Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 124-125)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ } اختبره بأوامر ونواه . واختبار الله عبده مجاز عن تمكينه عن اختيار أحد الأمرين ما يريد الله ، وما يشتهيه العبد ، كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك . وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنه « إبراهيمُ ربَّه » رفع إبراهيم ونصب ربه . والمعنى أنه دعاه بكلمات من الدعاء فعل المختبر هل يجيبه إليهنّ أم لا ؟ فإن قلت الفاعل في القراءة المشهورة يلي الفعل في التقدير ، فتعليق الضمير به إضمار قبل الذكر . قلت الإضمار قبل الذكر أن يقال ابتلى ربه إبراهيم . فأما ابتلى إبراهيم ربه أو ابتلى ربه إبراهيم ، فليس واحداً منهما بإضمار قبل الذكر . أما الأوّل فقد ذكر فيه صاحب الضمير قبل الضمير ذكراً ظاهراً . وأما الثاني فإبراهيم فيه مقدّم في المعنى ، وليس كذلك ابتلى ربه إبراهيم ، فإن الضمير فيه قد تقدم لفظاً ومعنى فلا سبيل إلى صحته . والمستكن { فَأَتَمَّهُنَّ } في إحدى القراءتين لإبراهيم بمعنى فقام بهنّ حق القيام وأدّاهنّ أحسن التأدية من غير تفريط وتوان . ونحو { وَإِبْرٰهِيمَ ٱلَّذِى وَفَّىٰ } وفّىٰ الأخرى لله تعالى بمعنى فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئاً . ويعضده ما روي عن مقاتل أنه فسر الكلمات بما سأل إبراهيم ربه في قوله { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا } البقرة 126 ، { وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } ، { وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ } . { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } فإن قلت ما العامل في إذ ؟ قلت إما مضمر نحو واذكر إذ ابتلى أو إذ ابتلاه كان كيت وكيت ، وإما { قَالَ إِنّى جَـٰعِلُكَ } . فإن قلت فما موقع قال ؟ قلت هو على الأوّل استئناف ، كأنه قيل فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات ؟ فقيل قال إني جاعلك للناس إماماً . وعلى الثاني جملة معطوفة على ما قبلها . ويجوز أن يكون بياناً لقوله ابتلى وتفسيراً له فيراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت ورفع قواعده . والإسلام قبل ذلك في قوله { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } وقيل في الكلمات هنّ خمس في الرأس الفرق ، وقص الشارب ، والسواك ، والمضمضة والاستنشاق . وخمس في البدن الختان ، والاستحداد ، والاستنجاء ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط . وقيل ابتلاه من شرائع الإسلام بثلاثين سهماً عشر في براءة { ٱلتَّـٰئِبُونَ ٱلْعَـٰبِدُونَ } التوبة 122 ، وعشر في الأحزاب { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ } الاحزاب 35 ، وعشر في المؤمنون ، وسأل سائل إلى قوله { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } المعارج 34 . وقيل هي مناسك الحج ، كالطواف والسعي والرمي والإحرام والتعريف وغيرهنّ . وقيل ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس والختان وذبح ابنه والنار والهجرة . والإمام اسم من يؤتم به على زنة الإله ، كالإزار لما يؤتزر به ، أي يأتمون بك في دينهم { وَمِن ذُرّيَتِى } عطف على الكاف ، كأنه قال وجاعل بعض ذريتي ، كما يقال لك سأكرمك ، فتقول وزيداً { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ } وقرىء « الظالمون » ، أي من كان ظالماً من ذرّيتك . لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة ، وإنما ينال من كان عادلاً بريئاً من الظلم وقالوا في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة . وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته . ولا تجب طاعته ولا يقبل خبره ، ولا يقدّم للصلاة . وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن عليّ رضوان الله عليهما ، وحمل المال إليه ، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي بالإمام والخليفة ، كالدوانيقي وأشباهه . وقالت له امرأة أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل . فقال ليتني مكان ابنك . وكان يقول في المنصور وأشياعه لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عدّ آجره لما فعلت . وعن ابن عيينة لا يكون الظالم إماماً قط . وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة ، والإمام إنما هو لكف الظلمة . فإذا نصب من كان ظالماً في نفسه فقد جاء المثل السائر من استرعى الذئب ظلم . و { ٱلْبَيتَ } اسم غالب للكعبة ، كالنجم للثريا { مَثَابَةً لّلنَّاسِ } مباءة ومرجعاً للحجاج والعمار ، يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه أي يثوب إليه أعيان الذين يزورونه أو أمثالهم { وَأَمْناً } موضع أمن ، كقوله { حَرَماً ءامِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } العنكبوت 67 ولأن الجاني يأوي إليه فلا يتعرض له حتى يخرج . وقرىء « مثابات » ، لأنه مثابة لكل من الناس لا يختص به واحد منهم { سَوَاء ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } { وَٱتَّخِذُواْ } على إرادة القول ، أي وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه . وهو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 53 " أنه أخذ بيد عمر فقال هذا مقام إبراهيم ، فقال عمر أفلا نتخذه مصلى ـــ يريد أفلا نؤثره لفضله بالصلاة فيه تبركاً به وتيمناً بموطىء قدم إبراهيم ـــ فقال لم أومر بذلك ، فلم تغب الشمس حتى نزلت » " وعن جابر بن عبد الله 54 « أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استلم الحجر ورمل ثلاثة أشواط ومشى أربعة ، حتى إذا فرغ ، عمد إلى مقام إبراهيم ، فصلى خلفه ركعتين ، وقرأ { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى } وقيل مصلى مدعى . ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه ، والموضع الذي كان فيه الحجر حين وضع عليه قدميه ، وهو الموضع الذي يسمى مقام إبراهيم . وعن عمر رضي الله عنه أنه سأل المطلب بن أبي وداعة هل تدري أين كان موضعه الأوّل ؟ قال نعم ، فأراه موضعه اليوم . وعن عطاء { مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ } عرفة والمزدلفة والجمار ، لأنه قام في هذه المواضع ودعا فيها . وعن النخعي الحرم كله مقام إبراهيم . وقرىء « واتخذوا » بلفظ الماضي عطفا على « جعلنا » أي واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به وإسكان ذرّيته عنده قبلةً يصلون إليها { عَهِدْنَا } أمرناهما { أَن طَهّرَا بَيْتِىَ } بأن طهرا ، أو أي طهرا . والمعنى طهراه من الأوثان والأنجاس وطواف الجنب والحائض والخبائث كلها ، أو أخلصاه لهؤلاء لا يغشه غيرهم { وَٱلْعَـٰكِفِينَ } المجاورين الذين عكفوا عنده ، أي أقاموا لا يبرحون ، أو المعتكفين . ويجوز أن يريد بالعاكفين الواقفين يعني القائمين في الصلاة ، كما قال { لِلطَّائِفِينَ وَٱلْقَائِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } الحج 26 ، والمعنى للطائفين والمصلين ، لأن القيام والركوع والسجود هيآت المصلي .