Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-21)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر فيما قبلها { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } [ الشمس : 9 - 10 ] ذكر هنا من الأوصاف ما يحصل به الفلاح وما تحصل به الخيبة ، ثم حذر النار وذكر من يصلاها ومن يتجنبها ، ومفعول يغشى محذوف ، فاحتمل أن يكون النهار ، كقوله : { يغشي الليل النهار } [ الأعراف : 54 ، الرعد : 3 ] وأن يكون الشمس ، كقوله : { والليل إذا يغشاها } [ الشمس : 4 ] وقيل : الأرض وجميع ما فيها بظلامه . وتجلى : انكشف وظهر ، إما بزوال ظلمة الليل ، وإما بنور الشمس . أقسم بالليل الذي فيه كل حيوان يأوي إلى مأواه ، وبالنهار الذي تنتشر فيه . وقال الشاعر : @ يجلي السرى من وجهه عن صفيحة على السير مشراق كثير شحومها @@ وقرأ الجمهور : { تجلى } فعلاً ماضياً ، فاعله ضمير النهار . وقرأ عبد الله بن عبيد بن عمير : تتجلى بتاءين ، يعني الشمس . وقرىء : تجلى بضم التاء وسكون الجيم ، أي الشمس . { وما خلق } : ما مصدرية أو بمعنى الذي ، والظاهر عموم الذكر والأنثى . وقيل : من بني آدم فقط لاختصاصهم بولاية الله تعالى وطاعته . وقال ابن عباس والكلبي والحسن : هما آدم وحواء . والثابت في مصاحف الأمصار والمتواتر { وما خلق الذكر والأنثى } ، وما ثبت في الحديث من قراءة . والذكر والأنثى : نقل آخاد مخالف للسواد ، فلا يعد قرآناً . وذكر ثعلب أن من السلف من قرأ : وما خلق الذكر ، بجر الذكر ، وذكرها الزمخشري عن الكسائي ، وقد خرجوه على البدل من على تقدير : والذي خلق الله ، وقد يخرج على توهم المصدر ، أي وخلق الذكر والأنثى ، كما قال الشاعر : @ تطوف العفاة بأبوابه كما طاف بالبيعة الراهب @@ بجر الراهب على توهم النطق بالمصدر ، رأى كطواف الراهب بالبيعة . { إن سعيكم } : أي مساعيكم ، { لشتى } : لمتفرقة مختلفة ، ثم فصل هذا السعي . { فأما من أعطى } الآية : روي أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، كان يعتق ضعفة عبيده الذين أسلموا ، وينفق في رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله ، وكان الكفار بضدّه . قال عبد الله بن أبي أوفى : نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، وأبي سفيان بن حرب . وقال السدّي : نزلت في أبي الدحداح الأنصاري بسبب ما كان يعلق في المسجد صدقة ، وبسبب النخلة التي اشتراها من المنافق بحائط له ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ساوم المنافق في شرائها بنخلة في الجنة ، وذلك بسبب الأيتام الذين كانت النخلة تشرف على بيتهم ، فيسقط منها الشيء فتأخذه الأيتام ، فمنعهم المنافق ، فأبى عليه المنافق ، فجاء أبو الدحداح وقال : يا رسول الله أنا أشتري النخلة التي في الجنة بهذه ، وحذف مفعولي أعطى ، إذ المقصود الثناء على المعطى دون تعرض للمعطى والعطية . وظاهره بذل المال في واجب ومندوب ومكرمة . وقال قتادة : أعطى حق الله . وقال ابن زيد : أنفق ماله في سبيل الله . { واتقى } ، قال ابن عباس : اتقى الله . وقال مجاهد : واتقى البخل . وقال قتادة : واتقى ما نهي عنه . { وصدق بالحسنى } ، صفة تأنيث الأحسن . فقال ابن عباس وعكرمة وجماعة : هي الحلف في الدنيا الوارد به وعد الله تعالى . وقال مجاهد والحسن وجماعة : الجنة . وقال جماعة : الثواب . وقال السلمي وغيره : لا إله إلا الله . { فسنيسره لليسرى } : أي نهيئة للحالة التي هي أيسر عليه وأهون وذلك في الدنيا والآخرة . وقابل أعطى ببخل ، واتقى باستغنى ، لأنه زهد فيما عند الله بقوله : { واستغنى } ، { للعسرى } ، وهي الحالة السيئة في الدنيا