Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 114, Ayat: 1-6)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرىء « قل أعوذ » بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام ، ونحوه . { فَخُذْ أَرْبَعَةً } البقرة260 . فإن قلت لم قيل { بِرَبّ ٱلنَّاسِ } مضافاً إليهم خاصة ؟ قلت لأنّ الاستعاذة وقعت من شرّ الموسوس في صدور الناس ، فكأنه قيل أعوذ من شرّ الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم ، وهو إلـٰههم ومعبودهم ، كما يستغيث بعض الموالى إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالي أمرهم . فإن قلت { مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } ما هما من رب الناس ؟ قلت هما عطف بيان ، كقولك سيرة أبي حفص عمر الفاروق . بين بملك الناس ، ثم زيد بياناً بإلـٰه الناس ، لأنه قد يقال لغيره رب الناس ، كقوله { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ } التوبة 31 وقد يقال ملك الناس . وأمّا { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } فخاص لا شركة فيه ، فجعل غاية للبيان . فإن قلت فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرّة واحدة ؟ قلت لأنّ عطف البيان للبيان ، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار { ٱلْوَسْوَاسِ } اسم بمعنى الوسوسة ، كالزلزال بمعنى الزلزلة . وأمّا المصدر فوسواس بالكسر كزلزال . والمراد به الشيطان ، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه ، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه . أو أريد ذو الوسواس . والوسوسة الصوت الخفي . ومنه وسواس الحلي . و { ٱلْخَنَّاسِ } الذي عادته أن يخنس ، منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعواج والبتات ، لما روي عن سعيد بن جبير إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى ، فإذا غفل وسوس إليه { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ } يجوز في محله الحركات الثلاث ، فالجر على الصفة ، والرفع والنصب على الشتم ، ويحسن أن يقف القارىء على { ٱلْخَنَّاسِ } ويبتدىء { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ } على أحد هذين الوجهين { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان للذي يوسوس ، على أن الشيطان ضربان جنى وإنسي ، كما قال { شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } الأنعام 112 وعن أبي ذر رضي الله عنه قال لرجل هل تعوذت بالله من شيطان الإنس ؟ ويجوز أن يكون من متعلقاً بيوسوس ، ومعناه ابتداء الغاية ، أي يوسوس في صدروهم من جهة الجنّ ومن جهة الناس ، وقيل من الجنّة والناس بيان للناس ، وأن اسم الناس ينطلق على الجنة ، واستدلّوا بنفر و رجال في سورة الجن . وما أحقه لأن الجن سموا « جنا » لاجتنانهم ، والناس « ناساً » لظهورهم ، من الإيناس وهو الإبصار ، كما سموا بشراً ولو كان يقع على الناس على القبيلين ، وصحّ ذلك وثبت لم يكن مناسباً لفصاحة القرآن وبعده من التصنع . وأجود منه أن يراد بالناس الناسي ، كقوله { يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ } القمر 6 كما قرىء { مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } البقرة 199 ثم يبين بالجنة والناس لأنّ الثقلين هما النوعان الموصوفان بنسيان حق الله عزّ وجلّ . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1877 " لقد أنزلت عليّ سورتان ما أنزل مثلهما ، وإنك لن تقرأ سورتين أحب ولا أرضى عند الله منهما " يعني المعوذتين . ويقال للمعوذتين المقشقشتان .