Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 1-11)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقرأ الجمهور { ما ودعك } بتشديد الدال ؛ وعروة بن الزبير وابنه هشام وأبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة : بخفها ، أي ما تركك . واستغنت العرب في فصيح كلامها بترك عن ودع ووذر ، وعن اسم فاعلهما بتارك ، وعن اسم مفعولهما بمتروك ، وعن مصدرهما بالترك ، وقد سمع ودع ووذر . قال أبو الأسود : @ ليت شعري عن خليلي ما الذي غاله في الحب حتى ودعه @@ وقال آخر : @ وثم ودعنا آل عمرو وعامر فرائس أطراف المثقفة السمر @@ والتوديع مبالغة في الودع ، لأن من ودعك مفارقاً فقد بالغ في تركك . { وما قلى } : ما أبغضك ، واللغة الشهيرة في مضارع قلى يقلى ، وطيىء تعلى بفتح العين وحذف المفعول اختصاراً في { قلى } ، وفي { فآوى } وفي { فهدى } ، وفي { فأغنى } ، إذ يعلم أنه ضمير المخاطب ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم . قال ابن عباس وغيره : أبطأ الوحي مرة على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، حتى شق ذلك عليه ، فقالت أم جميل ، امرأة أبي لهب : يا محمد ما أرى شيطانك إلا تركك ؟ فنزلت . وقال زيد بن أسلم : إنما احتبس عنه جبريل عليه السلام لجرو كلب كان في بيته . { وللآخرة خير لك من الأولى } : يريد الدارين ، قاله ابن إسحاق وغيره . ويحتمل أن يريد حالتيه قبل نزول السورة وبعدها ، وعده تعالى بالنصر والظفر ، قاله ابن عطية اهتمالاً . وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف اتصل قوله : { وللآخرة خير لك من الأولى } بما قبله ؟ قلت : لما كان في ضمن نفي التوديع والقلى أن الله مواصلك بالوحي إليك ، وأنك حبيب الله ، ولا ترى كرامة أعظم من ذلك ، ولا نعمة أجل منه ، أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل ، وهو السبق والتقدم على جميع أنبياء الله ورسله ، وشهادة أمته على سائر الأمم ، ورفع درجات المؤمنين وإعلاء مراتبهم بشفاعته . { ولسوف يعطيك ربك فترضى } ، قال الجمهور : ذلك في الآخرة . وقال ابن عباس : رضاه أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار . وقال أيضاً : رضاه أنه وعده بألف قصر في الجنة بما تحتاج إليه من النعم والخدم . وقيل : في الدنيا بفتح مكة وغيره ، والأولى أن هذا موعد شامل لما أعطاه في الدنيا من الظفر ، ولما ادخر له من الثواب . واللام في { وللآخرة } لام ابتداء أكدت مضمون الجملة ، وكذا في { ولسوف } على إضمار مبتدأ ، أي ولأنت سوف يعطيك . ولما وعده هذا الموعود الجليل ، ذكره بنعمه عليه في حال نشأته . { ألم يجدك } : يعلمك ، { يتيماً } : توفي أبوه عليه الصلاة والسلام وهو جنين ، أتت عليه ستة أشهر وماتت أمه عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثماني سنين ، فكفله عمه أبو طالب فأحسن تربيته . وقيل لجعفر الصادق : لم يتم النبي صلى الله عليه وسلم من أبويه ؟ فقال : لئلا يكون عليه حق لمخلوق . قال الزمخشري : ومن بدع التفاسير أنه من قولهم درّة يتيمة ، وأن المعنى : ألم يجدك واحداً في قريش عديم النظير فآواك ، انتهى . وقرأ الجمهور : { فآوى } رباعياً ؛ وأبو الأشهب العقيلي : فأوى ثلاثياً ، بمعنى رحم . تقول : أويت لفلان : أي رحمته ، ومنه قول الشاعر : @ أراني ولا كفران لله أنه لنفسي قد طالبت غير منيل @@ { ووجدك ضالاً } : لا يمكن حمله على الضلال الذي يقابله الهدى ، لأن الأنبياء معصومون من ذلك . قال ابن عباس : هو ضلاله وهو في صغره في شعاب مكة ، ثم رده الله إلى جده عبد المطلب . وقيل : ضلاله من حليمة مرضعته . وقيل : ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب ، ولبعض المفسرين أقوال فيها بعض ما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . ولقد رأيت في النوم أني أفكر في هذه الجملة فأقول على الفور : { ووجدك } ، أي وجد رهطك ، { ضالاً } ، فهداه بك . ثم أقول : على حذف مضاف ، نحو : { وسئل القرية } [ يوسف : 82 ] . وقرأ الجمهور : { عائلاً } : أي فقيراً . قال جرير : @ الله نزل في الكتاب فريضة لابن السبيل وللفقير العائل @@ كرر لاختلاف اللفظ . وقرأ اليماني : عيّلاً ، كسيّدٍ ، بتشديد الياء المكسورة ، ومنه قول أجيحة بن الحلاج : @ وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل @@ عال : افتقر ، وأعال : كثر عياله . قال مقاتل : { فأغنى } رضاك بما أعطاك من الرزق . وقيل : أغناك بالقناعة والصبر . وقيل : بالكفاف . ولما عدد عليه هذه النعم الثلاث ، وصاه بثلاث كأنها مقابلة لها . { فلا تقهر } ، قال مجاهد : لا تحتقره . وقال ابن سلام : لا تستزله . وقال سفيان : لا تظلمه بتضييع ماله . وقال الفراء : لا تمنعه حقه ، والقهر هو التسليط بما يؤذي . وقرأ الجمهور : { تقهر } بالقاف ؛ وابن مسعود وإبراهيم التيمي : بالكاف بدل القاف ، وهي لغة بمعنى قراءة الجمهور . { وأما السائل } : ظاهره المستعطي ، { فلا تنهر } : أي تزجره ، لكن أعطه أو رده رداً جميلاً . وقال قتادة : لا تغلظ عليه ، وهذه في مقابلة { ووجدك عائلاً فأغنى } ؛ فالسائل ، كما قلنا : المستعطي ، وقاله الفراء وجماعة . وقال أبو الدرداء والحسن وغيرهما : السائل هنا : السائل عن العلم والدين ، لا سائل المال ، فيكون بإزاء { ووجدك ضالاً فهدى } . { وأما بنعمة ربك فحدّث } ، قال مجاهد والكلبي : معناه بث القرآن وبلغ ما أرسلت به . وقال محمد بن إسحاق : هي النبوة . وقال آخرون : هي عموم في جميع النعم . وقال الزمخشري : التحديث بالنعم : شكرها وإشاعتها ، يريد ما ذكره من نعمة الإيواء والهداية والإغناء وما عدا ذلك ، انتهى . ويظهر أنه لما تقدم ذكر الامتنان عليه بذكر الثلاثة ، أمره بثلاثة : فذكر اليتيم أولاً وهي البداية ، ثم ذكر السائل ثانياً وهو العائل ، وكان أشرف ما امتن به عليه هي الهداية ، فترقى من هذين إلى الأشرف وجعله مقطع السورة ، وإنما وسط ذلك عند ذكر الثلاثة ، لأنه بعد اليتيم هو زمان التكليف ، وهو عليه الصلاة والسلام معصوم من اقتراف ما لا يرضي الله عز وجل في القول والفعل والعقيدة ، فكان ذكر الامتنان بذلك على حسب الواقع بعد اليتيم وحالة التكليف ، وفي الآخر ترقى إلى الأشرف ، فهما مقصدان في الخطاب .