Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 23-24)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ } وأمر أمراً مقطوعاً به { أَلاَّ تَعْبُدُواْ } أن مفسرة ولا تعبدوا نهي . أو بأن لا تعبدوا { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } وأحسنوا بالوالدين إحساناً . أو بأن تحسنوا بالوالدين إحساناً وقرىء « وأوصى » وعن ابن عباس رضي الله عنهما « ووصى » . وعن بعض ولد معاذ بن جبل وقضاء ربك . ولا يجوز أن يتعلق الباء في بالوالدين بالإحسان لأن المصدر لا يتقدّم عليه صلته { إِمَّا } هي « إن » الشرطية زيدت عليها « ما » تأكيداً لها ، ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل ، ولو أفردت « إن » لم يصح دخولها ، لا تقول إن تكرمن زيداً يكرمك ، ولكن إما تكرمنه . و { أَحَدُهُمَا } فاعل يبلغنّ ، وهو فيمن قرأ « يبلغان » بدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين و { كِلاَهُمَا } عطف على أحدهما فاعلاً وبدلاً . فإن قلت لو قيل إما يبلغان كلاهما ، كان كلاهما توكيداً لا بدلا ، فمالك زعمت أنه بدل ؟ قلت لأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيداً للاثنين ، فانتظم في حكمه ، فوجب أن يكون مثله . فإن قلت ما ضرّك لو جعلته توكيداً مع كون المعطوف عليه بدلاً ، وعطفت التوكيد على البدل ؟ قلت لو أريد توكيد التثنية لقيل كلاهما ، فحسب ، فلما قيل أحدهما أو كلاهما ، علم أنّ التوكيد غير مراد ، فكان بدلاً مثل الأول { أُفٍّ } صوت يدل على تضجر . وقرىء « أف » بالحركات الثلاث منوناً وغير منون الكسر على أصل البناء ، والفتح تخفيف للضمة والتشديد كثم ، والضم إتباع كمنذ . فإن قلت ما معنى عندك ؟ قلت هو أن يكبرا ويعجزا ، وكانا كلا على ولدهما لا كافل لهما غيره ، فهما عنده في بيته وكنفه ، وذلك أشق عليه وأشدّ احتمالاً وصبراً ، وربما تولى منهما ما كانا يتوليان منه في حال الطفولة ، فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال ، حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما أو يستثقل من مؤنهما أف ، فضلاً عما يزيد عليه . ولقد بالغ سبحانه في التوصية بهما حيث افتتحها بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ، ونظمهما في سلك القضاء بهما معاً ، ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضجر ومقتضياته ، ومع أحوال لا يكاد يدخل صبر الإنسان معها في استطاعة { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك . والنهي والنهر والنهم أخوات { وَقُل لَّهُمَا } بدل التأفيف والنهر { قَوْلاً كَرِيمًا } جميلاً ، كما يقتضيه حسن الأدب والنزول على المروءة . وقيل هو أن يقول يا أبتاه ، يا أماه ، كما قال إبراهيم لأبيه ياأبت ، مع كفره ، ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفا وسوء الأدب وعادة الدعار . قالوا ولا بأس به في غير وجهه ، كما قالت عائشة رضي الله عنها نحلني أبو بكر كذا . وقرىء « جناح الذل » ، الذل بالضم والكسر فإن قلت ما معنى قوله { جَنَاحَ ٱلذُّلّ } ؟ قلت فيه وجهان ، أحدهما أن يكون المعنى واخفض لهما جناحك كما قال { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } الحجر 88 فأضافه إلى الذل أو الذلّ ، كما أضيف حاتم إلى الجود على معنى واخفض لهما جناحك الذليل أو الذلول . والثاني أن تجعل لذله أو لذله لهما جناحاً خفيضاً ، كما جعل لبيد للشمال يداً ، وللقوة زماماً ، مبالغة في التذلل والتواضع لهما { مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } من فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما ، لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس ، ولا تكتف برحمتك عليهم التي لا بقاء لها وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية ، واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك . فإن قلت الاسترحام لهما إنما يصح إذا كانا مسلمين . قلت وإذا كانا كافرين فله أن يسترحم لهما بشرط الإيمان ، وأن يدعو الله لهما بالهداية والارشاد ، ومن الناس من قال كان الدعاء للكفار جائزاً ثم نسخ . وسئل ابن عيينة ، عن الصدقة عن الميت فقال كل ذلك واصل إليه ، ولا شيء أنفع له من الاستغفار ، ولو كان شيء أفضل منه لأمركم به في الأبوين . ولقد كرّر الله سبحانه في كتابه الوصية بالوالدين . وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم 607 " رضا الله في رضا الوالدين ، وسخطه في سخطهما " وروي 608 « يفعل البارّ ما يشاء أن يفعل فلن يدخل النار ، ويفعل العاق ما يشاء أن يفعل فلن يدخل الجنة » وروي سعيد بن المسيب إنّ البارّ لا يموت ميتة سوء . 609 وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ أبويّ بلغا من الكبر أني ألي منهما ماولياً مني في الصغر ، فهل قضيتهما ؟ قال لا ، فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك ، وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما . 610 وشكا رجل إلى رسول الله أباه وأنه يأخذ ماله ، فدعا به فإذا شيخ يتوكأ على عصا ، فسأله فقال إنه كان ضعيفاً وأنا قوي ، وفقيراً وأنا غنيّ ، فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي ، واليوم أنا ضعيف وهو قوي ، وأنا فقير وهو غنيّ ، ويبخل علي بماله ، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى ، ثم قال للولد أنت ومالك لأبيك ، أنت ومالك لأبيك " 611 وشكا إليه آخر سوء خلق أمّه فقال لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر ؟ قال إنها سيئة الخلق . قال لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين ؟ قال إنها سيئة الخلق . قال لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها وأظمأت نهارها ؟ قال لقد جازيتها . قال ما فعلت ؟ قال حججت بها على عاتقي . قال ما جزيتها ولو طلقة وعن ابن عمر أنه رأى رجلاً في الطواف يحمل أمّه ويقول @ إنِّي لَهَا مَطِيَّةٌ لاَ تُذْعَر إذَا الرِّكَابُ نَفَرَتْ لاَ تَنْفِر مَا حَمَلَتْ وَأَرْضَعَتْنِي أَكْثَر اللَّهُ رَبِّي ذُو الْجَلاَلِ الأَكْبَرُ @@ ثم قال تظنني جازيتها يا ابن عمر ؟ قال لا ولو زفرة واحدة وعنه عليه الصلاة والسلام 612 " إياكم وعقوق الوالدين ، فإنّ الجنة توجد ريحها من مسيرة ألف عام ، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جارّ إزاره خيلاء ، إنّ الكبرياء لله رب العالمين " وقال الفقهاء لا يذهب بأبيه إلى البيعة ، وإذا بعث إليه منها ليحمله فعل ، ولا يناوله الخمر . ويأخذ الإناء منه إذا شربها وعن أبي يوسف إذا أمره أن يوقد تحت قدره وفيها لحم الخنزير أوقد . وعن حذيفة 613 أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه وهو في صف المشركين ، فقال دعه يليه غيرك . وسئل الفضيل بن عياض عن برّ الوالدين فقال أن لا تقوم إلى خدمتهما عن كسل . وسئل بعضهم فقال أن لا ترفع صوتك عليهما ، ولا تنظر شزراً إليهما ، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر ولا باطن ، وأن تترحم عليهما ما عاشا ، وتدعو لهما إذا ماتا ، وتقوم بخدمة أودّائهما من بعدهما . فعن النبيّ صلى الله عليه وسلم . 614 " إنّ من أبر البرّ أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه " .