Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 4-4)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ } بدل من أحسن القصص ، وهو من بدل الاشتمال ، لأن الوقت مشتمل على القصص وهو المقصوص ، فإذا قصَّ وقته فقد قص . أو بإضمار « اذكر » ويوسف اسم عبراني ، وقيل عربي وليس بصحيح لأنه لو كان عربياً لانصرف لخلوّه عن سبب آخر سوى التعريف . فإن قلت فما تقول فيمن قرأ « يوسِف » بكسر السين ، أو « يوسَف » بفتحها ، هل يجوز على قراءته أن يقال « هو عربي » لأنه على وزن المضارع المبني للفاعل أو المفعول من آسف . وإنما منع الصرف للتعريف ووزن الفعل ؟ قلت لا لأنّ القراءة المشهورة قامت بالشهادة ، على أن الكلمة أعجمية ، فلا تكون عربية تارة وأعجمية أخرى ، ونحو يوسف يونس ، رويت فيه هذه اللغات الثلاث ولا يقال هو عربي لأنه في لغتين منها بوزن المضارع من آنس وأونس . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 538 " إذا قيل من الكريم ؟ فقولوا الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " { يا أبت } قرىء بالحركات الثلاث . فإن قلت ما هذه التاء ؟ قلت تاء تأنيث وقعت عوضاً من ياء الإضافة ، والدليل على أنها تاء تأنيث قلبها هاء في الوقف . فإن قلت كيف جاز إلحاق تاء التأنيث بالمذكر ؟ قلت كما جاز نحو قولك حمامة ذكر وشاة ذكر ، ورجل ربعة ، وغلام يفعة . فإن قلت فلم ساغ تعويض تاء التأنيث من ياء الإضافة ؟ قلت لأنّ التأنيث والإضافة يتناسبان في أنّ كل واحد منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره . فإن قلت فما هذه الكسرة ؟ قلت هي الكسرة التي كانت قبل الياء في قولك يا أبي ، قد زحلقت إلى التاء ، لاقتضاء تاء التأنيث أن يكون ما قبلها مفتوحاً فإن قلت فما بال الكسرة لم تسقط بالفتحة التي اقتضتها التاء وتبقى التاء ساكنة ؟ قلت امتنع ذلك فيها ، لأنها اسم ، والأسماء حقها التحريك لأصالتها في الإعراب ، وإنما جاز تسكين الياء وأصلها أن تحرّك تخفيفاً ، لأنها حرف لين . وأما التاء فحرف صحيح نحو كاف الضمير ، فلزم تحريكها . فإن قلت يشبه الجمع بين التاء وبين هذه الكسرة الجمع بين العوض والمعوّض منه ، لأنها في حكم الياء ، إذا قلت يا غلام ، فكما لا يجوز « يا أبتي » لا يجوز « يا أبت » . قلت الياء والكسرة قبلها شيآن والتاء عوض من أحد الشيئين ، وهو الياء والكسرة غير متعرض لها ، فلا يجمع بين العوض والمعوض منه ، إلا إذا جمع بين التاء والياء لا غير . ألا ترى إلى قولهم « يا أبتا » مع كون الألف فيه بدلا من التاء ، كيف جاز الجمع بينها وبين التاء ، ولم يعد ذلك جمعاً بين العوض والمعوّض منه ، فالكسرة أبعد من ذلك . فإن قلت فقد دلت الكسرة في يا غلام على الإضافة لأنها قرينة الياء ولصيقتها . فإن دلت على مثل ذلك في « يا أبت » فالتاء المعوّضة لغو وجودها كعدمها . قلت بل حالها مع التاء كحالها مع الياء إذا قلت يا أبي . فإن قلت فما وجه من قرأ بفتح التاء وضمها ؟ قلت أما من فتح فقد حذف الألف من « يا أبتا » واستبقى الفتحة قبلها ، كما فعل من حذف الياء في « يا غلام » ويجوز أن يقال حركها بحركة الباء المعوض منها في قولك « يا أبي » . وأما من ضم فقد رأى اسماً في آخره تاء تأنيث ، فأجراه مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء فقال « يا أبت » كما تقول « ياتبة » من غير اعتبار لكونها عوضاً من ياء الإضافة ، وقرىء « إني رأيت » بتحريك الياء . « وأحد عشر » بسكون العين ، تخفيفاً لتوالي المتحركات فيما هو في حكم اسم واحد ، وكذا إلى تسعة عشر ، إلا اثني عشر لئلا يلتقي ساكنان ، ورأيت من الرؤيا ، لا من الرؤية ، لأنَّ ما ذكره معلوم أنه منام لأنّ الشمس والقمر لو اجتمعا مع الكواكب ساجدة ليوسف في حال اليقظة ، لكانت آية عظيمة ليعقوب عليه السلام ، ولما خفيت عليه وعلى الناس . فإن قلت ما أسماء تلك الكواكب ؟ قلت 539 روى جابر أنّ يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ، أخبرني عن النجوم التي رآهنّ يوسف ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي « إن أخبرتك هل تسلم » ؟ قال نعم . قال « جريان ، والطارق ، والذيال ، وقابس ، وعمودان ، والفليق ، والمصبح ، والضروح ، والفرغ ، ووثاب ، وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له » فقال اليهودي إي والله ، إنها لأسماؤها . وقيل الشمس والقمر أبواه . وقيل أبوه وخالته . والكواكب إخوته وعن وهب أنّ يوسف رأى وهو ابن سبع سنين أنّ إحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدارة ، وإذا عصا صغير تثب عليها حتى اقتلعتها وغلبتها ، فوصف ذلك لأبيه فقال إياك أن تذكر هذا لإخوتك ، ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب تسجد له ، فقصها على أبيه فقال له لا تقصها عليهم ، فيبغوا لك الغوائل . وقيل كان بين رؤيا يوسف ومصير إخوته إليه أربعون سنة . وقيل ثمانون . فإن قلت لم أخر الشمس والقمر ؟ قلت أخرهما ليعطفهما على الكواكب على طريق الاختصاص ، بياناً لفضلهما واستبدادهما بالمزية على غيرهما من الطوالع ، كما أخر جبريل ، وميكائيل عن الملائكة ، ثم عطفهما عليها لذلك ، ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع ، أي رأيت الكواكب مع الشمس والقمر . فإن قلت ما معنى تكرار رأيت قلت ليس بتكرار ، إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جواباً له ، كأن يعقوب عليه السلام قال له عند قوله { إِنّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا } كيف رأيتها سائلاً عن حال رؤيتها ؟ فقال { رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ } فإن قلت فلم أجريت مجرى العقلاء في رأيتهم لي ساجدين ؟ قلت لأنه لما وصفها بماهو خاص بالعقلاء وهو السجود . أجرى عليها حكمهم ، كأنها عاقلة ، وهذا كثير شائع في كلامهم ، أن يلابس الشيء الشيء من بعض الوجوه ، فيعطى حكماً من أحكامه إظهاراً لأثر الملابسة والمقاربة .