Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 28-31)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَرَءيْتُمْ } أخبروني { إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيّنَةٍ } على برهان { مّن رَّبّى } وشاهد منه يشهد بصحة دعواي { وَءَاتَٰني رَحْمَةً مِنْ عِندهِ } بإيتاء البينة على أن البينة في نفسها هي الرحمة ، ويجوز أن يريد بالبينة المعجزة ، وبالرحمة النبوّة . فإن قلت فقوله { فَعُمّيَتْ } ظاهر على الوجه الأوّل ، فما وجهه على الوجه الثاني ؟ وحقه أن يقال فعميتا ؟ قلت الوجه أن يقدّر فعميت بعد البينة ، وأن يكون حذفه للاقتصار على ذكره مرة ومعنى عميت خفيت . وقرىء « فعميت » بمعنى أخفيت . وفي قراءة أبي « فعماها عليكم » فإن قلت فما حقيقته ؟ قلت حقيقته أن الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة جعلت عمياء ، لأنّ الأعمى لا يهتدي ولا يهدي غيره ، فمعنى فعميت عليكم البينة فلم تهدكم ، كما لو عمي على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغير هاد . فإن قلت فما معنى قراءة أبي ؟ قلت المعنى أنهم صمموا على الإعراض عنها فخلاهم الله وتصميمهم ، فجعلت تلك التخلية تعمية منه ، والدليل عليه قوله { أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَـٰرِهُونَ } يعني أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء بها ، وأنتم تكرهونها ولا تختارونها ، ولا إكراه في الدين ؟ وقد جيء بضميري المفعولين متصلين جميعاً . ويجوز أن يكون الثاني منفصلاً كقولك أنلزمكم إياها . ونحوه { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } البقرة 137 ويجوز فسيكفيك إياهم . وحكي عن أبي عمرو إسكان الميم . ووجهه أنّ الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة ، فظنها الراوي سكوناً . والإسكان الصريح لحن عند الخليل وسيبويه وحذاق البصريين لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا في ضرورة الشعر . والضمير في قوله { لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ } راجع إلى قوله لهم { إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } هود 25 . وقرىء « وما أنا بطارد الذين آمنوا » بالتنوين على الأصل . فإن قلت ما معنى قوله { إنهم ملاقو رَّبُّهُمْ } ؟ قلت معناه أنهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم . أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من إيمان صحيح ثابت ، كما ظهر لي منهم وما أعرف غيره منهم . أو على خلاف ذلك مما تقرفونهم به من بناء إيمانهم على بادىء الرأي من غير نظر وتفكر . وما علي أن أشق عن قلوبهم وأتعرّف سر ذلك منهم حتى أطردهم إن كان الأمر كما تزعمون . ونحوه { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } الآية الأنعام 52 ، أو هم مصدقون بلقاء ربهم موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة { تَجْهَلُونَ } تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل من قوله @ ألاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا @@ أو تجهلون بلقاء ربكم . أو تجهلون أنهم خير منكم { مَن يَنصُرُنِى مِنَ ٱللَّهِ } من يمنعني من انتقامه { إِن طَرَدتُّهُمْ } وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا به ، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء { أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } معطوف على { عِندِى خَزَائِنُ ٱللَّهِ } أي لا أقول عندي خزائن الله ، ولا أقول أنا أعلم الغيب . ومعناه لا أقول لكم عندي خزائن الله فأدعي فضلا عليكم في الغنى ، حتى تجحدوا فضلي بقولكم { وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } هود 27 ولا أدعي علم الغيب حتى تنسبوني إلى الكذب والافتراء ، أو حتى أطلع على ما في نفوس أتباعي وضمائر قلوبهم { وَلا أَقُولُ إِنّى مَلَكٌ } حتى تقولوا لي ما أنت إلا بشر مثلنا ، ولا أحكم على من استرذلتم من المؤمنين لفقرهم أن الله لن يؤتيهم خيراً في الدنيا والآخرة لهوانهم عليه ، كما تقولون ، مساعدة لكم ونزولاً على هواكم { إِنّى إِذًا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } إن قلت شيئاً من ذلك ، والازدراء افتعال من زري عليه إذا عابه . وأزرى به قصر به ، يقال ازدرته عينه ، واقتحمته عينه .