Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 102, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ألهاه عن كذا وأقهاه إذا شغله . و { ٱلتَّكَّاثُرُ } التباري في الكثرة والتباهي بها ، وأن يقول هؤلاء نحن أكثر ، وهؤلاء نحن أكثر . روي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عدداً ، فكثرهم بنو عبد مناف فقالت بنو سهم إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادّونا بالأحياء والأموات ، فكثرتهم بنو سهم . والمعنى أنكم تكاثرتم بالأحياء حتى إذا استوعبتم عددهم صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات عبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكماً بهم . وقيل كانوا يزورون المقابر فيقولون هذا قبر فلان وهذا قبر فلان عند تفاخرهم . والمعنى ألهاكم ذلك - وهو مما لا يعينكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم - عما يعينكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعني من كل مهم . أو أراد ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم . منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاستباق إليها والتهالك عليها ، إلى أن أتاكم الموت لا همّ لكم غيرها ، عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم والعمل لآخرتكم . وزيارة القبور عبارة عن الموت . قال @ لَنْ يُخْلِصَ الْعَامَ خَلِيلٌ عِشْراً ذَاقَ الضِّمَادَ أَوْ يَزُورَ الْقَبْرا @@ وقال @ زَارَ الْقُبُورَ أَبُو مَالِكٍ فَأَصْبَحَ أَلأمَّ زُوَّارِهَا @@ وقرأ ابن عباس « أألهاكم » ؟ على الاستفهام الذي معناه التقرير { كَلاَّ } ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه ولا يهتم بدينه { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } إنذار ليخافوا فيتنبهوا من غفلتهم . والتكرير تأكيد للردع والأنذار عليهم . و ثم دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأوّل وأشد ، كما تقول للمنصوح أقول لك ثم أقول لك لا تفعل ، والمعنى سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدّامكم من هول لقاء الله ، وإنّ هذا التنبيه نصيحة لكم ورحمة عليكم . ثم كرّر التنبيه أيضاً وقال { لَّوْ تَعْلَمُونَ } محذوف الجواب ، يعني لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين ، أي كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور التي وكلتم بعملها هممكم لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه ولكنكم ضلال جهلة ثم قال { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ6 } فبين لهم ما أنذرهم منه وأوعدهم به وقد مرّ ما في إيضاح الشيء بعد إبهامه من تفخيمه وتعظيمه ، وهو جواب قسم محذوف ، والقسم لتوكيد الوعيد ، وأن ما أوعدوا به ما لا مدخل فيه للريب وكرره معطوفاً بثم تغليظاً في التهديد وزيادة في التهويل . وقرىء « لترؤن » بالهمز وهي مستكرهة . فإن قلت لم استكرهت والواو المضمومة قَلَبَهَا همزة قياس مطرد ؟ قلت ذاك في الواو التي ضمتها لازمة ، وهذه عارضة لالتقاء الساكنين . وقرىء « لترون » ولترونها على البناء للمفعول { عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } أي الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته . ويجوز أن يراد بالرؤية العلم والإبصار { عَنِ ٱلنَّعِيمِ } عن اللهو والتنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه . فإن قلت ما النعيم الذي يسئل عنه الإنسان ويعاتب عليه ؟ فما من أحد إلاّ وله نعيم ؟ قلت هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات ، ولم يعش إلاّ ليأكل الطيب ويلبس اللين ، ويقطع أوقاته باللهو والطرب ، لا يعبأ بالعلم والعمل ، ولا يحمّل نفسه مشاقهما فأما من تمتع بنعمة الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلاّ لعباده ، وتقوّى بها على دراسة العلم والقيام بالعمل ، وكان ناهضاً بالشكر فهو من ذاك بمعزل وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي 1338 أنه أكل هو وأصحابه تمر وشربوا عليه ماء فقال " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1339 " من قرأ ألهاكم التكاثر لم يحاسبه الله بالنعيم الذي أنعم به عليه في دار الدنيا ، وأعطي من الأجر كأنما قرأ ألف آية " .