Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 21-21)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَبَرَزُواْ للَّهِ } ويبرزون يوم القيامة . وإنما جيء به بلفظ الماضي ، لأنّ ما أخبر به عزّ وعلا لصدقه كأنه قد كان ووجد ، ونحوه { وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } الأعراف 44 ، { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } الأعراف 50 ونظائر له . ومعنى بروزهم لله - والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز له - أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ، ويظنون أن ذلك خاف على الله ، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم وعلموا أنّ الله لا يخفى عليه خافية . أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه . فإن قلت لما كتب { الضعفؤا } بواو قبل الهمزة ؟ قلت كتب على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو . ونظيره { علمؤا بَنِى إِسْرٰءيل } الشعراء 197 والضعفاء الأتباع والعوام والذين استكبروا ساداتهم وكبراؤهم ، الذين استتبعوهم واستغووهم وصدوهم عن الاستماع إلى الأنبياء وأتباعهم { تَبَعًا } تابعين جمع تابع على تبع ، كقولهم خادم وخدم وغائب وغيب أو ذوي تبع . والتبع الأتباع ، يقال تبعه تبعاً . فإن قلت أي فرق بين من في { مّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ } وبينه في { مِن شَىْء } ؟ قلت الأولى للتبيين ، والثانية للتبعيض ، كأنه قيل هل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله . ويجوز أن تكونا للتبعيض معاً ، بمعنى هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله ، أي بعض بعض عذاب الله فإن قلت فما معنى قوله { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } ؟ قلت الذي قال لهم الضعفاء كان توبيخا لهم وعتاباً على استتباعهم واستغوائهم . وقولهم { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا } من باب التبكيت لأنهم قد علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم ، فأجابوهم معتذرين عما كان منهم إليهم بأن الله لو هداهم إلى الإيمان لهدوهم ولم يضلوهم ، إما موركين الذنب في ضلالهم وإضلالهم على الله ، كما حكى الله عنهم وقالوا { لَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } الأنعام 148 ، { لَوْ شَآء ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء } النحل 35 يقولون ذلك في الآخرة كما كانوا يقولونه في الدنيا . ويدل عليه قوله حكاية عن المنافقين { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْء } المجادلة 18 . وإما أن يكون المعنى لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الإيمان . وقيل معناه لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم ، أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة { سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا } مستويان علينا الجزع والصبر . والهمزة وأم للتسوية . ونحوه { فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } الطور 16 وروي أنهم يقولون تعالوا نجزع ، فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم ، فيقولون تعالوا نصبر ، فيصبرون كذلك ثم يقولون سواء علينا . فإن قلت كيف اتصل قوله سواء علينا بما قبله ؟ اتصاله من حيث أنّ عتابهم لهم كان جزعاً مما هم فيه ، فقالوا سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ، يريدون أنفسهم وإياهم ، لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين فيها ، يقولون ما هذا الجزع والتوبيخ ، ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر والأمر من ذلك أطمّ . أو لما قالوا لو هدانا الله طريق النجاة لأغنينا عنكم وأنجيناكم ، أتبعوه الإقناط من النجاة فقالوا { مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } أي منجى ومهرب ، جزعنا أم صبرنا ، ويجوز أن يكون من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعاً ، كأنه قيل قالوا جميعاً سواء علينا ، كقوله { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أخنه } يوسف 52 والمحيص يكون مصدراً كالمغيب والمشيب . ومكاناً كالمبيت والمصيف . ويقال حاص عنه وجاض ، بمعنى واحد .