Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 60-65)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لِفَتَـٰهُ } لعبده . وفي الحديث 643 " ليقل أحدكم فتاي وفتاتي " ، ولا يقل عبدي وأمتي . وقيل هو يوشع بن نون . وإنما قيل فتاه لأنه كان يخدمه ويتبعه . وقيل كان يأخذ منه العلم . فإن قلت { لا أَبْرَحُ } إن كان بمعنى لا أزول - من برح المكان - فقد دلّ على الإقامة لا على السفر . وإن كان بمعنى لا أزال ، فلا بدّ من الخبر ، قلت هو بمعنى لا أزال ، وقد حذف الخبر لأنّ الحال والكلام معاً يدلان عليه . أمّا الحال فلأنها كانت حال سفر . وأمّا الكلام فلأن قوله { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } غاية مضروبة وتستدعي ما هي غاية له ، فلا بدّ أن يكون المعنى لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين . ووجه آخر وهو أن يكون المعنى لا يبرح مسيري حتى أبلغ على أن حتى أبلغ هو الخبر ، فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه وهو ضمير المتكلم ، فانقلب الفعل عن لفظ الغائب إلى لفظ المتكلم ، وهو وجه لطيف . ويجوز أن يكون . المعنى لا أبرح ما أنا عليه ، بمعنى ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه حتى أبلغ ، كما تقول لا أبرح المكان . ومجمع البحرين المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر عليهما السلام ، وهو ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق . وقيل طنجة . وقيل أفريقية . ومن بدع التفاسير أن البحرين موسى والخضر ، لأنهما كانا بحرين في العلم . وقرىء « مجمع » بكسر الميم ، وهي في الشذوذ من يفعل ، كالمشرق والمطلع من يفعل { أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً } أو أسير زماناً طويلاً . والحقب ثمانون سنة . وروي أنه لما ظهر موسى على مصر مع بني إسرائيل واستقرّوا بها بعد هلاك القبط ، أمره الله أن يذكر قومه النعمة ، فقام فيهم خطيباً فذكر نعمة الله وقال إنه اصطفى نبيكم وكلمه . فقالوا له قد علمنا هذا ، فأي الناس أعلم ؟ قال أنا . فعتب الله عليه حين لم يردّ العلم إلى الله ، فأوحى إليه بل أعلم منك عبدٌ لي عند مجمع البحرين وهو الخضر ، وكان الخضر في أيام أفريدون قبل موسى عليه السلام ، وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر ، وبقي إلى أيام موسى . وقيل إنّ موسى سأل ربه أيّ عبادك أحبّ إليك ؟ قال الذي يذكرني ولا ينساني . قال فأيّ عبادك أقضى ؟ قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى . قال فأيّ عبادك أعلم ؟ قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه ، عسى أن يصيب كلمة تدلّه على هدى ، أو تردّه عن ردى . فقال إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه . قال أعلم منك الخضر . قال أين أطلبه ؟ قال على الساحل عند الصخرة . قال يا ربِ ، كيف لي به ؟ قال تأخذ حوتاً في مكتل ، فحيث فقدته فهو هناك . فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني ، فذهبا يمشيان ، فرقد موسى ، فاضطرب الحوت ووقع في البحر ، فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت ، فأخبره فتاه بوقوعه في البحر ، فأتيا الصخرة ، فإذا رجل مسجى بثوبه ، فسلم عليه موسى ، فقال وأني بأرضنا السلام ، فعرّفه نفسه ، فقال يا موسى ، أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت ، وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا . فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرفها فنقر في الماء فقال الخضر ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مقدار ما أخذ هذا العصفور من البحر { نَسِيَا حُوتَهُمَا } أي نسيا تفقد أمره وما يكون منه مما جعل أمارة على الظفر بالطلبة . وقيل نسي يوشع أن يقدّمه ، ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء . وقيل كان الحوت سمكة مملوحة . وقيل إن يوشع حمل الحوت والخبز في المكتل ، فنزلا ليلة على شاطىء عين تسمى عين الحياة ، ونام موسى ، فلما أصاب السمكة برد الماء وروحه عاشت . وروي أنهما أكلا منها . وقيل توضأ يوشع من تلك العين فانتضح الماء على الحوت فعاش ووقع في الماء { سَرَباً } أمسك الله جرية الماء على الحوت فصار عليه مثل الطاق ، وحصل منه في مثل السرب معجزة لموسى أو للخضر { فَلَمَّا جَاوَزَا } الموعد وهو الصخرة لنسيان موسى تفقد أمر الحوت وما كان منه . ونسيان يوشع أن يذكر لموسى ما رأى من حياته ووقوعه في البحر . وقيل سارا بعد مجاوزة الصخرة الليلة والغد إلى الظهر ، وألقي على موسى النصب والجوع حين جاوز الموعد ، ولم ينصب ولا جاع قبل ذلك ، فتذكر الحوت وطلبه . وقوله { مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا } إشارة إلى مسيرهما وراء الصخرة . فإن قلت كيف نسي يوشع ذلك ، ومثله لا ينسى لكونه أمارة لهما على الطلبة التي تناهضا من أجلها لكونه معجزتين ثنتين وهما حياة السمكة المملوحة المأكول منها - وقيل ما كانت إلاّ شق سمكة - وقياء الماء وانتصابه مثل الطاق ونفوذها في مثل السرب منه ؟ ثم كيف استمرّ به النسيان حتى خلفا الموعد وسارا مسيرة ليلة إلى ظهر الغد ، وحتى طلب موسى عليه السلام الحوت ؟ قلت قد شغله الشيطان بوساوسه فذهب بفكره كل مذهب حتى اعتراه النسيان وانضم إلى ذلك أنه ضري بمشاهدة أمثاله عند موسى عليه السلام من العجائب ، واستأنس بإخوانه فأعان الإلف على قلة الاهتمام { أَرَأَيْتَ } بمعنى أخبرني . فإن قلت ما وجه التئام هذا الكلام ، فإن كل واحد من { أَرَأَيْتَ } و { إِذْ أَوَيْنَا } و { فَإِنّى نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } لا متعلق له ؟ قلت لما طلب موسى عليه السلام الحوت ، ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية ، فدهش وطفق يسأل موسى عليه السلام عن سبب ذلك ، كأنه قال أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة ؟ فإني نسيت الحوت ، فحذف ذلك . وقيل هي الصخرة التي دون نهر الزيت . و { أَنْ أَذْكُرَهُ } بدل من الهاء في { أَنْسَانِيهُ } أي وما أنساني ذكره إلاّ الشيطان . وفي قراءة عبد الله « أن اذكركه » و { عَجَبًا } ثاني مفعولي اتخذ ، مثل { سَرَباً } يعني واتخذ سبيله سبيلاً عجباً ، وهو كونه شبيه السرب . أو قال عجباً في آخر كلامه ، تعجباً من حاله في رؤية تلك العجيبة ونسيانه لها أو مما رأى من المعجزتين ، وقوله { أَنْسَٰنِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ } اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وقيل إن { عَجَبًا } حكاية لتعجب موسى عليه السلام ، وليس بذاك { ذٰلِكَ } إشارة إلى اتخاذه سبيلاً ، أي ذلك الذي كنا نطلب ، لأنه أمارة الظفر بالطلبة من لقاء الخضر عليه السلام . وقرىء « نبغ » لغير ياء في الوصل ، وإثباتها أحسن ، وهي قراءة أبي عمرو ، وأمّا الوقف ، فالأكثر فيه طرح الياء اتباعاً لخط المصحف { فَٱرْتَدَّا } فرجعا في أدراجهما { قَصَصًا } يقصان قصصاً ، أي يتبعان آثارهما اتباعاً . أو فارتدّا مقتصين { رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا } هي الوحي والنبوة { مّن لَّدُنَّـا } مما يختص بنا من العلم ، وهو الإخبار عن الغيوب .