Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 127-129)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَرْفَعُ } حكاية حال ماضية . و { ٱلْقَوَاعِدَ } جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه ، وهي صفة غالبة ، ومعناها الثابتة . ومنه قعّدك الله ، أي أسأل الله أن يقعدك أي يثبتك . ورفع الأساس البناء عليها لأنها إذا بنى عليها نقلت عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع وتطاولت بعد التقاصر . ويجوز أن يكون المراد بها سافات البناء لأنّ كل ساف قاعدة للذي يبنى عليه ويوضع فوقه . ومعنى رفع القواعد رفعها بالبناء لأنه إذا وضع سافاً فوق ساف فقد رفع السافات . ويجوز أن يكون المعنى وإذ يرفع إبراهيم ما قعد من البيت ـــ أي استوطأ ـــ يعني جعل هيئته القاعدة المستوطئة مرتفعة عالية بالبناء ، وروي أنه كان مؤسساً قبل إبراهيم فبنى على الأساس . وروي أن الله تعالى أنزل البيت ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد شرقي وغربي ، وقال لآدم عليه السلام أهبطت لك ما يطاف به كما يطاف حول عرشي ، فتوجه آدم من أرض الهند إليه ماشياً ، وتلقته الملائكة فقالوا بَرَّ حجك يا آدم ، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وحج آدم أربعين حجة من أرض الهند إلى مكة على رجليه ، فكان على ذلك إلى أن رفعه الله أيام الطوفان إلى السماء الرابعة فهو البيت المعمور ، ثم إن الله تعالى أمر إبراهيم ببنائه وعرّفه جبريل مكانه . وقيل بعث الله سحابةً أظلته ونودي أن ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص . وقيل بناه من خمسة أجبل طورسينا ، وطورزيتا ، ولبنان ، والجودي ، وأسسه من حراء . وجاءه جبريل بالحجر الأسود من السماء . وقيل تمخض أبو قبيس فانشق عنه ، وقد خبىء فيه في أيام الطوفان وكان ياقوتة بيضاء من الجنة ، فلما لمسته الحيض في الجاهلية اسودّ . وقيل كان إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة { رَبَّنَا } أي يقولان ربنا . وهذا الفعل في محل النصب على الحال ، وقد أظهره عبد الله في قراءته ، ومعناه يرفعانها قائلين ربنا { إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ } لدعائنا { ٱلْعَلِيمُ } بضمائرنا ونياتنا . فإن قلت هلا قيل قواعد البيت ، وأي فرق بين العبارتين ؟ قلت في إبهام القواعد وتبيينها بعد الإبهام ما ليس في إضافتها لما في الإيضاح بعد الإبهام من تفخيم لشأن المبين { مُسْلِمَيْنِ لَكَ } مخلصين لك أوجهنا ، من قوله { أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } البقرة112 أو مستسلمين . يقال أسلم له وسلم واستسلم ، إذا خضع وأذعن . والمعنى زدنا إخلاصاً أو إذعاناً لك . وقرىء « مسلمين » على الجمع ، كأنهما أرادا أنفسهما وهاجر ، أو أجريا التثنية على حكم الجمع لأنها منه { وَمِن ذُرّيَّتِنَا } واجعل من ذرّيتنا { أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } و { مِنَ } للتبعيض أو للتبيين ، كقوله { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ } النور 55 . فإن قلت لم خصّا ذرّيتهما بالدعاء ؟ قلت لأنهم أحق بالشفقة والنصيحة { قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } التحريم 6 ، ولأنّ أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم وشايعوهم على الخير . ألا ترى أن المقدّمين من العلماء والكبراء إذا كانوا على السداد ، كيف يتسببون لسداد من وراءهم ؟ وقيل أراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم { وَأَرِنَا } منقول من رأى بمعنى أبصر أو عرّف . ولذلك لم يتجاوز مفعولين ، أي وبصرنا متعبداتنا في الحج ، أو وعرفناها . وقيل مذابحنا . وقرىء وأرْنا بسكون الراء قياساً على فخذ في فخذ . وقد استرذلت ، لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليها ، فإسقاطها إجحاف . وقرأ أبو عمرو بإشمام الكسرة . وقرأ عبد الله « وأرهم مناسكهم » . { وَتُبْ عَلَيْنَا } ما فرط منا من الصغائر أو استتاباً لذرّيتهما { وَٱبْعَثْ فِيهِمْ } في الأمة المسلمة { رَسُولاً مّنْهُمْ } من أنفسهم . وروى أنه قيل له قد استجيب لك وهو في آخر الزمان ، فبعث الله فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم . قال عليه الصلاة والسلام 55 " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى ورؤيا أمي " { يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِكَ } يقرأ عليهم ويبلغهم ما يوحى إليه من دلائل وحدانيتك وصدق أنبيائك { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } القرآن { وَٱلْحِكْــمَةَ } الشريعة وبيان الأحكام { وَيُزَكّيهِمْ } ويطهرهم من الشرك وسائر الأرجاس ، كقوله { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـئِثَ } الاعراف157 .