه : سمعت ابن الأنباري يقول معناه : بل هو قرآن رب مجيد ، كما قال الشاعر : @ ولكن الغنـي رب غفور @@ معناه : ولكن الغنى غنى رب غفور ، انتهى . وعلى هذا أخرجه الزمخشري . وقال ابن عطية : وقرأ اليماني : قرآن مجيد على الإضافة ، وأن يكون الله تعالى هو المجيد ، انتهى . ويجوز أن يكون من باب إضافة الموصوف لصفته ؛ فيكون مدلوله ومدلول التنوين ورفع مجيد واحداً ، وهذا أولى لتوافق القراءتين . وقرأ الجمهور : { في لوح } بفتح اللام ، { محفوظ } بالخفض صفة للوح ، واللوح المحفوظ هو الذي فيه جميع الأشياء . وقرأ ابن يعمر وابن السميفع : بضم اللام . قال ابن خالويه : اللوح : الهواء . وقال الزمخشري : يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح المحفوظ من وصول الشياطين إليه ، انتهى . وقرأ الأعرج وزيد بن علي وابن محيصن ونافع بخلاف عنه : محفوظ بالرفع صفة لقرآن ، كما قال تعالى : { وإنا له لحافظون } [ الحجر : 9 ] أي هو محفوظ في القلوب ، لا يلحقه خطأ ولا تبديل .