والآخرة . وقال الزمخشري : فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد كقوله : { يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء } [ الأنعام : 125 ] إذ سمى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر ، وطريقة الشر العسرى لأن عاقبتها العسر ، أو أراد بهما طريقي الجنة والنار ، أي فسنهديهما في الآخرة للطريقين . انتهى ، وفي أول كلامه دسيسة الاعتزال . وجاء { فسنيسره للعسرى } على سبيل المقابلة لقوله : { فسنيسره لليسرى } ، والعسرى لا تيسير فيها ، وقد يراد بالتيسير التهيئة ، وذلك يكون في اليسرى والعسرى . { وما يغني } : يجوز أن تكون ما نافية واستفهامية ، أي : وأي شيء يغني عنه ماله ؟ { إذا تردى } : تفعل من الرّدى ، أي هلك ، قاله مجاهد ، وقال قتادة وأبو صالح : تردى في جهنم : أي سقط من حافاتها . وقال قوم : تردى بأكفانه ، من الردى ، وقال مالك بن الذئب : @ وخطا بأطراف الأسنة مضجعي ورداً على عينيّ فضل ردائيا @@ وقال آخر : @ نصيبك مما تجمع الدهر كله رداءان تلوي فيهما وحنوط @@ { إن علينا للهدى } : التعريف بالسبيل ومنحهم الإدراك ، كما قال تعالى : { وعلَى الله قصد السبيل } [ النحل : 9 ] وقال الزمخشري : إن الإرشاد إلى الحق واجب علينا بنصب الدلائل وبيان الشرائع . { وإن لنا للآخرة والأولى } : أي ثواب الدارين ، لقوله تعالى : { وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } [ العنكبوت : 27 ] وقرأ ابن الزبير وزيد بن عليّ وطلحة وسفيان بن عيينة وعبيد بن عمير : تتلظى بتاءين ، والبزي بتاء مشدّدة ، والجمهور : بتاء واحدة . وقال الزمخشري : الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين ، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين ، فقيل : { الأشقى } ، وجعل مختصاً بالصلى ، كأن النار لم تخلق إلا له . وقال : { الأتقى } ، وجعل مختصاً بالنجاة وكأن الجنة لم تخلق إلا له . وقيل : هما أبو جهل ، أو أمية بن خلف وأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه . { يتزكى } ، من الزكاة : أي يطلب أن يكون عند الله زاكياً ، لا يريد به رياء ولا سمعة ، أو يتفعل من الزكاة ، انتهى . وقرأ الجمهور : { يتزكى } مضارع تزكى . وقرأ الحسن بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم : بإدغام التاء في الزاي ، ويتزكى في موضع الحال ، فموضعه نصب . وأجاز الزمخشري أن لا يكون له موضع من الإعراب لأنه جعله بدلاً من صلة الذي ، وهو { يؤتي } ، قاله : وهو إعراب متكلف ، وجاء { تجزى } مبنياً للمفعول لكونه فاصلة ، وكان أصله نجزيه إياها أو نجزيها إياه . وقرأ الجمهور : { إلا ابتغاء } بنصب الهمزة ، وهو استثناء منقطع لأنه ليس داخلاً في { من نعمة } . وقرأ ابن وثاب : بالرفع على البدل في موضع نعمة لأنه رفع ، وهي لغة تميم ، وأنشد بالوجهين قول بشر بن أبي حازم : @ أضحت خلاء قفاراً لا أنيس بها إلا الجآذر والظلمات تختلف @@ وقال الراجز في الرفع : @ وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس @@ وقرأ ابن أبي عبلة : { إلا ابتغاء } ، مقصوراً . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون ابتغاء وجه الله مفعولاً له على المعنى ، لأن معنى الكلام لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه ، لا لمكافأة نعمه ، انتهى . وهذا أخذه من قول الفراء . قال الفراء : ونصب على تأويل ما أعطيك ابتغاء جزائك ، بل ابتغاء وجه الله . { ولسوف يرضى } : وعد بالثواب الذي يرضاه . وقرأ الجمهور : { يرضى } بفتح الياء ، وقرىء : بضمها ، أي يرضى فعله ، يرضاه الله ويجازيه عليه .