Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 113, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الفلق والفرق الصبح ، لأنّ الليل يفلق عنه ويفرق فعل بمعنى مفعول . يقال في المثل هو أبين من فلق الصبح ، ومن فرق الصبح . ومنه قولهم سطع الفرقان ، إذا طلع الفجر . وقيل هو كل ما يفلقه الله ، كالأرض عن النبات ، والجبال عن العيون ، والسحاب عن المطر ، والأرحام عن الأولاد ، والحب والنوى وغير ذلك . وقيل هو واد في جهنم أوجب فيها من قولهم لما اطمأن من الأرض ، الفلق ، والجمع فلقان . وعن بعض الصحابة أنه قدم الشأم فرأى دور أهل الذمّة وما هم فيه من خفض العيش وما وسع عليهم من دنياهم ، فقال لا أبالى ، أليس من ورائهم الفلق ؟ فقيل وما الفلق ؟ قال بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } من شر خلقه . وشرّهم ما يفعله المكلفون من الحيوان من المعاصي والمآثم ، ومضارة بعضهم بعضاً من ظلم وبغي وقتل وضرب وشتم وغير ذلك ، وما يفعله غير المكلفين منه من الأكل والنهش واللدع والعضّ كالسباع والحشرات ، وما وضعه الله في الموات من أنواع الضرر كالإحراق في النار والقتل في السم . والغاسق الليل إذا اعتكر ظلامه من قوله تعالى { إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } الإسراء 78 ومنه غسقت العين امتلأت دمعاً ، وغسقت الجراحة امتلأت دماً . ووقوبه دخول ظلامه في كل شيء ، ويقال وقبت الشمس إذا غابت . وفي الحديث 1373 لما رأى الشمس قد وقبت قال " هذا حين حلها ، يعني صلاة المغرب " وقيل هو القمر إذا امتلأ ، وعن عائشة رضي الله عنها 1374 أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأشار إلى القمر فقال " تعوّذي بالله من شرّ هذا ، فإنه الغاسق إذا وقب " ووقوبه دخوله في الكسوف واسوداده . ويجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقبه ضربه ونقبه . والوقب النقب . ومنه وقبة الثريد والتعوّذ من شرّ الليل لأن انبثاثه فيه أكثر ، والتحرّز منه أصعب . ومنه قولهم الليل أخفى للويل . وقولهم أغدر الليل لأنه إذا أظلم كثر فيه الغدر وأسند الشرّ إليه لملابسته له من حدوثه فيه { ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ } النساء ، أو النفوس ، أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين والنفث النفخ من ريق ، ولا تأثير لذلك ، اللهم إلاّ إذا كان ثم إطعام شيء ضار ، أو سقيه ، أو إشمامه . أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه ولكن الله عزّ وجلّ قد يفعل عند ذلك فعلاً على سبيل الامتحان الذي يتميز به الثبت على الحقّ من الحشوية والجهلة من العوام ، فينسبه الحشوية والرعاع إليهنّ وإلى نفثهن ، والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبئون به ، فإن قلت فما معنى الاستعاذة من شرّهن ؟ قلت فيها ثلاثة أوجه ، أحدها أن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهنّ في ذلك . والثاني أن يستعاذ من فتنتهنّ الناس عند نفثهن ، ويجوز أن يراد بهنّ النساء الكيادات ، من قوله { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } يوسف 28 تشبيهاً لكيدهن بالسحر والنفث في العقد . أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهنّ لهم ومحاسنهنّ ، كأنهنّ يسحرنهم بذلك { إِذَا حَسَدَ } إذا ظهر حسده ، وعمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود ، لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر يعود منه على من حسده ، بل هو الضارّ لنفسه لاغتمامه بسرور غيره . وعن عمر بن عبد العزيز لم أر ظالماً أشبه بالمظلوم من حاسد . ويجوز أن يراد بشرّ الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده ، وإظهاره أثره . فإن قلت قوله { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } تعميم في كل ما يستعاذ منه ، فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد ؟ قلت قد خص شرّ هؤلاء من كلّ شر لخفاء أمره ، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم ، كأنما يغتال به . وقالواشر العداة المداجي الذي يكيدك من حيث لا تشعر . فإن قلت فلم عرّف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه ؟ قلت عرفت النفاثات ، لأن كل نفاثة شريرة ، ونكر غاسق ، لأنّ كل غاسق لا يكون فيه الشر ، إنما يكون في بعض دون بعض ، وكذلك كل حاسد لا يضرّ . ورب حسد محمود ، وهو الحسد في الخيرات . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام 1375 " لا حسد إلاّ في اثنتين " وقال أبو تمام @ وَمَا حَاسِدٌ فِي المَكْرُمَاتِ بِحَاسِدِ @@ وقال @ إنَّ الْعُلاَ حَسَنٌ فِي مِثْلِهَا الْحَسَدُ @@ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1376 " من قرأ المعوّذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلها " .