Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لقن الله عباده وفقههم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام ، وما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } ولم يجعل له شيئاً من العوج قط ، والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان ، والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه ، وخروج شيء منه من الحكمة والإصابة فيه . فإن قلت بم انتصب { قَيِّماً } ؟ قلت الأحسن أن ينتصب بمضمر ولا يجعل حالاً من الكتاب لأنّ قوله { وَلَمْ يَجْعَل } معطوف على أنزل ، فهو داخل في حيز الصلة ، فجاعله حالاً من الكتاب فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة ، وتقديره ولم يجعل له عوجا جعله قيماً لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة . فإن قلت ما فائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة ، وفي أحدهما غنى عن الآخر ؟ قلت فائدته التأكيد ، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح . وقيل قيما على سائر الكتب مصدقاً لها ، شاهداً بصحتها . وقيل قيماً بمصالح العباد وما لا بدّ لهم منه من الشرائع وقرىء « قيماً » « أنذر » متعدّ إلى مفعولين ، كقوله { إِنَّا أَنذَرْنَـٰكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } النبأ 40 فاقتصر على أحدهما ، وأصله { لِـّيُنذِرَ } الذين كفروا { بَأْسًا شَدِيدًا } والبأس من قوله { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } الأعراف 165 وقد بؤس العذاب وبؤس الرجل بأساً وبآسة { مِّن لَّدُنْهُ } صادراً من عنده . وقرىء « من لدنه » بسكون الدال مع إشمام الضمة وكسر النون { وَيُبَشِـّرُ } بالتخفيف والتثقيل . فإن قلت لم اقتصر على أحد مفعولى أنذر ؟ قلت قد جعل المنذر به هو الغرض المسبوق إليه ، فوجب الاقتصار عليه . والدليل عليه تكرير الإنذار في قوله { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا 4 } متعلقاً بالمنذرين من غير ذكر المنذر به ، كما ذكر المبشر به في قوله { أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا } استغناء بتقدّم ذكره . والأجر الحسن الجنة { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ } أي بالولد أو باتخاذه ، يعني أنّ قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط وتقليد للآباء ، وقد اشتملته آباؤهم من الشيطان وتسويله . فإن قلت اتخاذ الله ولداً في نفسه محال ، فكيف قيل ما لهم به من علم ؟ قلت معناه ما لهم به من علم لأنه ليس مما يعلم لاستحالته ، وانتفاء العلم بالشيء إمّا للجهل بالطريق الموصل إليه ، وإما لأنه في نفسه محال لا يستقيم تعلق العلم به . قرىء « كبرت كلمة » ، وكلمة بالنصب على التمييز والرفع على الفاعلية ، والنصب أقوى وأبلغ . وفيه معنى التعجب ، كأنه قيل ما أكبرها كلمة . و { تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } صفة للكلمة تفيد استعظاماً لاجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم ، فإن كثيراً مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس ويحدّثون به أنفسهم من المنكرات لا يتمالكون أن يتفوّهوا به ويطلقوا به ألسنتهم ، بل يكظمون عليه تشوّرا من إظهاره ، فكيف بمثل هذا المنكر ؟ وقرىء « كبْرت » بسكون الباء مع إشمام الضمة . فإن قلت إلام يرجع الضمير في كبرت ؟ قلت إلى قولهم { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا } وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها .