Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 20-24)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } مبتدأ . و { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } خبره كقوله والذين ينقضون عهد الله أولئك لهم اللعنة . ويجوز أن يكون صفة لأولي الألباب ، والأوّل أوجه . وعهد الله ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } الأعراف 172 { وَلاَ يِنقُضُونَ ٱلْمِيثَـٰقَ } ولا ينقضون كل ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله وغيره من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد ، تعميم بعد تخصيص { مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } من الأرحام والقرابات ، ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } الحجرات 10 بالإحسان إليهم على حسب الطاقة ، ونصرتهم ، والذب عنهم ، والشفقة عليهم ، والنصيحة لهم ، وطرح التفرقة بين أنفسهم وبينهم ، وإفشاء السلام عليهم ، وعيادة مرضاهم ، وشهود جنائزهم . ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر ، وكل ما تعلق منهم بسبب ، حتى الهرة والدجاجة . وعن الفضيل بن عياض أنّ جماعة دخلوا عليه بمكة فقال من أين أنتم ؟ قالوا من أهل خراسان . قال اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم ، واعلموا أنّ العبد لو أحسن الإحسان كله وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } أي يخشون وعيده كله { وَيَخَافُونَ } خصوصاً { سُوء الحِسَابِ } فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا { صَبَرُواْ } مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكليف { ٱبْتِغَاء وَجْهِ } الله ، لا ليقال ما أصبره وأحمله للنوازل ، وأوقره عند الزلازل ، ولا لئلا يعاب بالجزع ولئلا يشمت به الأعداء كقوله @ وَتَجَلُّدِي لِلشّامِتِينَ أُرِيِهمُ @@ ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ولا مردّ فيه للفائت ، كقوله @ مَا أنْ جَزعْتُ وَلاَ هَلَعْـــ ـــتُ وَلاَ يَرُدُّ بُكاي زَنْدَا @@ وكل عمل له وجوه يعمل عليها ، فعلى المؤمن أن ينوي منها ما به كان حسناً عند الله ، وإلا لم يستحق به ثواباً ، وكان فعلا كلا فعل { مّمّا رَزَقْنَـٰهُمْ } من الحلال لأنّ الحرام لا يكون رزقاً ولا يسند إلى الله { سِرّا وَعَلاَنِيَةً } يتناول النوافل ، لأنها في السر أفضل والفرائض ، لوجوب المجاهرة بها نفياً للتهمة { وَيَدْرَءونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيّئَةَ } ويدفعونها عن ابن عباس يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيء غيرهم . وعن الحسن إذا حرموا أعطوا ، وإذا ظلموا عفوا ، وإذا قطعوا وصلوا . وعن ابن كيسان إذا أذنبوا تابوا . وقيل إذا رأوا منكراً أمروا بتغييره { عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } عاقبة الدنيا وهي الجنة ، لأنها التي أراد الله أن تكون عاقبة الدنيا ومرجع أهلها و { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } بدل من عقبى الدار . وقرىء « فنعم » بفتح النون . والأصل نعم فمن كسر النون فلنقل كسرة العين إليها ، ومن فتح فقد سكن العين ولم ينقل وقرىء « يدخلونها » على البناء للمفعول . وقرأ ابن أبي عبلة « صلُح » بضم اللام ، والفتح أفصح ، أعلم أنّ الأنساب لا تنفع إذا تجردت من الأعمال الصالحة . وآباؤهم جمع أبوي كل واحد منهم ، فكأنه قيل من آبائهم وأمهاتهم { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } في موضع الحال ، لأنّ المعنى قائلين سلام عليكم أو مسلمين ، فإن قلت بم تعلق قوله { بِمَا صَبَرْتُمْ } ؟ قلت بمحذوف تقديره هذا بما صبرتم ، يعنون هذا الثواب بسبب صبركم ، أو بدل ما احتملتم من مشاق الصبر ومتاعبه هذه الملاذ والنعم والمعنى لئن تعبتم في الدنيا لقد استرحتم الساعة ، كقوله @ بِمَا قَدْ أرَى فِيهَا أوَانِسَ بُدَّنَا @@ وعن النبي صلى الله عليه وسلم 568 أنه كان يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول " السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " ويجوز أن يتعلق بسلام ، أي نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم .