Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 142-143)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَاء } الخفاف الأحلام وهم اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة ، وأنهم لا يرون النسخ . وقيل المنافقون ، لحرصهم على الطعن والاستهزاء . وقيل المشركون ، قالوا رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها ، والله ليرجعن إلى دينهم . فإن قلتأي فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه ؟ قلت فائدته أن مفاجأة المكروه أشدّ ، والعلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع لما يتقدّمه من توطين النفس ، وأنّ الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وأرد لشغبه ، وقبل الرمي يراش السهم { مَا وَلَّـٰهُمْ } ما صرفهم { عَن قِبْلَتِهِمُ } وهي بيت المقدس { لّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } أي بلاد المشرق والمغرب والأرض كلها { يَهْدِى مَن يَشَآءُ } من أهلها { إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو ما توجبه الحكمة والمصلحة ، من توجيههم تارة إلى بيت المقدس ، وأخرى إلى الكعبة { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ } ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم { أُمَّةً وَسَطًا } خياراً ، وهي صفة بالاسم الذي هو وسط الشيء . ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث . ونحوه قوله عليه السلام 63 " وأنطوا الثبجة " يريد الوسيطة بين السمينة والعجفاء وصفاً بالثَّج وهو وسط الظهر ، إلا أنه ألحق تاء التأنيث مراعاة لحق الوصف . وقيل للخيار وسط لأنّ الأطراف يتسارع إليها الخلل ، والأعوار والأوساط محمية محوّطة . ومنه قول الطائي @ كَانَتْ هِيَ الْوَسَط المَحْمِيَّ فَاكْتَنفَتْ بِهَا الْحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرَفَا @@ وقد اكتريت بمكة جمل أعرابي للحج فقال أعطني من سطاتهنه ، أراد من خيار الدنانير . أو عدولاً ، لأنّ الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض { لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } روي 64 أنّ الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء ، فيطالب الله الأنبياء بالبينة على أنهم قد بلغوا وهو أعلم ، فيؤتى بأمّة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون ، فتقول الأمم من أين عرفتم ؟ فيقولون علمنا ذلك بإخبار الله في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق ، فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته ، فيزكيهم ويشهد بعدالتهم وذلك قوله تعالى { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً } النساء 41 . فإن قلت فهلا قيل لكم شهيداً وشهادته لهم لا عليهم . قلت لما كان الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له ، جيء بكلمة الاستعلاء . ومنه قوله تعالى { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٌ } المجادلة 7 ، { كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٌ } المائدة 17 . وقيل لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا فيما لا يصح إلا بشهادة العدول الأخيار { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } يزكيكم ويعلم بعدالتكم ، فإن قلت لم أخرت صلة الشهادة أولاً وقدّمت آخراً ؟ قلت لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم ، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيداً عليهم { ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَا } ليست بصفة للقبلة إنما هي ثاني مفعولي جعل . يريد وما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة ، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بمكة إلى الكعبة ، ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفاً لليهود ، ثم حوّل إلى الكعبة فيقول وما جعلنا القبلة التي تجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أوّلاً بمكة ، يعني وما رددناك إليها إلا امتحاناً للناس وابتلاء { لَنَعْلَمُ } الثابت على الإسلام الصادق فيه ، ممن هو على حرف ينكُص { عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } لقلقه فيرتدّ كقوله { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } الآية . ويجوز أن يكون بياناً للحكمة في جعل بيت المقدس قبلته . يعني أنّ أصل أمرك أن تستقبل الكعبة ، وأن استقبالك بيت المقدس كان أمراً عارضاً لغرض . وإنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل وقتك هذا ـــ وهي بيت المقدس ، لنمتحن الناس وننظر من يتبع الرسول منهم ومن لا يتبعه وينفر عنه . وعن ابن عباس رضي الله عنه 65 كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه فإن قلت كيف قال { لِنَعْلَمَ } ولم يزل عالماً بذلك ؟ قلت معناه لنعلمه علماً يتعلق به الجزاء ، وهو أن يعلمه موجوداً حاصلاً ونحوه { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } التوبة 16 . وقيل ليعلم رسول الله والمؤمنون . وإنَما أسند علمهم إلى ذاته ، لأنهم خواصه وأهل الزلفى عنده . وقيل معناه لنميز التابع من الناكص ، كما قال { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ } الأنفال 37 فوضع العلم موضع التمييز لأنّ العلم به يقع التمييز به { وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً } هي إن المخففة التي تلزمها اللام الفارقة . والضمير في { كَانَتْ } لما دلّ عليه قوله { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَا } من الردّة ، أو التحويلة ، أو الجعلة . ويجوز أن يكون للقبلة { لَكَبِيرَةٌ } لثقيلة شاقة { إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } إلا على الثابتين الصادقين في اتباع الرسول الذين لطف الله بهم وكانوا أهلاً للطفه { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } أي ثباتكم على الإيمان وأنكم لم تزلّوا ولم ترتابوا ، بل شكر صنيعكم وأعدّ لكم الثواب العظيم . ويجوز أن يراد وما كان الله ليترك تحويلكم لعلمه أن تركه مفسدة وإضاعة لإيمانكم . وقيل من كان صلى إلى بيت المقدس قبل التحويل فصلاته غير ضائعة . عن ابن عباس رضي الله عنه 66 لما وجه رسول الله إلى الكعبة قالوا كيف بمن مات قبل التحويل من إخواننا فنزلت . { لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } لا يضيع أجورهم ولا يترك ما يصلحهم . ويحكى عن الحجاج أنه قال للحسن ما رأيك في أبي تراب ، فقرأ قوله { إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } ثم قال وعليٌّ منهم ، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته ، وأقرب الناس إليه ، وأحبهم . وقرىء « إلا لِيُعْلِمَ » على البناء للمفعول . ومعنى العلم المعرفة . ويجوز أن تكون من متضمنة لمعنى الاستفهام معلقاً عنها العلم ، كقولك علمت أزيد في الدار أم عمرو . وقرأ ابن أبي إسحاق « على عقبيه » بسكون القاف . وقرأ اليزيدي « لكبيرة » بالرفع . ووجهها أن تكون كان مزيدة ، كما في قولهوَجِيْرَانٍ لَنَا كانُوا كِرَامِ والأصل وإن هي لكبيرةٌ كقولك إن زيد لمنطلق ثم وإن كانت لكبيرة وقرىء « ليضيع » بالتشديد .