Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 44-44)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نداء الأرض والسماء بما ينادي به الحيوان المميز على لفظ التخصيص والإقبال عليهما بالخطاب من بين سائر المخلوقات وهو قوله « يا أرض » ، « ويا سماء » ثم أمرهما بما يؤمر به أهل التمييز والعقل من قوله « ابلعي ماءك » و « أقلعي » من الدلالة على الاقتدار العظيم ، وأن السموات والأرض وهذه الأجرام العظام منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة عليه ، كأنها عقلاء مميزون قد عرفوا عظمته وجلالته وثوابه وعقابه وقدرته على كل مقدور ، وتبينوا تحتم طاعته عليهم وانقيادهم له ، وهم يهابونه ويفزعون من التوقف دون الامتثال له والنزول على مشيئته على الفور من غير ريث ، فكما يرد عليهم أمره كان المأمور به مفعولاً لا حبس ولا إبطاء . والبلع عبارة عن النشف . والإقلاع الإمساك . يقال أقلع المطر وأقلعت الحمى { وَغِيضَ ٱلْمَاء } من غاضه إذا نقصه { وَقُضِىَ ٱلأمْرُ } وأنجز ما وعد الله نوحاً من هلاك قومه { وَٱسْتَوَتْ } واستقرّت السفينة { عَلَى ٱلْجُودِىّ } وهو جبل بالموصل { وَقِيلَ بُعْدًا } يقال بعد بعدا وبعدا ، إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت ونحو ذلك ، ولذلك اختص بدعاء السوء ومجيء أخباره على الفعل المبني للمفعول للدلالة على الجلال والكبرياء ، وأنّ تلك الأمور العظام لا تكون إلا بفعل فاعل قادر ، وتكوين مكون قاهر ، وأنّ فاعلها فاعل واحد لا يشارك في أفعاله ، فلا يذهب الوهم إلى أن يقول غيره يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ، ولا أن يقضي ذلك الأمر الهائل غيره ، ولا أن تستوي السفينة على متن الجودي وتستقر عليه إلا بتسويته وإقراره ، ولما ذكرنا من المعاني والنكت استفصح علماء البيان هذه الآية ورقصوا لها رؤسهم ، لا لتجانس الكلمتين ، وهما قوله « ابلعي » و « أقلعي » وذلك وإن كان لا يخلي الكلام من حسن ، فهو كغير الملتفت إليه بإزاء تلك المحاسن التي هي اللب وما عداها قشور . وعن قتادة استقلت بهم السفينة لعشر خلون من رجب ، وكانت في الماء خمسين ومائة يوم ، واستقرت بهم على الجودي شهراً ، وهبط بهم يوم عاشوراء . وروي أنها مرت بالبيت فطافت به سبعاً ، وقد أعتقه الله من الغرق . وروي أنّ نوحاً صام يوم الهبوط وأمر من معه فصاموا شكراً لله تعالى .