Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-19)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سبح } : نزّه عن النقائص ، { اسم ربك } : الظاهر أن التنزيه يقع على الاسم ، أي نزهه عن أن يسمى به صنم أو وثن فيقال له رب أو إله ، وإذا كان قد أمر بتنزيهه اللفظ أن يطلق على غيره فهو أبلغ ، وتنزيه الذات أحرى . وقيل : الاسم هنا بمعنى المسمى . وقيل : معناه نزّه اسم الله عن أن تذكره إلا وأنت خاشع . وقال ابن عباس : المعنى صلّ باسم ربك الأعلى ، كما تقول : ابدأ باسم ربك ، وحذف حرف الجر . و " قيل : لما نزل { فسبح باسم ربك العظيم } [ الواقعة : 74 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلوها في ركوعكم . فلما نزل : { سبح اسم ربك الأعلى } ، قال : اجعلوها في سجودكم " وكانوا يقولون في الركوع : اللهم لك ركعت ، وفي السجود : اللهم لك سجدت . قالوا : { الأعلى } يصح أن يكون صفة لربك ، وأن يكون صفة لاسم فيكون منصوباً ، وهذا الوجه لا يصح أن يعرب { الذي خلق } صفة لربك ، فيكون في موضع جر لأنه قد حالت بينه وبين الموصوف صفة لغيره . لو قلت : رأيت غلام هند العاقل الحسنة ، لم يجز ؛ بل لا بد أن تأتي بصفة هند ، ثم تأتي بصفة الغلام فتقول : رأيت غلام هند الحسنة العاقل . فإن لم يجعل الذي صفة لربك ، بل ترفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أو تنصبه على المدح ، جاز أن يكون الأعلى صفة لاسم . { الذي خلق } : أي كل شيء ، { فسوى } : أي لم يأت متفاوتاً بل متناسباً على إحكام وإتقان ، دلالة على أنه صادر عن عالم حكيم . وقرأ الجمهور : { قدر } بشد الدال ، فاحتمل أن يكون من القدر والقضاء ، واحتمل أن يكون من التقدير والموازنة بين الأشياء . وقال الزمخشري : قدّر لكل حيوان ما يصلحه ، فهداه إليه وعرّفه وجه الانتفاع به ، انتهى . وقرأ الكسائي : قدر مخفف الدال من القدرة أو من التقدير والموازنة ، وهدى عام لجميع الهدايات . وقال الفرّاء : فهدى وأضل ، اكتفى بالواحدة عن الأخرى . وقال الكلبي ومقاتل : هدى الحيوان إلى وطء الذكور للإناث . وقال مجاهد : هدى الإنسان للخير والشر ، والبهائم للمراتع . وقيل : هدى المولود عند وضعه إلى مص الثدي ، وهذه الأقوال محمولة على التمثيل لا على التخصيص . والظاهر أن أحوى صفة لغثاء . قال ابن عباس : المعنى { فجعله غثاء أحوى } : أي أسود ، لأن الغثاء إذا قدم وأصابته الأمطار اسود وتعفن فصار أحوى . وقيل : أحوى حال من المرعى ، أي أحرى المرعى أحوى ، أي للسواد من شدّة خضرته ونضارته لكثرة ريه ، وحسن تأخير أحوى لأجل الفواصل ، وقال : @ وغيث من الوسمي حوتلاعه تبظنته بشيظم صلتان @@ { سنقرِئك فلا تنسى } ، قال الحسن وقتادة ومالك : هذا في معنى { لا تحرك به لسانك } [ القيامة : 16 ] وعده الله أن يقرئه ، وأخبره أنه لا ينسى ، وهذه آية للرسول صلى الله عليه وسلم في أنه أمّيّ ، وحفظ الله عليه الوحي ، وأمنه من نسائه . وقيل : هذا وعد بإقراء السور ، وأمر أن لا ينسى على معنى التثبيت والتأكيد ، وقد علم أن النسيان ليس في قدرته ، فهو نهي عن إغفال التعاهد ، وأثبتت الألف في { فلا تنسى } ، وإن كان مجزوماً بلا التي للنهي لتعديل رءوس الآي . { إلا ما شاء الله } ، الظاهر أنه استثناء مقصود . قال الحسن وقتادة وغيرهما : مما قضى الله نسخه ، وأن ترتفع تلاوته وحكمه . وقال ابن عباس : إلا ما شاء الله أن ينسيك لتسن به ، على نحو قوله عليه الصلاة والسلام : " أني لأنسى وأنسى لأسن " وقيل : إلا ما شاء الله أن يغلبك النسيان عليه ، ثم يذكرك به بعد ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، حين سمع قراءة عباد بن بشير : " لقد ذكرني كذا وكذا آية في سورة كذا وكذا " وقيل : { فلا تنسى } : أي فلا تترك العمل به إلا ما شاء الله أن تتركه بنسخه إياه ، فهذا في نسخ العمل . وقال الفراء وجماعة : هذا استثناء صلة في الكلام على سنة الله تعالى في الاستثناء ، وليس ثم شيء أبيح استثناؤه . وأخذ الزمخشري هذا القول فقال : وقال : إلا ما شاء الله ، والغرض نفي النسيان رأساً ، كما يقول الرجل لصاحبه : أنت سهيمي فيما أملك إلا ما شاء الله ، ولا يقصد استثناء شيء ، وهو من استعمال القلة في معنى النفي ، انتهى . وقول الفراء والزمخشري يجعل الاستثناء كلا استثناء ، وهذا لا ينبغي أن يكون في كلام الله تعالى ، بل ولا في كلام فصيح . وكذلك القول بأن لا في { فلا تنسى } للنهي ، والألف ثابتة لأجل الفاصلة ، وهذا قول ضعيف . ومفهوم الآية في غاية الظهور ، وقد تعسفوا في فهمها . والمعنى أنه تعالى أخبر أنه سيقرئه ، وأنه لا ينسى إلا ما شاء الله ، فإنه ينساه إما النسخ ، وإما أن يسن ، وإما على أن يتذكر . وهو صلى الله عليه وسلم معصوم من النسيان فيما أمر بتبليغه ، فإن وقع نسيان ، فيكون على وجه من الوجوه الثلاثة . ومناسبة { سنقرئك } لما قبله : أنه لما أمره تعالى بالتسبيح ، وكان التسبيح لا يتم إلا بقراءة ما أنزل عليه من القرآن ، وكان يتذكر في نفسه مخافة أن ينسى ، فأزال عنه ذلك وبشره بأنه تعالى يقرئه وأنه لا ينسى ، استثنى ما شاء الله أن ينسيه لمصلحة من تلك الوجوه . { إنه يعلم الجهر } : أي جهرك بالقرآن ، { وما يخفى } : أي في نفسك من خوف التفلت ، وقد كفاك ذلك بكونه تكفل بإقرائك إياه وإخباره أنك لا تنسى إلا ما استثناه ، وتضمن ذلك إحاطة علمه بالأشياء . { ونيسرك } معطوف على { سنقرئك } ، وما بينهما من الجملة المؤكدة اعتراض ، أي يوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل ، يعني في حفظ الوحي . وقيل : للشريعة الحنيفية السهلة . وقيل : يذهب بك إلى الأمور الحسنة في أمر دنياك وآخرتك من النصر وعلو المنزلة والرفعة في الجنة . ولما أخبر أنه يقرئه وييسره ، أمره بالتذكير ، إذ ثمرة الإقراء هي انتفاعه في ذاته وانتفاع من أرسل إليهم . والظاهر أن الأمر بالتذكير مشروط بنفع الذكرى ، وهذا الشرط إنما جيء به توبيخاً لقريش ، أي { إن نفعت الذكرى } في هؤلاء الطغاة العتاه ، ومعناه استبعاد انتفاعهم بالذكرى ، فهو كما قال الشاعر : @ لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي @@ كما تقول : قل لفلان وأعد له إن سمعك ؛ فقوله : إن سمعك إنما هو توبيخ وإعلام أنه لن يسمع . وقال الفراء والنحاس والزهراوي والجرجاني معناه : وإن لم ينفع فاقتصر على القسم الواحد لدلالته على الثاني . وقيل : إن بمعنى إذ ، كقوله : { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } [ آل عمران : 139 ] أي إذ كنتم ؛ لأنه لم يخبر بكونهم الأعلون