Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 71-73)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَبُرَ عَلَيْكُمْ } عظم عليكم وشقّ وثقل . ومنها قوله تعالى { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ } البقرة 45 . ويقال تعاظمه الأمر { مَّقَامِى } مكاني ، يعني نفسه ، كما تقول فعلت كذا لمكان فلان وفلان ثقيل الظل . ومنه { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } الرحمٰن 46 بمعنى خاف ربه . أو قيامي ومكثي بين أظهركم مدداً طوالاً أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً أو مقامي وتذكيري لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ، ليكون مكانهم بيناً وكلامهم مسموعاً ، كما يحكى عن عيسى صلوات الله عليه أنه كان يعظ الحواريين قائماً وهم قعود { فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ } من أجمع الأمر ، وأزمعه ، إذا نواه وعزم عليه . قال @ هَلْ أَغْدُوَنْ يَوْماً وَأَمْرِي مُجْمعُ @@ والواو بمعنى « مع » يعني فأجمعوا أمركم مع شركائكم . وقرأ الحسن « وشركاؤكم » بالرفع عطفاً على الضمير المتصل ، وجاز من غير تأكيد بالمنفصل لقيام الفاصل مقامه لطول الكلام ، كما تقول اضرب زيداً وعمرو . وقرىء « فاجمعوا » من الجمع . وشركاءكم نصب للعطف على المفعول ، أو لأنّ الواو بمعنى « مع » وفي قراءة أبيّ « فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم » فإن قلت كيف جاز إسناد الإجماع إلى الشركاء ؟ قلت على وجه التهكم ، كقوله { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ } الأعراف 195 فإن قلت ما معنى الأمرين ؟ أمرهم الذي يجمعونه ، وأمرهم الذي لا يكون عليهم غمة ؟ قلت أمّا الأمر الأوّل فالقصد إلى إهلاكه ، يعني فأجمعوا ما تريدون من إهلاكي واحتشدوا فيه وابذلوا وسعكم في كيدي . وإنما قال ذلك إظهاراً لقلة مبالاته وثقته بما وعده ربه من كلاءته وعصمته إياه ، وأنهم لن يجدوا إليه سبيلاً . وأما الثاني ففيه وجهان ، أحدهما أن يراد مصاحبتهم له وما كانوا فيه معه من الحال الشديدة عليهم المكروهة عندهم ، يعني ثم أهلكوني لئلا يكون عيشكم بسببي غصة وحالكم عليكم غمة أي غماً وهماً ، والغم والغمة ، كالكرب والكربة . والثاني أن يراد به ما أريد بالأمر الأوّل ، والغمة السترة من غمه إذا ستره . ومنها قوله عليه السلام 519 " ولا غمة في فرائض الله " أي لا تستر ، ولكن يجاهر بها ، يعني ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستوراً عليكم ولكن مكشوفاً مشهوراً تجاهرونني به { ثُمَّ ٱقْضُواْ إِلَىَّ } ذلك الأمر الذي تريدون بي ، أي أدّوا إليَّ قطعه وتصحيحه ، كقوله تعالى { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } الحجر 66 أو أدّوا إليّ ما هو حق عليكم عندكم من هلاكي كما يقضي الرجل غريمه { وَلاَ تُنظِرُونَ } ولا تمهلوني . قرىء « ثم افضوا إليّ » بالفاء بمعنى ثم انتهوا إليّ بشرّكم . وقيل هو من أفضى الرجل إذا خرج إلى الفضاء ، أي أصحروا به إليَّ وأبرزوه لي { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } فإن أعرضتم عن تذكيري ونصيحتي { فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ } فما كان عندي ما ينفركم عني وتتهموني لأجله من طمع في أموالكم وطلب أجر على عظتكم { إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } وهو الثواب الذي يثيبني به في الآخرة أي ما نصحتكم إلاّ لوجه الله ، لا لغرض من أغراض الدنيا { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } الذين لا يأخذون على تعليم الدين شيئاً ولا يطلبون به دنيا ، يريد أن ذلك مقتضى الإسلام ، والذي كل مسلم مأمور به . والمراد أن يجعل الحجّة لازمة لهم ويبرىء ساحته ، فذكر أن توليهم لم يكن عن تفريط منه في سوق الأمر معهم على الطريق الذي يجب أن يساق عليه ، وإنما ذلك لعنادهم وتمرّدهم لا غير { فَكَذَّبُوهُ } فتموا على تكذيبه ، وكان تكذيبهم له في آخر المدّة المتطاولة كتكذيبهم في أوّلها ، وذلك عند مشارفة الهلاك بالطوفان { وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ } يخلفون الهالكين بالغرق { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } تعظيم لما جرى عليهم ، وتحذير لمن أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثله ، وتسلية له .