Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 37-40)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ } افتراء { مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ } كان { تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } وهو ما تقدمه من الكتب المنزلة ، لأنه معجز دونها فهو عيار عليها وشاهد لصحتها ، كقوله تعالى { هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } فاطر 31 . وقرىء « ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب » على ولكن هو تصديق وتفصيل . ومعنى وَمَا كَانَ أن يَفْتَرِى . وما صحّ وما استقام ، وكان محالاً أن يكون مثله في علو أمره وإعجازه مفتري { وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ } وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع ، من قوله { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } النساء 24 . فإن قلت بم اتصل قوله { لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قلت هو داخل في حيز الاستدراك . كأنه قال ولكن كان تصديقاً وتفصيلاً منتفياً عنه الريب كائناً من رب العالمين . ويجوز أن يراد ولكن كان تصديقاً من رب العالمين وتفصيلاً منه لا ريب في ذلك ، فيكون { مِن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ } متعلقاً بتصديق وتفصيل ، أو يكون { لاَ رَيْبَ فِيهِ } اعتراضاً ، كما تقول زيد لا شكّ فيه كريم { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } بل أيقولون اختلقه ، على أن الهمزة تقرير لإلزام الحجة عليهم . أو إنكار لقولهم واستبعاد . والمعنيان متقاربان { قُلْ } إن كان الأمر كما تزعمون { فَأْتُواْ } أنتم على وجه الافتراء { بِسُورَةٍ مّثْلِهِ } فأنتم مثلي في العربية والفصاحة . ومعنى { بِسُورَةٍ مّثْلِهِ } أي شبيهة به في البلاغة وحسن النظم . وقرىء « بسورة مثله » على الإضافة ، أي بسورة كتاب مثله { وَٱدْعُواْ } من دون الله { مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } من خلقه للاستعانة به على الإتيان بمثله يعني أنّ الله وحده هو القادر على أن يأتي بمثله لا يقدر على ذلك أحد غيره ، فلا تستعينوه وحده ، ثم استعينوا بكل من دونه { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أنه افتراء { بَلْ كَذَّبُواْ } بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن ، وفاجؤه في بديهة السماع قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره ، وقبل أن يتدبروه ويقفوا على تأويله ومعانيه وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم ، كالناشيء على التقليد من الحشوية ، إذا أحسّ بكلمة لا توافق ما نشأ عليه وألفه - وإن كانت أضوأ من الشمس في ظهور الصحة وبيان الاستقامة - أنكرها في أوّل وهلة ، واشمأز منها قبل أن يحسّ إدراكها بحاسّة سمعه من غير فكر في صحة أو فساد ، لأنه لم يشعر قلبه إلاّ صحة مذهبه وفساد ما عداه من المذاهب . فإن قلت ما معنى التوقع في قوله { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } ؟ قلت معناه أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل ، تقليداً للآباء . وكذبوه بعد التدبر ، تمرداً وعناداً ، فذمهم بالتسرع إلى التكذيب قبل العلم به ، وجاء بكلمة التوقع ليؤذن أنهم علموا بعد علو شأنه وإعجازه لما كرّر عليهم التحدّي ، ورازوا قواهم في المعارضة واستيقنوا عجزهم عن مثله ، فكذبوا به بغياً وحسداً { كَذَلِكَ } أي مثل ذلك التكذيب { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني قبل النظر في معجزات الأنبياء وقبل تدبرها من غير إنصاف من أنفسهم ، ولكن قلدوا الآباء وعاندوا . وقيل هو في الذين كذبوا وهم شاكون . ويجوز أن يكون معنى { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب أي عاقبته ، حتى يتبين لهم أهو كذب أم صدق ، يعني أنه كتاب معجز من جهتين من جهة إعجاز نظمه ، ومن جهة ما فيه من الإخبار بالغيوب ، فتسرعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حدّ الإعجاز ، وقبل أن يخبروا أخباره بالمغيبات وصدقه وكذبه { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ } يصدق به في نفسه ، ويعلم أنه حق ، ولكنه يعاند بالتكذيب . ومنهم من يشكّ فيه لا يصدق به ، أو يكون للاستقبال ، أي ومنهم من سيؤمن به ومنهم من سيصرّ { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } بالمعاندين ، أو المصرين .