Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 116-116)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ } فهلا كان وقد حكوا عن الخليل كل « لولا » في القرآن فمعناها « هلا » إلا التي في الصافات ، وما صحت هذه الحكاية ففي غير الصافات { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَاء } القلم 49 ، { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ } الفتح 25 ، { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ } الإسراء 74 ، { أُوْلُواْ بَقِيَّتُ } أولو فضل وخير . وسمى الفضل والجودة بقية لأنّ الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله ، فصار مثلاً في الجودة والفضل . ويقال فلان من بقية القوم ، أي من خيارهم . وبه فسر بيت الحماسة @ إنْ تُذْنِبُوا ثُمَّ يَأْتِينِي بَقِيَّتُكُمْ @@ ومنه قولهم في الزوايا خبايا ، وفي الرجال بقايا . ويجوز أن تكون البقية بمعنى البقوى ، كالتقية بمعنى التقوى ، أي فهلا كان منهم ذوو بقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط الله وعقابه ، وقرىء « أولو بقية » ، بوزن لقية ، من بقاه يبقيه إذا راقبه وانتظره ومنه 536 « بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم » والبقية المرّة من مصدره . والمعنى فلو كان منهم أولو مراقبة وخشية من انتقام الله ، كأنهم ينتظرون إيقاعه بهم لإشفاقهم { إِلاَّ قَلِيلاً } استثناء منقطع ، معناه ولكن قليلاً ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد ، وسائرهم تاركون للنهي . و { مِنْ } في { مّمَّنْ أَنجَيْنَا } حقها أن تكون للبيان لا للتبعيض لأن النجاة إنما هي للناهين وحدهم ، بدليل قوله تعالى { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } الأعراف 165 . فإن قلت هل لوقوع هذا الاستثناء متصلا وجه يحمل عليه ؟ قلت إن جعلته متصلا على ما عليه ظاهر الكلام ، كان المعنى فاسداً لأنه يكون تخصيصاً لأولى البقية على النهي عن الفساد ، إلا للقليل من الناجين منهم كما تقول هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحاء منهم ، تريد استثناء الصلحاء من المحضضين على قراءة القرآن وإن قلت في تحضيضهم على النهي عن الفساد معنى نفيه عنهم ، فكأنه قيل ماكان من القرون أولو بقية إلا قليلاً ، كان استثناء متصلا ومعنى صحيحاً ، وكان انتصابه على أصل الاستثناء ، وإن كان الأفصح أن يرفع على البدل { وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ } أراد بالذين ظلموا تاركي النهي عن المنكرات ، أي لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعقدوا هممهم بالشهوات ، واتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والتترف ، من حب الرياسة والثروة ، وطلب أسباب العيش الهنيء . ورفضوا ما وراء ذلك ونبذوه وراء ظهورهم . وقرأ أبو عمرو في رواية الجعفي ، « واتبع الذين ظلموا » ، يعني واتبعوا جزاء ما أترفوا فيه . ويجوز أن يكون المعنى في القراءة المشهورة أنهم اتبعوا جزاء إترافهم . وهذا معنى قويّ لتقدم الإنجاء ، كأنه قيل إلا قليلاً ممن أنجينا منهم وهلك السائر . فإن قلت علام عطف قوله { وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ؟ قلت إن كان معناه واتبعوا الشهوات ، كان معطوفاً على مضمر ، لأنّ المعنى إلا قليلاً ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد ، واتبع الذين ظلموا شهواتهم ، فهو عطف على نهوا . وإن كان معناه واتبعوا جزاء الإتراف ، فالواو للحال ، كأنه قيل أنجينا القليل وقد اتبع الذين ظلموا جزاءهم . فإن قلت فقوله { وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } ؟ قلت على أترفوا أي اتبعوا الإتراف وكونهم مجرمين لأن تابع الشهوات مغمور بالآثام . أو أريد بالإجرام إغفالهم للشكر . أو على اتبعوا ، أي اتبعوا شهواتهم وكانوا مجرمين بذلك . ويجوز أن يكون اعتراضاً وحكماً عليهم بأنهم قوم مجرمون .