إلا بعد إيمانهم . { سيذكر من يخشى } : أي لا يتذكر بذكراك إلا من يخاف ، فإن الخوف حامل على النظر في الذي ينجيه مما يخافه ، فإذا نظر فأداه النظر والتذكر إلى الحق ، وهؤلاء هم العلماء والمؤمنون كل على قدر ما وفق له . { ويتجنبها } : أي الذي ، { الأشقى } : أي المبالغ في الشقاوة ، لأن الكافر بالرسول صلى الله عليه وسلم هو أشقى الكفار ، كما أن المؤمن به وبما جاء به هو أفضل ممن آمن برسول قبله . ثم وصفه بما يؤول إليه حاله في الآخرة ، وهو صلي النار ووصفها بالكبرى . قال الحسن : النار الكبرى : نار الآخرة ، والصغرى : نار الدنيا . وقال الفراء : الكبرى : السفلى من أطباق النار . وقيل : نار الآخرة تتفاضل ، ففيها شيء أكبر من شيء . { ثم لا يموت } : فيستريح ، { ولا يحيى } حياة هنيئة ؛ وجيء بثم المقتضية للتراخي إيذاناً بتفاوت مراتب الشدة ، لأن التردد بين الحياة والموت أشد وأفظع من الصلي بالنار . { قد أفلح } : أي فاز وظفر بالبغية ، { من تزكى } : تطهر . قال ابن عباس : من الشرك ، وقال : لا إله إلا الله . وقال الحسن : من كان عمله زاكياً . وقال أبو الأحوص وقتادة وجماعة : من رضخ من ماله وزكاه . { وذكر اسم ربه } : أي وحده ، لم يقرنه بشيء من الأنداد ، { فصلى } : أي أتى الصلاة المفروضة وما أمكنه من النوافل ، والمعنى : أنه لما تذكر آمن بالله ، ثم أخبر عنه تعالى أنه أفلح من أتى بهاتين العبادتين الصلاة والزكاة ، واحتج بقوله : { وذكر اسم ربه } على وجوب تكبيرة الافتتاح ، وعلى أنه جائز بكل اسم من أسمائه تعالى ، وأنها ليست من الصلاة ، لأن الصلاة معطوفة على الذكر الذي هو تكبيرة الافتتاح ، وهو احتجاج ضعيف . وقال ابن عباس : { وذكر اسم ربه } : أي معاده وموقفه بين يدي ربه ، ( فصلى له ) . وقرأ الجمهور : { بل تؤثرون } بتاء الخطاب للكفار . وقيل : خطاب للبر والفاجر ؛ يؤثرها البر لاقتناء الثواب ، والفاجر لرغبته فيها . وقرأ عبد الله وأبو رجاء والحسن والجحدري وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو عمرو والزعفراني وابن مقسم : بياء الغيبة . { إن هذا } : أي الإخبار بإفلاح من تزكى وإيثار الناس للدنيا ، قاله ابن زيد وابن جرير ، ويرجح بقرب المشار إليه بهذا . وقال ابن عباس وعكرمة والسدي : إلى معاني السورة . وقال الضحاك : إلى القرآن . وقال قتادة : إلى قوله : { والآخرة خير وأبقى } . { لفي الصحف الأولى } ، لم ينسخ إفلاح من تزكى ، والآخرة خير وأبقى في شرع من الشرائع . فهو في الأولى وفي آخر الشرائع . وقرأ الجمهور : الصحف بضم الحاء كالحرف الثاني ؛ والأعمش وهرون وعصمة ، كلاهما عن أبي عمرو : بسكونها ؛ وفي كتاب اللوامح العبقلي عن أبي عمرو : الصحف صحف بإسكان الحاء فيهما ، لغة تميم . وقرأ الجمهور : إبراهيم بألف وبياء والهاء مكسورة ؛ وأبو رجاء : بحذفهما والهاء مفتوحة مكسورة معاً ؛ وأبو موسى الأشعري وابن الزبير : أبراهام بألف في كل القرآن ؛ ومالك بن دينار : إبراهيم بألف وفتح الهاء وبغير ياء ؛ وعبد الرحمن بن أبي بكرة : إبراهيم بكسر الهاء وبغير ياء في جميع القرآن . قال ابن خالويه : وقد جاء إبراهيم ، يعني بألف وضم الهاء . وتقدم في والنجم الكلام على صحف إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام .