Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 2-3)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرىء « ربّما » و « ربّتما » بالتشديد . و « ربما » ، « وربَما » بالضم والفتح مع التخفيف . فإن قلت لم دخلت على المضارع وقد أبوا دخولها إلا على الماضي ؟ قلت لأن المترقب في إخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحققه ، فكأنه قيل ربما ودّ . فإن قلت متى تكون ودادتهم ؟ قلت عند الموت ، أو يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين . وقيل إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار ، وهذا أيضاً باب من الودادة . فإن قلت فما معنى التقليل ؟ قلت هو وارد على مذهب العرب في قولهم لعلك ستندم على فعلك ، وربما ندم الإنسان على ما فعل ، ولا يشكون في تندمه ، ولا يقصدون تقليله ، ولكنهم أرادوا ولو كان الندم مشكوكاً فيه أو كان قليلاً لحق عليك أن لاتفعل هذا الفعل ، لأنّ العقلاء يتحرّزون من التعرّض للغم المظنون ، كما يتحرّزون من المتيقن ومن القليل منه ، كما من الكثير ، وكذلك المعنى في الآية لو كانوا يودّون الإسلام مرة واحدة ، فبالحري أن يسارعوا إليه ، فكيف وهم يودّونه في كل ساعة { لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } حكاية ودادتهم ، وإنما جيء بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم ، كقولك حلف بالله ليفعلنّ . ولو قيل حلف بالله لأفعلن ولو كنا مسلمين لكان حسناً سديداً وقيل تدهشهم أهوال ذلك اليوم فيبقون مبهوتين ، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات من سكرتهم تمنوا ، فلذلك قلل { ذَرْهُمْ } يعني اقطع طمعك من ارعوائهم ، ودعهم عن النهي عما هم عليه والصدّ عنه بالتذكرة والنصيحة ، وخلهم { يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ } بدنياهم وتنفيذ شهواتهم ، ويشغلهم أملهم وتوقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال ، وأن لا يلقوا في العاقبة إلا خيراً { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } سوء صنيعهم . والغرض الإيذان بأنهم من أهل الخذلان ، وأنهم لا يجيء منهم إلا ما هم فيه ، وأنه لا زاجر لهم ولا واعظ إلا معاينة ما ينذرون به حين لا ينفعهم الوعظ ، ولا سبيل إلى اتعاظهم قبل ذلك فأمر رسوله بأن يخليهم وشأنهم ولا يشتغل بما لا طائل تحته ، وأن يبالغ في تخليتهم حتى يأمرهم بما لا يزيدهم إلا ندماً في العاقبة . وفيه إلزام للحجة ومبالغة في الإنذار وإعذار فيه . وفيه تنبيه على أن إيثار التلذذ والتنعم وما يؤدّي إليه طول الأمل . وهذه هجيرى أكثر الناس ليس من أخلاق المؤمنين ، وعن بعضهم التمرغ في الدنيا من أخلاق الهالكين .