Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 103-103)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما قص الله من قصص الأمم الهالكة بذنوبهم { لآيَةً لِـّمَنْ خَافَ } لعبرة له ، لأنه ينظر إلى ما أحل الله بالمجرمين في الدنيا ، وما هو إلا أنموذج مما أعدّ لهم في الآخرة ، فإذا رأى عظمه وشدّته اعتبر به عظم العذاب الموعود ، فيكون له عبرة وعظة ولطفاً في زيادة التقوى والخشية من الله تعالى . ونحوه { إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } النازعات 26 { ذٰلِكَ } إشارة إلى يوم القيامة ، لأنّ عذاب الآخرة دلّ عليه . و { ٱلنَّاسِ } رفع باسم المفعول الذي هو مجموع كما يرفع بفعله إذا قلت يجمع له الناس . فإن قلت لأي فائدة أوأثر اسم المفعول على فعله ؟ قلت لما في اسم المفعول من دلالة على ثبات معنى الجمع لليوم وأنه يوم لا بدّ من أن يكون ميعاداً مضروباً لجمع الناس له ، وأنه الموصوف بذلك صفة لازمة ، وهو أثبت أيضاً لإسناد الجمع إلى الناس ، وأنهم لا ينفكون منه ، ونظيره قول المتهدد إنك لمنهوب مالك محروب قومك ، فيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس في الفعل ، وإن شئت فوازن بينه وبين قوله { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } التغابن 9 تعثر على صحة ما قلت لك . ومعنى يجمعون له يجمعون لما فيه من الحساب والثواب والعقاب { يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } مشهود فيه ، فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به ، كقوله @ وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وَعامِراً @@ أي يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد . والمراد بالمشهود الذي كثر شاهدوه ومنه قولهم لفلان مجلس مشهود ، وطعام محضور . قال @ في مَحْفَلٍ مِنْ نَوَاصِي النَّاسِ مَشْهُودِ @@ فإن قلت فما منعك أن تجعل اليوم مشهوداً في نفسه دون أن تجعله مشهوداً فيه ، كما قال الله تعالى { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } البقرة 185 ؟ قلت الغرض وصف ذلك اليوم بالهول والعظم وتميزه من بين الأيام ، فإن جعلته مشهوداً في نفسه فسائر الأيام كذلك مشهودات كلها ، ولكن يجعل مشهوداً فيه حتى يحصل التميز كما تميز يوم الجمعة عن أيام الأسبوع بكونه مشهوداً فيه دونها ، ولم يجز أن يكون مشهوداً في نفسه لأنّ سائر أيام الأسبوع مثله يشهدها كل من يشهده ، وكذلك قوله { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } البقرة 185 الشهر منتصب ظرفاً لا مفعولا به ، وكذلك الضمير في { فَلْيَصُمْهُ } والمعنى فمن شهد منكم في الشهر فليصم فيه ، يعني فمن كان منكم مقيماً حاضراً لوطنه في شهر رمضان فليصم فيه ، ولو نصبته مفعولاً فالمسافر والمقيم كلاهما يشهدان الشهر ، لا يشهده المقيم ، ويغيب عنه المسافر