Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 107, Ayat: 1-7)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرىء « أريت » ، بحذف الهمزة ، وليس بالاختيار لأنّ حذفها مختص بالمضارع ، ولم يصحّ عن العرب ريت ، ولكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أوّل الكلام . ونحوه @ صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ رَدَّ فِي الضَّرْعِ مَا قَرَى فِي الْحِلاَبِ @@ وقرأ ابن مسعود « أرأيتك » بزيادة حرف الخطاب ، كقوله { أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } الإسراء62 والمعنى هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو ؟ إن لم تعرفه { فَذَلِكَ ٱلَّذِى } يكذب بالجزاء ، هو الذي { يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } أي يدفعه دفعاً عنيفاً بجفوة وأذى ، ويردّه ردّاً قبيحاً بزجر وخشونة . وقرىء « يدع » أي يترك ويجفو { وَلاَ يَحُضُّ } ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين ، جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف ، يعني أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد ، لخشي الله تعالى وعقابه ولم يقدم على ذلك ، فحين أقدم عليه علم أنه مكذب ، فما أشدّه من كلام ، وأما أخوفه من مقام . وما أبلغه في التحذير من المعصية وأنها جديرة بأن يستدلّ بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين ، ثم وصل به قوله { فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ } كأنه قال فإذا كان الأمر كذلك ، فويل للمصلين الذين يسهون عن الصلاة قلة مبالاة بها ، حتى تفوتهم أو يخرج وقتها ، أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف ولكن ينقرونها نقراً من غير خشوع وإخبات ولا اجتناب لما يكره فيها من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات ، لا يدري الواحد منهم عن كم انصرف ، ولا ما قرأ من السور ، وكما ترى صلاة أكثر من ترى الذين عادتهم الرياء بأعمالهم ومنع حقوق أموالهم . والمعنى أن هؤلاء أحق بأن يكون سهوهم عن الصلاة - التي هي عماد الدين ، والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبة من الشرك ، ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام - علماً على أنهم مكذبون بالدين . وكم ترى من المتسمين بالإسلام ، بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة ، فيا مصيبتاه . وطريقة أخرى أن يكون { فَذَلِكَ } عطفاً على { ٱلَّذِى يُكَذّبُ } إمّا عطف ذات على ذات ، أوصفة على صفة ، ويكون جواب { أَرَءَيْتَ } محذوفاً لدلالة ما بعده عليه ، كأنه قيل أخبرني ، وما تقول فيمن يكذب بالجزاء ؟ وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين ؟ أنِعم ما يصنع ؟ ثم قال { فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ } أي إذا علم أنه مسىء ، فويل للمصلين ، على معنى فويل لهم ، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم لأنهم مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين ، غير مزكين أموالهم . فإن قلت كيف جعلت المصلين قائماً مقام ضمير الذي يكذب ، وهو واحد ؟ قلت معناه الجمع ، لأنّ المراد به الجنس . فإن قلت أيّ فرق بين قوله { عَن صَلَـٰتِهِمْ } وبين قولك في صلاتهم ؟ قلت معنى عن أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفات إليها وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشطار من المسلمين . ومعنى في أنّ السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس ، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم . 1345 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته فضلاً عن غيره ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم . وعن أنس رضي الله عنه الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم . وقرأ ابن مسعود « لاهون » فإن قلت ما معنى المراآة قلت هي مفاعلة من الإراءة ، لأنّ المرائي يري الناس عمله ، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به ، ولا يكون الرجل مرائياً بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة ، فمن حقّ الفرائض الإعلان بها وتشهيرها ، لقوله عليه الصلاة السلام 1346 " ولا غمة في فرائض الله " لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين ولأن تاركها يستحق الذمّ والمقت ، فوجب إماطة التهمة بالإظهار وإن كان تطوعاً ، فحقه أن يخفي ، لأنه مما لا يلام برتكه ولا تهمة فيه فإن أظهره قاصداً للاقتداء به كان جميلاً ، وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين ، فيثنى عليه بالصلاح . وعن بعضهم أنه رأى رجلاً في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها ، فقال ما أحسن هذا لو كان في بيتك وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة على أن اجتناب الرياء صعب إلاّ على المرتاضين بالإخلاص . ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 1347 " الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود " { ٱلْمَاعُونَ } الزكاة ، قال الراعي @ قِوْمٌ عَلَى الإسْلاَمِ لما يَمْنَعُوا مَاعُونَهُمْ وِيُضَيِّعُوا التَّهْلِيلاَ @@ وعن ابن مسعود ما يتعاور في العادة من الفأس والقدر والدلو والمقدحة ونحوها . وعن عائشة الماء والنار والملح وقد يكون منع هذه الأشياء محظوراً في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار ، وقبيحاً في المروءة في غير حال الضرورة . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1348 " من قرأ سورة أرأيت غفر الله له إن كان للزكاة مؤديا " .